الخميس 28/مارس/2024

إسرائيل تقلب الحقائق

أحمد أبو زهري

في الصراع الدائر مع الكيان الإسرائيلي يجب مراعاة موازنة كافية في طريقة الخطاب، ومن البديهي أن تسعى الدول دوماً للتفريق بين خطابها الداخلي وبين الخطاب الذى يستهدف الجهات الدولية.

ففي الوقت الذى نسعى فيه لتعبئة الجماهير وتهيئة حواضننا الاجتماعية لاحتضان العمل المسلح والتضامن مع مقاومة الاحتلال، ودفع الناس للمواجهة وإطالة أمد الصمود، ورفع المعنويات، وشحذ همم المقاتلين، لا يجب أن نغفل الخطاب الدولي والتأثير على الرأي العام في محيطنا الإقليمي والدولي؛ كون مخاطبة الدول والمنظمات والهيئات له بالغ الأثر في إيصال رسائلنا والكشف عن حقيقة ما يجرى في الأرض الفلسطينية وخصوصاً الجرائم والانتهاكات التي ترتكبها القوات الإسرائيلية الدموية صباح مساء.

فآلة الحرب الإسرائيلية أوقعت العديد من الضحايا الأبرياء، وأحدثت دماراً هائلاً في المباني والمنشآت والمؤسسات الإعلامية، لأنها تسعى لزيادة الضغوط على المقاومة الفلسطينية وإجبارها على الرضوخ والاستسلام، وإشباع رغبة المتطرفين الإسرائيليين في سفك مزيد من الدماء وخلق واقع مأساوي للفلسطينيين، وإبقاء الساحة الفلسطينية حقلاً لتجارب الأسلحة الفتاكة والمميتة التي مزقت أشلاء الأطفال في قطاع غزة، فالعالم يُكوّن قناعاته ويبدي مواقفه في حدود الحقيقة والصورة التي ترسم أمامه.

وإن كانت بعض الدول تظهر منحازة لـ”إسرائيل” لاعتبارات العلاقات والمصالح والتحالفات، فإن كشف الحقائق والقدرة على التأثير في تشكيل الرأي العام العالمي لصالح الحق الفلسطيني، هو ميدان هام يجب إعماله وإبقاؤه فاعلاً من خلال التغيير في لغة الخطاب والمفردات، والدقة المتناهية في نقل الصورة المناسبة، وتغليف الرواية بقواعد ومفاهيم يمكن أن يتفهمها المجتمع الدولي والوكالات الصحفية الغربية، بعيداً عن مصطلحات الوعيد والتهديد بالهلاك والدمار والتعطش للانتقام.

نحن لابد أن نكون أحرص من غيرنا على ترسيخ مفاهيم الدفاع عن النفس ورد العدوان، وإظهار الحجم المتواضع لإمكاناتنا وأدواتنا التي نقاوم وندافع بها عن أنفسنا أمام الترسانة العسكرية الإسرائيلية، فالعالم وكل المعنيين بحرية الشعوب وكذلك المنظمات الحقوقية يستجيبون للغة التي يغلب فيها تقديم رواية المظلومية ويتضامنون دوماً مع رواية الضحايا ويتخذون مواقفهم في ضوء ذلك إلى حد ما.

وتدرك “إسرائيل” جيداً كيف تتصرف في هذا الحقل الدولي وتنطلق من خلال سياسييها ودبلوماسييها وحتى إعلامها لتسويق روايتها التي تقلب فيها الحقائق، مُظهرة نفسها حمَلاً وديعاً ودولة تدافع عن نفسها وتتعرض للهجمات من “المخربين والإرهابيين” الفلسطينيين وفق زعمها، وتحرص على نقل صور تنتقيها بعناية لما تدّعيه مشاهد الخوف والذعر للمستوطنين وصور للأضرار التي لحقت بمنشآتهم المدنية، حتى وصلت إلى أبعد من ذلك في اتهام المقاومة الفلسطينية بالتسبب بقتل بعض الأطفال الفلسطينيين أثناء أعمال المقاومة، وتبرير استهدافها للمباني السكنية المدنية بدعوى أنها تستخدم لأغراض عسكرية مناهضة لـ”إسرائيل”، فيما يعمد الجيش الإسرائيلي إلى استخدام لغة مدروسة في بياناته يتعمّد فيها استخدام جملة هاجمت قواتنا أهدافاً لمنظمة حماس “الإرهابية”، أو مستخدماً عبارة “الجيش الإسرائيلي يرد على أماكن إطلاق الصواريخ”.

من هنا فإن الفلسطيني يجب أن يظهر حرصاً كبيراً في هذه الموازنة حتى لا يفقد روايته ولا يدفع الثمن مضاعفاً، وأن يُعمل أدواته وإمكاناته لإفشال المساعي الإسرائيلية المتواصلة لقلب الحقائق. آن الأوان لتتمدد الرواية الفلسطينية وتصل إلى كل ميدان ومحفل وتتصدر واجهات الصحف والمواقع ومذكرات وتصريحات ومواقف الدول.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات