الجمعة 26/أبريل/2024

المعاطة

خالد معالي

المعاطة اسم غريب وجديد لا يعرفه إلا من كابد مشقة العبور من خلالها، فبمجرد الاقتراب من المعاطة والتي لا يكاد يوجد حاجز صهيوني خال منها، يراودك شعور انك مقبل على عملية تكون أنت فيها الضحية دون ذنب أو جريمة اقترفتها إلا لمجرد انك فلسطيني تريد أن تعبر من قرية إلى قرية أو من بلدة إلى بلدة للعلاج أو لزيارة قريب عزيز عليك أو لمتابعة تحصيلك العلمي ….

المعاطة اسم شعبي يطلقه الفلسطينيون على بوابة الاحتلال الدائرية التي يجبرون على المرور عبرها مرتين في اليوم على كل حاجز، وقد أطلق الفلسطينيون عليها هذا الاسم لقرب الشبه مع المعاطة التي يتم فيها فصل ريش الدجاج عن بقية جسمه، وهذا ما يريده الاحتلال بالضبط… أن يفصل كرامة وحرية وإنسانية الفلسطيني العابر والمار من خلال المعاطة وإشعاره انه تابع للاحتلال ولا يملك من أمر نفسه شيئا إلا كما يريد الاحتلال، أو الجندي أو المجندة الواقفة على الحاجز والتي تمارس ساديتها بطريقه بشعة من خلال السماح أو عدم السماح لرجل أو امرأة أو طفل لعبور المعاطة.

وعند عبور الفلسطيني للمعاطة يشعر انه مجرد شيء وليس إنسان، حيث عيون الجنود تراقبه والأجهزة الالكترونية تنتظره لتصفر على أي شيء معدني بحوزته، لتكتمل قصة الإذلال اليومي للفلسطيني، وخلال المرور قد تتوقف المعاطة بفعل كبسه من مجندة تراقب وتتحكم في المعاطة، عندها يسجن الفلسطيني دون كلبشات ودون أمر اعتقال لحين إعادة المجندة للضغط على الكبسة الخضراء.

ويراود الفلسطيني شعور بالراحة بعد الخلاص من عبور المعاطة حيث يتنهد ليواصل مشوار سفره مع تواصل عيون الجنود والمجندات بمتابعة سيره وأصابعهم على الزناد كأنهم في معركة مع هذا الفلسطيني الذي نجح في عبور المعاطة، ولا يخلو شعور عندها بنجاح المقاومة وكنس الاحتلال ولو بعد حين .

وعبور المعاطه قد يكلف الفلسطيني أحيانا السجن لعدة ساعات (كما أن عبور الحاجز قد يكلف الفلسطيني حياته أحيانا أخرى) بحجة انه لم ينصع لأوامر الجنود أثناء عبوره لها، وأحيانا يطلب الجندي من احد العابرين والذي يكون في الغالب من الشباب أن يعود لآخر الدور في الصف بعد أن كان قد اقترب من عبور المعاطة لعبور الحاجز ليعاود الانتظار في الدور لعدة ساعات أخرى.

الضوء الأخضر فوق المعاطة يستثير الأحاسيس والمشاعر والذي يعني الإفراج وإطلاق سراح المواطن الغلبان من عذاب الانتظار الطويل للسماح له بعبور المعاطة، والضوء الأحمر يرفع الضغط ويزيد الحنق على الاحتلال الذي يحرم الفلسطيني حتى من نعمة الحركة والتنقل والذي يعني قف لا يمكنك العبور، ومن اشد الأمور صعوبة أن الحيوانات على الحاجز تصول وتجول وتسرح وتمرح ذهابا وإيابا وهذا ما يريد قوله الاحتلال وإيصاله لكل فلسطيني انك اقل شأنا من هذه التي تصول وتجول مما يزيد الحقد والكراهية والبغضاء….

استوقفني صراخ رجل على احد الحواجز ونحن ننتظر عبور المعاطة وهو يقول : على المعاطة يا شباب جهزوا حالكم، نعم كما نتجهز الضحية لذبحها ويا …لسوء لحظات الانتظار وعبور المعاطة التي لا تميز بين كبير وصغير، المعاطة ذات الشكل الاسطواني أصبحت كابوسا تلاحق الفلسطيني في أحلامه وتطارده أينما حل فلا مفر من الحديث المتواصل عن المعاطة في المجالس العامة والخاصة.

ومصائب قوم عند قوم فوائد.. ويا لعظم المعاطة وهي توحد الجميع في بوتقة العبور عبرها مهما كان مستواه ومن الكبير حتى الصغير، فلا فتحاوي ولا حمساوي ولا جبهاوي يستطيع الإفلات من المعاطة فكلهم فلسطينيون، فالمعاطة لا تميز ولا تفرق بينهم فكلهم كأسنان المشط ولا بد من وجبة الإذلال للجميع حتى لا ينسى أحدهم ولا للحظه واحدة أن نعل الاحتلال فوقه وأن الاحتلال فوق الجميع وهم تحته.. شاء من شاء… وأبى من أبى….؟!

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات