في جمعة الوفاء للشهداء والجرحى

في جمعة الوفاء للشهداء والجرحى بعد أن تقدمنا ووصلنا إلى الخطوط الأمامية تبين لنا ما كنا نسمع عنه لكن لا نشاهده، فهذا الجمهور الذي يعد بالآلاف يتدرج بالتقدم إلى الأمام أو نحو الميمنة أو الميسرة في المائة متر الأخيرة وفق خطة محكمة، يديرها أشبال صغار والكل ينصاع لهم ويلتزم توجيهاتهم بدقة.

هؤلاء الذين تعودنا أن نُدرسهم ونوجههم ونحاضر فيهم في الكليات والمساجد والاعتصامات والوقفات والمعاهد، استلموا منا الراية باقتدار في منطقة الاحتدام، المنطقة التي تكتظ سماؤها بالملائكة انتظاراً لعرسان السماء يديرونها بتنسيق رهيب ما بين قيادات وحدات الكوشوك، ووحدة التصدي للغاز، ووحدة سحب السلك، ووحدة الدُّشم العلوية التي تُبنى بأكياس رملية، ووحدة المقصات التي تفتح ثغرات في السلك الزائل.

وفي الخطوط الخلفية وحدات الطائرات الورقية تستمر في مشاغلة العدو وإطلاق الطائرات الحارقة من الخلف وعلى امتداد مساحات واسعة، بينما فدائيو وحدة الكوشوك يقومون بعمليات اختراق وتقدم سريع تحت نار القناصة لنقل الكوشوك وإشعاله من مكان إلى آخر في سلسلة هرمية متدرجة، تبدأ برأس الجسر ثم تنحني بانحراف متدرج باتجاه السلك الزائل بقصد بناء سور ناري وغطاء دخاني لتمكين وحدة الدُّشم من بناء حواجز من أكياس الرمل تشكل درعاً تحمي العائدين.

الأمر الذي يدفع العدو لإطلاق وابل من الغاز خلف الساتر الدخاني والدُّشم الرملية لفتح ثغرة في الجدار البشري الذي تم بناؤه بفضل وحدة الكوشوك والدشم، إلا أن صقور وحدة الغاز ينقضون على القنابل الغازية فتعيدها إلى العدو أو تقوم بدفنها بالشادر المشبع بالسوائل.

هذه العملية الدقيقة تُدار بمنتهى الدقة والروعة من هؤلاء الأبطال وقمة بالالتزام من الحشود الغفيرة في إيقاع منسجم على الرغم من إحساس الجميع بالخطر، فتسمح للموج البشري للتقدم إلى الأمام في منطقة الزلاقة بمشهد لا يختلف عن موج البحر.

فلهؤلاء الأبطال الأشبال الذين يسجلون في سفر التاريخ مجداً تليداً يفخر ويعتز به كل الأحرار التواقون للحرية والحياة بكرامة وإباء.

فلكم منا ألف سلام.