السبت 27/أبريل/2024

صحفي في مواجهة العالم

د. إبراهيم حمّامي

ليس فلسطينياً وليس عربياً، ليس لاجئاً ولا من عائلة قدمت شهداء، ليس لديه أقارب أو أفراد عائلة من فلسطين، لكنه وببساطة صحفي سويدي حر وشجاع، اسمه دونالد بوستروم، قرر أن ينشر ما توصل إليه رغم معرفته المسبقة لما سيتعرض له، وهو الذي سبق وأن هددوه بالقتل لكتاب نشره أيضاً عن فلسطين.

صحفي أثبت أنه أكثر شرفاً من عشرات بل مئات من الصحفيين العرب الذين يعتاشون من مدح الحاكم والتهليل له.

من هو دونالد بوستروم؟

يعرّف الكاتب رشاد أبو شاور دونالد بوستروم بأنه صحفي سويدي، زار فلسطين أكثر من ثلاثين مرّة، فرأى وصوّر وكتب، لأنه لم يزر فلسطين سائحا، بل باحثا عن حقيقة الصراع الدائر على الأرض المعذّبة، بين شعب أعزل إلاّ من حجارة أرضه، والشعور العالي بالكرامة، والتسلّح بإرادة لم يكسرها البطش، وتفوّق السلاح في يّد مُحتّل شرس يمارس القتل، واقتلاع الأشجار، وصيد أطفال الفلسطينيين بلا رحمة، بل بمتعة يبررها بأساطير وخرافات تحشو عقله .

هذا

الصحفي السويدي عايش الفلسطينيين في الانتفاضتين، ونقل المشهد بتفاصيله وجنونه ورعبه إلى المواطن السويدي ليحصنه بالمعرفة والحقيقة في وجه الدعاية الصهيونيّة العنصريّة الابتزازيّة .

جاء إلى فلسطين وهو غير منحاز لأي من الطرفين، ولكن نزاهته كصحفي فتحت عينيه على واقع الصراع، فتأمل ما يحدث، وذهب برؤيته إلى الجوهر، فانحاز للحقيقة والحّق، وجمع كتابات عدد من السويديين في كتاب أطلق عليه اسم (إن شاء الله) ترجمته إلى العربيّة أمل عطا عبّاس الكسواني، وصدر بطبعته العربيّة في السويد عام 2006.

والكتاب يحوي مائتي صورة التقطها بوستروم نفسه، وهو معروف كمصوّر ممتاز، والصور تحكي أحداث الانتفاضتين، وسور النهب، وتدمير المنازل، ومشاهد قمع جنود الاحتلال للفلسطينيين .

عنوان الكتاب ليس سخرية من إيمان الفلسطينيين،

ولكنه احترام لثقتهم بعدالة الله الواحد الأحد، رّب العالمين، وليس إله فئة من البشر تدّعي التميّز العنصري على بني البشر أجمعين بأعراقهم، وألوانهم، وثقافاتهم .

في الصفحة 15 من كتاب (إن شاء الله) الذي حرره وأشرف عليه بوستروم، يورد شهادة لأم

يهوديّة فقدت ابنتها في عمليّة استشهاديّة، تقول تلك السيدة نوريت بيليد ألشان : “ لقد استغرقت حكومتنا عشرين عاما من الاحتلال قبل أن يُفرّخ الاحتلال العمليّة الانتحاريّة الأولى”.

يُفسّر بوستروم كلام الأم اليهوديّة التي خسرت

ابنتها: “.. وهي تقصد أن الانتهاكات والإذلال على الحواجز (الإسرائيليّة) تُشكّل معملا لتفريخ الانتحاريين، مشيرة بوضوح إلى مسؤوليّة (إسرائيل) عن الوضع المتأزّم”. (ص15 من الترجمة العربيّة)

في مقدمة كتاب (إن شاء الله) يكتب

بوستروم: وبالطبع لو كان باستطاعة الفلسطينيين أن يستبدلوا أسلحتهم اليدوية الصنع بطائرات إف 16 ومروحيات الأباتشي لفعلوا، لأن الأحداث قد أظهرت بوضوح أن إرهاب (الدولة الإسرائيليّة) والمنفّذ بأرقى الأسلحة الغربيّة ضد المدنيين الفلسطينيين، لم يحظ ولو بجزء بسيط من الإدانات التي تناولت (الإرهاب الفلسطيني).. مع إن إرهاب الدولة أشد فتكا. (ص14)

منذ نشر بوستروم كتابه بدأت الحملة عليه، وقد بلغت

حدّ التهديد بالقتل، فقد تمّ إرسال نسخة من كتابه وصلته بالبريد وفيها 12 طعنة خنجر.

حملة شرسة ضد بوستروم والسويد

ما إن نشر بوستروم مقاله الشهير عن سرقة أعضاء الشبان الفلسطينيين في صحيفة “أفتون بلاديت” السويدية يوم الاثنين 17/08/2009 حتى قامت الدنيا ولم تقعد في “إسرائيل” ليس من باب مناقشة ما ورد فيه، أو رداً على المحتوى أو المضمون، بل طعناً وهجوماً واتهاماً بالعنصرية ومعاداة السامية للصحفي بوستروم، ومطالب بالاعتذار والإدانة من السويد وحكومتها وقياداتها.

وفجأة تحول المتهم إلى مهاجم صاحب حق، والصحفي ودولته إلى متهمين، فقط لمحاولته كشف ما توصل إليه، ومطالبته بفتح تحقيق في الأمر.

المقال المذكور يسرد تفاصيل خبر من بروكلين في الولايات المتحدة لحاخام سماه تاجر أعضاء بشرية، ويقول فيه إن “إسرائيل” وطبقاً لمؤتمر عقد في العام 2003 هي الدولة الوحيدة في العالم التي لا تدين مهنة الطب فيها سرقة الأعضاء البشرية، ويتحدث عن اتصالات تلقاها من مسؤولي الأمم المتحدة عام 1992 يعربون فيها عن قلقهم من أن سرقة أعضاء لشبان فلسطينيين تحدث فعلا، وأخيراً يوثق حالة الشاب بلال غانم من قرية أماتين شمال الضفة الغربية.

الحملة المسعورة التي يقودها نتنياهو وليبرمان كانت على ما يبدو لصرف الأنظار عن تلك الممارسات، ومحاولة لوقف أي أمر مشابه في المستقبل، وهو ما عبر عنه الكاتب الإسرائيلي روسي الأصل إسرائيل شامير في مقال له على موقعه، حين وصف سبب هذه الهستيريا بـ”الخرق في جدار السيطرة الإعلامية” موضحاً بعض مظاهر السيطرة الإعلامية “اليهودية” في السويد، والذي سرد أيضاً وقائع أخرى تورط فيها “إسرائيليون” في دول أخرى منها تركيا وجنوب أفريقيا والبرازيل وأوكرانيا.

بل ذهب لأبعد من ذلك في وصف ما سماه “عدم وجود للموانع الأخلاقية” بحديثه عن فتوى لحاخام اسمه يتسحاق غيزبورغ يسمح فيها لليهودي “دينياً” بأخذ كبد من “الغوييم” حتى بدون إذنه، لأن حياة “اليهودي” أكثر قيمة من حياة “الحيوان”.

تلك الحملة صمدت في وجهها الحكومة السويدية حتى اللحظة، رغم ظهور شواهد على بدء الرضوخ من خلال ما نشرته السفيرة السويدية في تل أبيب معربة فيه عن “الصدمة والاستنكار” عما نُشر، وهي من عائلة بونير اليهودية الثرية والتي بحسب إسرائيل شامير تملك غالبية الصحف السويدية وشبكات التلفزة ودور السينما، وأيضاً من خلال الإحراج الذي تعرض له وزير الخارجية السويدي كارل بيلت من التلويح برغبة “إسرائيل” في إلغاء زيارته لتل أبيب مما دعاه للكتابة في إحدى المدونات أن “مثل هذا المقال من الممكن أن يتسبب بمعاداة السامية والتحريض هو ضد القانون السويدي”.

أما الصحيفة والصحفي فقد ثبتوا على موقفهم ورفضوا أي اعتذار أو تراجع، متمسكين بحقهم وتحت حرية الرأي، بل وفي مقال بعنوان “الأسبوع الذي أصبح فيه العالم مجنونا” نشر الأحد 23/08/2009 قال رئيس تحرير الصحيفة يان هيلين إنه في التقرير الأول الذي نشر مطلع الأسبوع لم يكن هناك أدلة على الاتجار بأعضاء قتلى فلسطينيين.

وقال “لست نازيا ولا معاديا للسامية، إنني رئيس تحرير الصحيفة الذي أعطى الضوء الأخضر لنشر مقال لأنه كان يطرح مجموعة من النقاط المقنعة” والصحيفة اليوم تتعرض لحملات قضائية أيضاً في السويد والولايات المتحدة.

الحملة الهستيرية أيضاً انتقلت من الحكومة الإسرائيلية إلى الجمهور حيث نشرت صحيفة الجيروزاليم بوست في عددها الصادر بتاريخ 24/08/2009 خبراً عن البدء بحملة “وطنية” لمقاطعة البضائع السويدية وخصت مخازن “إيكيا” الشهيرة للمفروشات، ومصنع “فولفو” للسيارات بهذه المقاطعة، وكذلك خرجت في ذات اليوم مظاهرات أمام السفارة السويدية في تل أبيب احتجاجاً على المقال.

في كل تلك المظاهرات والاحتجاجات والحملات غاب تماماً أي ذكر لمحتوى المقال والاتهامات الواردة فيه والمطالب بفتح تحقيق دولي، أو أي رد على تساؤل بسيط من قبيل لماذا يتم تشريح الجثامين رغم معرفة سبب الوفاة أي الرصاص؟ وببساطة لو كان الاحتلال وقادته لا يخفون أمراً ولا يخشون شيئاً، لقبلوا فوراً بفتح تحقيق لتبريء ساحتهم، وإسكات الجميع، ومن ثم مقاضاة الصحيفة والصحفي.

مما يجدر ذكره هنا أنها ليست المرة الأولى التي تتهم فيها “إسرائيل” بالتهمة ذاتها، ويكفي أن نذكر أن الصحف الإسرائيلية نشرت عام 2007 قصة شبان ستة من خان يونس قتلتهم قوات الاحتلال واختطفت جثامينهم لمدة ستة أيام وأعادتهم بعدها وقد خيطت صدورهم وبطونهم.

عدا عن أنه وحتى اللحظة وبحسب الح

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات