كزهر اللوز
تترك فترة الربيع في نفسي شيئا تجعلها تواقة لها في كل حين، راحلة إلى عطرها الوردي ونسماتها الدافئة الباردة، لا أبالغ حين أقول إنها تزور خاطري كل يوم بصور جميلة لا تنمحي بمرور الزمن، بل تتجدد مع نهاية كل شباط وبداية كل آذار.
ألوان مختلفة من العذابات قاسيتها هذا الشتاء؛ فلم أكن أعلم في ذلك اليوم الذي قمنا فيه أنا ومحمد بفرش سجاد المنزل وتعبنا فيه سويا حتى الفجر أننا لن نمضي هذا الشتاء في منزلنا الدافئ، وأنه سيكون مختلفا جدا عن أيامنا التي اعتدنا أن نعيشها معا بكل تفاصيلها وحلوها ومرها، وإن غاب المرار كثيرا بصحبته.
كنت أمعن النظر إلى أشجار اللوز كلما سنحت لي الفرصة خلال تنقلي في المركبة من محافظة إلى أخرى بشكل شبه يومي خلال الأشهر الثلاثة الماضية حاملة معي رسالة زوجي المسجى على سرير المستشفى يئن من الألم؛ رسالة عظيمة بمداد الكرامة يجب أن تصل إلى كل مسمع مهما بلغ بي الأمر من تعب، أسترق النظر إلى أشجار اللوز مشفقة عليها وهي عارية من ورقها الأخضر اليانع الذي زينها على مدار العام، وتصارع رياحا عاتية وزخات غزيرة من الأمطار وحدها.
أيام لا توصف ولا أستطيع ذلك لو نويت، لأن المشاعر في هذه المواقف تداس تحت عجلات ضرورة الاستمرار بلا خوف ولا وجل كي تصل القضية إلى مبتغاها، دست على مشاعر الزوجة المكلومة والأم الحزينة وارتديت ثوبا تجاهلته كثيرا، وهو الخروج إلى العلن؛ في سبيل إنجاح القضية وإعطائها الزخم المطلوب.
ومع كل صورة تخرج من هناك أو مقطع مصور كنت أتحاشى النظر، وأحاول أن أكمل المهمة دون أن أدع للحزن طريقا يشق إليّ؛ فإن استسلمت أو تراجعت سيكون المردود سلبيا للغاية، وسيغزو القلق قلوب كل من حولنا وسنتحول من مثبّتين إلى مثبطين، القرار كان قاسيا للغاية ولكنه متطلب المرحلة.
في أحد الأيام خلال أسبوع الإضراب الأخير فتحت نافذة المركبة ونحن نمر بإحدى المحافظات الشمالية؛ أشرقت أنوار داخلي لم أعرف طبيعتها حين رأيت شجرة لوز مطلية بأزهار بيضاء ووردية جميلة نمت على فروعها على استحياء، لم أشفق عليها هذه المرة بل شعرت بشيء يشبه الفخر والرضا حين نالت هذه الشجرة ما تستحق من منظر خلاب بعد أن قاست الكثير خلال أشهر الشتاء القارس.
بضع ساعات فقط حتى تلقينا اتصالا يفيد أن نواة اتفاق بدأت تتبلور لتنهي معاناة زوجي في الإضراب والاعتقال الإداري بعد ما يقارب مئة يوم هي كل فصل الشتاء بكانونيْه وصقيعه ونصاعة ثلجه ولسعات برده.
نعم، أزهر اللوز فينا وقتها، وتلامست أحلامنا مع حقيقة واحدة تعكس نصرا غاليا كم تعبنا للوصول إليه وكم نهش من جسد “الغالي” حتى نبرهن للعالم أجمع أننا شعب يحب الحياة ما استطاع إليها سبيلا.. لا نحب الموت ولا الجوع ولا العيش على الماء ولكنها رسالة المقهور ظلما إما أن نعيش أحرارا أو نموت كراما.
الرابط المختصر:
أخبار ذات صلة
مختارات
الأورومتوسطي يرحب بقرارات “العدل الدولية” الملزمة بإدخال المساعدات لغزة
جنيف – المركز الفلسطيني للإعلام أعلن المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان ترحيبه بإصدار محكمة العدل الدولية اليوم الخميس، تدابير تحفظية جديدة تلزم...
رغم قرارات “العدل الدولية” ومجلس الأمن.. أطفال غزة يقضون بالجوع والقصف
غزة – المركز الفلسطيني للإعلام تتواصل حرب الإبادة الصهيونية على غزة في يومها 174، بكل وحشيتها وقهرها لتقدم للعالم على مائدة الإفطار والسحور وجبة...
مفوض أممي: الوضع في قطاع غزة يرقى إلى “جريمة حرب”
نيويورك – المركز الفلسطيني للإعلام قال مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان فولكر تورك، الخميس، إن الوضع في قطاع غزة قد يرقى إلى "جريمة حرب". جاء...
120 ألفا يؤدون صلاتي العشاء والتراويح في المسجد الأقصى
القدس – المركز الفلسطيني للإعلام أدى نحو 120 ألف مصل فلسطيني، الخميس، صلاتي العشاء والتراويح في المسجد الأقصى المبارك، رغم القيود التي تفرضها سلطات...
القسام: تفجير منزل مفخخ واستهداف 4 آليات للاحتلال في القطاع
غزة المركز الفلسطيني للإعلام أعلنت كتائب القسام، الجناح العسكري لحركة حماس، الخميس، تفجير منزل مفخخ بقوة صهيونية واستهداف 4 آليات بالقذائف، خلال...
هنية ووفد حماس يلتقون رئيس البرلمان الإيراني
طهران - المركز الفلسطيني للإعلام التقى إسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي لحركة حماس ووفد قيادة الحركة رئيس البرلمان الإيراني -الخميس- في العاصمة...
العدل الدولية تُصدر تدابير جديدة بشأن قطاع غزة
لاهاي- المركز الفلسطيني للإعلام دعت محكمة العدل الدولية، اليوم الخميس، الاحتلال الإسرائيلي لضمان دخول المساعدات إلى قطاع غزة "دون معوقات"....