الخميس 28/مارس/2024

دولة في مواجهة حركة.. ما وراء ذلك !

د. أسامة الأشقر

كان من الملفت أن تلجأ الولايات المتحدة إلى هذا التصويت الذي يضع دولة عظمى بحجمها في مواجهة حركة تحررية فلسطينية تواجه كياناً بعيداً عنها، وهذا الكيان قوي وقادر على مواجهة الدول العربية بكفاءة عالية فضلاً عن مواجهة حركة، كل ما فعلته أنها لم تهزم نهائياً رغم أن كل حساباتهم الميدانية تقول إنها مهزومة لا محالة، بل صمدت وطورت قدرتها على الصمود والتأثير.

معادلة دولة عظمى في مواجهة حركة في مشروع القرار الأممي الأخير الذي فشل تمريره في الجمعية العامة ينبغي النظر إليها بزاوية استراتيجية غير القراءة التحليلية الواقعية المنتشرة الآن:

إن هذا الاستهداف المباشر باسم الولايات المتحدة يعني أن الكيان الإسرائيلي عاجز عن مواجهة حرب العصابات وأنه عاجز عن مواجهة الرأي العام الإنساني الدولي في مجال الحقوق والحريات الذي يعدّ من الملفات الحاضرة بقوة لدى المجتمعات الغربية وله أثر قوي على سياسات هذه البلدان.

احتاج الكيان الإسرائيلي للتدخل المباشر من الولايات المتحدة لاعتقاده بعدم قدرة “إسرائيل” على تكييف سياساتها إيجابياً في الملف الإنساني والحقوقي، وأن بقاءها مرتبط بممارسة الإرهاب والعنف والقتل والدمار وإخافة الآخرين منها ضمن استراتيجية الردع والذراع الطويلة.

يرى الكيان الإسرائيلي أن دوره الحيوي في الاستراتيجية الأمريكية الذي ظهر حضوره بقوة في التصريحات الأمريكية للرئاسة الأمريكية بقيادة ترامب وفريق إدارته يستلزم تدخل الولايات المتحدة في تغطية حاجات الكيان الإسرائيلي وحماية ظهره.

إن إدانة حماس في الجمعية العامة لم يكن لإدانة حماس والمقاومة الفلسطينية والدول الداعمة لها فحسب، بل كان إدانة لسلوك المنظمات الدولية التي تدعو لمقاطعة الكيان الإسرائيلي عبر العالم، حيث بدأت تنجح في دول مهمة في أوروبا، وتحوّلت نجاحاتها إلى إجراءات وقوانين تستهدف منظومة الاستيطان والمستوطنات.

إن إدانة حماس كانت تعني أن هذه المنظمات الشعبية والنقابية العالمية تساعد حماس بطريقة غير مباشرة، بحكم اشتراك الهدف من عمل حماس وعمل هذه المنظمات (أي استهداف “إسرائيل” لدى كليهما).

هذا يتطلب منا تقديم بعض التوصيات:

ضرورة تقوية هذه الجماعات التي تعلن مقاطعة الكيان وتدعو إلى ذلك، وجعلِ ذلك من أولويات العمل الدولي المساند للقضية الفلسطينية، والابتعاد عن التدخل في سياساتها أيضاً لتمارس عملها دون ضغوط قد لا تحتملها. 

إن كثرة الدول التي أيدت المشروع الأمريكي والتي لم تستطع الوصول للثلثين يعني أن النشاط الأمريكي سيزداد لاستيعاب مجموعات أكبر في مرات قادمة؛ لأن الولايات المتحدة لن تحتمل خسارة سياسية قوية رابعة كما حصل في عدم تأييد الدول لقرار نقل سفارتها للقدس المحتلة ولا في منع اعتبار فلسطين دولة معترفًا بها …؛ كما أنها لن تتوقف عن إثبات هيبتها التي اهتزّت بعنف، لاسيما أنها الدولة المقر للمؤسسة الدولية.

توصيفنا لحال بعض الدول العربية بأنها مرتهنة تماماً للإدارة الأمريكية ليس دقيقاً، ويتطلب الأمر إعادة توصيف أكثر واقعية وبمعلومات حقيقية ذات مصداقية، لكيلا نقع في خطأ التعميم الذي يُضعف التقدير السياسي، وبالتالي يضرب القرار السياسي.

إن العلاقات العامة والإعلام والثقافة والعمل الشعبي الرشيد الواعي من المربعات الخطيرة التي لا يجوز إهمالها، وإن تأخير أهميتها وعدم رفدها بما تحتاجه من إمكانات يعني أن المقاومة تخسر أهم أسلحتها.

ينبغي إعادة النظر في مفهوم العلاقات والعمل الشعبي ليتجاوز مفهوم الفعاليات والمناشط التضامنية إلى الدخول في أعمال مؤثرة دائمة لا تخضع للتقلبات السياسية وتتضمن مصالح الأطراف كافة وإظهار القوى المؤيدة لفلسطين أنها مفيدة وتستحق أن تقف معها هذه الجهات لكفاءتها وفائدتها عليهم أيضاً.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات