الخميس 28/مارس/2024

COME AND SEE

صلاح حميدة
قبل أيام من حلول يوم التّضامن مع الشّعب الفلسطيني قام المنسّق العام لمجموعة ” كايروس فلسطين” رفعت قسّيس بعرض كتابه في محاضرة في مدينة رام الله، و تضمّن العرض تعريفاً بمجموعته وعرضاً لأهدافها ونشاطاتها، وبيّن قسّيس أنّ الفكرة نشأت من قبل مجموعة من المسيحيين الفلسطينيين في محاكاة لمبادرة كنائس مسيحيّة في جنوب إفريقيا ضدّ نظام الفصل العنصري في حينه، معتبراً أنّ الفكرة الفلسطينيّة ليست نسخاً حرفيّاً لما جرى في جنوب إفريقيا ولكنّها تشترك معها في الكثير من المحاور الرّئيسيّة، بالإضافة إلى أنّ الفكرة الفلسطينيّة تمتدّ لتضمّ مسلمين أيضاً.

اعتبر قسّيس أنّ نشاطات مجموعته سياسيّة  وليست دينيّة لاهوتيّة، وتهدف إلى دفع مسيحيي فلسطين للمبادرة في العمل الوطني من أجل قضيّتهم، مبيّناً أنّ هناك ميادين يمكن لهم العمل والتّأثير فيها بشكل جدّي، وبيّن أنّ مجموعته مدّت حبال الوصال مع حوالي خمسين مجموعة في دول العالم، وقامت هذه المجموعة بإظهار حقائق القضيّة والمعاناة الفلسطينية لتلك المجموعات، وبيّنت لهم أنّ مسيحيي فلسطين هم أصل المسيحيّة وأنّهم ليسوا نتاجاً لحملات تنصيريّة، وعبّر عن ذلك قسّيس بقوله للحضور من الغربيين:- (you are our product and we are not your product) وهي حقيقة لا يعرفها الكثير من مسيحيي العالم، فيما يتجاهلها بعضهم.

وبيّن أنّ الفكرة المركزيّة التي تعمل على تحقيقها تلك المجموعة، والّتي كان من بين الحاضرين مجموعة من الأوروبّيين والأمريكيين من نتائج نشاطها، فهي العمل وفق قاعدة تخاطب الأفراد من غير العرب تقول :- (  come and see) وكما قال منسّق مجموعة ” كايروس فلسطين” رفعت قسّيس لجموع الحاضرين من الغربيين بأن يأتوا لفلسطين ليس من أجل السّياحة والرفاهيّة، ولكن عليهم أن يأتوا ويزوروا ويشاهدوا بأمّ أعينهم كيف يعيش ويعاني الفلسطينيون من سياسات الاحتلال والاستهداف العنصري لهم في كافّة مناحي حياتهم، مبيّناً لهم أنّ (الحديث عن السّلام شيء جميل، ولكن عيش السّلام هو الأجمل) وأنّه (لا سلام بلا عدالة وأنّ العدالة تقتضي إعادة الحقوق المسلوبة للفلسطينيين).

بالتّوازي مع مبادرة هذه المجموعة المسيحيّة الفلسطينيّة قام آخرون من غير العرب بتطبيق مبادرة ( come and see) بدعوة أو بدون دعوة، فرجل فلسطين في بريطانيا جورج جلاوي أفاد في مقابلة مع فضائيّة “فلسطين اليوم” الفلسطينيّة بأنّه عندما كان شابّاً نشيطاً في حزب العمّال البريطاني جاءه فلسطيني من عائلة أبو الرّيش إلى مقر الحزب، وشرح له عن عدالة القضيّة الفلسطينيّة، وأنّ جلاوي قرّر بعدها السّفر إلى لبنان وعاش بين الفلسطينيين في المخيّمات لمدّة سنة كاملة، وأنّه بعدما شاهد معاناة الفلسطينيين في المخيّمات وكيف يعيش المستجلبين على أرض اللاجئين في فلسطين، نذر نفسه من أجل القضيّة الفلسطينيّة حتّى اليوم، ويعتبر جلاوي أحد أهم منظّمي قوافل شرايين الحياة إلى قطاع غزّة والتي حققت انجازات دعائيّة وإغاثيّة و سياسيّة جيّدة.

ضابط كبير في سلاح الجو البرازيلي قرّر زيارة فلسطين المحتلة سائحاً، ولم يكن يعرف شيئاً عن القضيّة الفلسطينيّة، وتصادف أنّ والده البرازيلي – غير العربي ولا المسلم – سمّاه بإسم ( مصطفى) لأنّه كان يحبّ هذا الاسم، وعندما وصل لمطار مدينة اللد المحتلّة، تمّ احتجازه ومعاملته معاملة سيّئة جدّاً بسبب إسمه، واتهم أنّه من مناصري القضيّة الفلسطينيّة وأنّه إمّا عربي أو مسلم، وتمّ ترحيله إلى البرازيل ومنع من دخول فلسطين المحتلّة، شنّ هذا الضّابط هجمة إعلاميّة  في وسائل الاعلام البرازيليّة ضد عنصريّة الاحتلال، وبالرّغم من اعتذار دولة الاحتلال له إلا أنّ ما قاموا به ضدّه شجّع غيره للقدوم ورؤية ما يجري، فقام ضابط آخر من سلاح الجوّ البرازيلي بزيارة لفلسطين المحتلّة وذهب إلى جدار الفصل العنصري وشاهد كيف يعامل الفلسطينيون على المعابر وشاهد ما يطلق عليه فلسطينيّاً ( المعّاطات) التي يجبر الفلسطيني على عبورها بطرق مهينة، وشاهد كيف عومل مرافقه الفلسطيني واحتجز بسبب اسمه وشكله، وشاهد كيف عومل من الجمهور الفلسطيني وكيف كان يعامل بجفاء من المحتلّين، وفي نهاية زيارته أعرب عن سعادته وألمه لهذه الزّيارة، سعادة لأنّه شاهد الصّورة الحقيقيّة للشّعب الفلسطيني، وألمه لما شاهد من معاناتهم من قبل الاحتلال.

مجموعة من الطّلبة الكنديين كانوا من مناصري دولة الاحتلال، ولم يكونوا يعرفون عن القضيّة الفلسطينيّة إلا ما كانوا يشاهدونه عبر وسائل الاعلام الّتي تتبنّى وجهة النّظر الصّهيونيّة للصّراع، حرّك بعض هؤلاء ما شاهدوه من قصف وعدوان على قطاع غزّة قبل ثلاث سنوات تقريباً، وقرّر بعضهم أن يأتوا لرؤية ما يجري بعد حوار وجدل ساخن مع بعض مناصري القضيّة الفلسطينيّة في جامعتهم، بعد أن شاهد هؤلاء ما يجري في الضّفّة الغربيّة وقطاع غزّة والدّاخل الفلسطيني من قبل الاحتلال، قرّروا تنظيم زيارات متواصلة لمجموعات أخرى من الطّلبة ليأتوا ويشاهدوا ما يجري على أرض الواقع، ويقوموا بأعمال تطوّعيّة لصالح القطاعات المتضرّرة من سياسات الاحتلال من الفلسطينيين.

من الممكن رؤية الكثير من هؤلاء الّذين يأتون ويرون ما يجري بحقّ الفلسطينيين، فهم موزّعون في الكثير من مناطق التّماس مع الاحتلال في الضّفّة الغربيّة وقطاع غزّة، تشاهدهم في بلعين ونعلين والنّبي صالح وجيّوس والولجة وحيّ الشّيخ جرّاح في القدس وفي مناطق التّماس في قطاع غزّة، وكان من أبرز هؤلاء المناضلة الأمريكيّة راشيل كوري التي قتلت دهساً تحت جرّافة عسكرية إسرائيليّة في رفح، والمناضل الايطالي فيتوريو أريجوني الّذي تمّ اغتياله بيد مجموعة كانت تدار عبر مجهولين على الشّبكة العنكبوتيّة، وعلى الأرجح أنّ من أعطاهم الأمر بقتله كان يهدف من وراء ذلك إلى وقف حملة ( تعال وشاهد) من خلال إرسال رسالة مضادّة لمن يرغب بالقدوم بأنّه مستهدف بالقتل من قبل من يأتي للتّضامن معهم، وبالتّالي وقف عمليّة التّحوّل في الشّارع الغير عربي ضدّ ممارسات الاحتلال العنصري، فقد خضع هؤلاء للدّعاية الصّهيونيّة لسنوات طويلة، وما يحاول القيام به من يسعون لجلبهم لهنا هو أن يعيشوا الواقع كما هو بلا أيّ خضوع لمؤثّرات دعائيّة، وهذه لوحدها كافية لمسح كل الدّعاية المضلّلة التي خضعوا لها لسنوات.

من المهم والجيّد أن يقوم الفلسطينيون بشرح قضيّتهم للآخرين والسّعي لتوعيتهم وتغيير مواقفهم لصالح قضيّتهم، ولكن الأهم من هذا أن يقوم الفلسطينيون بتمتين صفّهم وتوحيد كلمتهم وخطابهم وممارستهم الكفاحيّة على أرض الواقع، وتحرير أنفسهم من القيود الماليّة والسّياسيّة الغربيّة، فدور المتضامنين ليس هو الدور الجوهري في عمليّة التّحرر من الاحتلال بل التّحرّر يكمن في داخل كل فلسطيني عندما يحرّر نفسه من قيود كثيرة غير قيود الاحتلال، ومن غير المقبول أن تترك راشيل كوري وفيتوريو أريجوني وغيرهم العيش برفاهية في الغرب ويأتوا ليموتوا من أجل القضيّة الفلسطينيّة فيما يتصارع الفلسطينيون على شرعيّة أو لا شرعيّة مقاومة الاحتلال.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات

عباس يصدق على تشكيلة حكومة محمد مصطفى

عباس يصدق على تشكيلة حكومة محمد مصطفى

رام الله - المركز الفلسطيني للإعلام صدق رئيس السلطة محمود عباس على منح الثقة لحكومة محمد مصطفى، وسط استمرار تجاهل موقف الفصائل الفلسطينية التي...