الخميس 25/أبريل/2024

مئة عام على تصريح بلفور.. ما العمل؟

ياسر علي

“إن حكومة صاحب الجلالة تنظر بإيجابية لتأسيس وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين، وستستخدم أفضل الوسائل لتسهيل تحقيق هذا الهدف. مفهوم بوضوح أن شيئًا لن يحدث مما يمكن أن ينتقص من الحقوق المدنية أو الدينية للمجتمعات الحالية غير اليهودية في فلسطين، ولا الحقوق والمكانة السياسية التي يتمتع بها اليهود في أي بلد آخر”. وسأكون ممتنًا إذا ما أعلمتم الاتحاد الصهيوني بهذا التصريح.

المخلص:
“آرثر جيمس بلفور”

في 67 كلمة باللغة الإنجليزية، بدأت عمليًّا، منذ مئة عام، الخطوات الأولى لسرقة فلسطين لحساب المشروع الصهيوني في المنطقة، وفق ما يُسمى “وعد بلفور”، المنسوب إلى وزير الخارجية البريطاني آنذاك آرثر جيمس بلفور.

هذا الوعد الذي صدر في 2 تشرين الثاني (نوفمبر) 1917، كتب مصير أمة وتشريد شعب لحساب شذاذ من الآفاق، جاؤوا ليزعموا بأن لهم حقا في فلسطين. فكان “وعد من لا يملك لمن لا يستحق”، ثمنه كما أشاعوا أن تُعطى “أرضٌ بلا شعب، لشعب بلا أرض”!

الكيان الصهيوني هو وليد المخططات الاستعمارية الكثيرة، والتي لم تأخذ حيّز التنفيذ والعمل، ولم تجد الفرصة الملائمة كالفرصة التي لاحت أمام “تصريح بلفور”

لقد عملت بريطانيا على تمرير الخديعة باتفاقات سرية مع كل الأطراف في المنطقة، فتبادلت الرسائل والضمانات مع الشريف حسين (رسائل مكماهون) التي تؤكد أن فلسطين ستكون ضمن السيطرة العربية بعد الحرب العالمية الأولى. واتفقت مع فرنسا وروسيا لاقتسام المنطقة من خلال اتفاق (سايكس بيكو) الذي كانت روسيا جزءًا منه، غير أنها فضحته بعد الثورة البلشفية التي أسست الاتحاد السوفياتي لاحقًا. وأصدرت تصريح بلفور الذي أسس للكيان الصهيوني لاحقًا بقوة السلاح البريطاني.

كانت ولادة هذا “التصريح” عسيرة بين كل هذه الوعود التي منحتها بريطانيا للأطراف، وحاولت الخارجية البريطانية تدوير الزوايا من أجل إخراجه بشكل غير صادم، خصوصًا أن الولايات المتحدة لم توافق عليه في المرة الأولى.

وحين وافق الرئيس الأمريكي ولسون، تابعت الخارجية البريطانية عملية إصدار “وعد بلفور” بعد خمس مسودات (سوّد الله وجوههم). هذه المسودات تم فحصها من قبل دبلوماسيين خبراء بشؤون المنطقة، وقانونيين اهتموا باللغة ومعانيها بحيث يتم الالتفاف على كل التبعات القانونية والالتزامات السياسية السابقة والموازية.

ولأنه لم يكن ملزمًا لبريطانيا، لم يعجب التصريح حاييم وايزمن، رئيس الاتحاد الصهيوني في بريطانيا، واعتبر أن أي وثيقة يحصلون عليها ستكون مفيدة ولو كانت هزيلة، فالعبرة بالوقائع على الأرض وطريقة فرضها.

وجرى لاحقًا إدراج مضمون التصريح إلى صك الانتداب (1922) الذي صادقت عليه الدول الاستعمارية الخمس في عصبة الأمم. في حين كان المندوب السامي البريطاني هربرت صمويل قد بدأ بتنفيذه حين تسلم مهماته في فلسطين عام 1920 على مدى خمس سنوات.

ومن نافل القول أن الكيان الصهيوني هو وليد المخططات الاستعمارية الكثيرة، والتي لم تأخذ حيّز التنفيذ والعمل، ولم تجد الفرصة الملائمة كالفرصة التي لاحت أمام “تصريح بلفور”، ولم تجد الإرادة والجنود العاملين لها كما وجدها التصريح.

من لا يستطيع المقاومة بالسلاح، فللمقاومة أشكال أخرى، فليقاوم بالتظاهرات والاعتصامات ومواقع التواصل الاجتماعي، حتى يصل صوت فلسطين لكل العالم.

ما العمل؟

لم تغب مقاومة وعد بلفور عن الفلسطينيين منذ مائة سنة حتى اليوم، ولكن الدروس المستفادة من تمكّن الصهاينة واحتلالهم فلسطين بالعلاقات والاحتيال والقوة. يؤكد لنا أنه لا ضير من الاقتداء بهم في بعض المفاصل السياسية.. من قبيل:

– بناء أوسع العلاقات السياسية والدبلوماسية وفي اللوبيات الشعبية (خصوصًا الشباب الذين حققوا تقدمًا واسعًا بسبب وسائل التواصل الاجتماعي الحديثة).

– السعي إلى مقارعة الاحتلال وبريطانيا، وعدم السكون، ولو بعد مائة عام عن جريمة بلفور التي تفتخر بها الحكومة البريطانية، ويعتبرها الكيان الصهيوني القابلة التي أخرجت الجنين الصهيوني إلى الدنيا.

– تذكير المجتمع الدولي بهذه الجريمة دائمًا، وعدم تركه مرتاح الضمير تجاهها.

– تأصيل عدم شرعية هذا التصريح قانونيًّا، ومحاكمته دوليًّا.

– دعم التحركات الشعبية وتحريك التضامن العالمي مع القضية الفلسطينية، وخصوصًا التضامن الشعبي البريطاني.

– الانضمام إلى الحملات العالمية في مواجهة هذا التصريح، وخصوصًا الحملة التي يقودها المؤتمر الشعبي لفلسطينيي الخارج.

– المشاركة في مواقع التواصل الاجتماعي، والمساهمة في اختراق الوسم العالمي (الهاشتاغ) الذي سيشارك به الصهاينة أيضًا، لأننا نريد أن يصل صوتنا إلى العالم، وليس أن يبقى التغريد داخليًّا. والوسم المعتمد الآن هو #balfour100.

وأخيرًا، النقطة الأهم، التي تستحق أن تكون وحدها، ولا ندرجها في النقاط أعلاه، وهي:

المقاومة، وما أخذ بالقوة، لا يسترد بغير القوة.. ولا يضيع حق وراءه مقاومة.. ومن لا يستطيع المقاومة بالسلاح، فإن في الميدان أشكالًا أخرى من المقاومة، فليقاوم في التظاهرات والاعتصامات ومواقع التواصل الاجتماعي، حتى يصل صوت فلسطين الكاملة من البحر إلى النهر، إلى كل العالم ليعرف الحق الذي غاب تحت وطأة قوة الباطل.. وليكن للحق قوة ولنكن نحن جنود هذه القوة.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات