الجمعة 19/أبريل/2024

الأردن تحت التهديد؟!

د. يوسف رزقة

يُعرّفون السياسة على أنها: فن التعامل الدبلوماسي مع الآخر. هذا تعريف لطيف وجيّد، ولكنه لا يصدّق البتة على تعريف السياسة الأميركية الخارجية. وبإمكانك القول: إن السياسة الأميركية لا تعترف بالآخر بشكل محترم. الآخر المحترم عندها هو من يؤيدها، ويدور في فلكها، ومن ينتقد سياستها، وأما من يرفض الخضوع لها فهو غير محترم ويستحق العقاب. تعريف السياسة في الإدارة الأميركية الحالية على وجه الخصوص يقول: إنها فن معاقبة الآخر، وفن إخضاع الآخر للإرادة الأميركية.

خذا مثلًا، أو مثلين، وهذا يكفيك: الإدارة الأميركية ليست عضوًا في محكمة الجنايات الدولية ولم توقِّع على ميثاق روما الذي بموجبه خرجت المحكمة الجنائية الدولية للوجود. أميركا هذه التي تدعي احترام القانون، قررت توقيع عقوبات على محكمة الجنايات الدولية، وعلى العاملين فيها وأسرهم؟!، لأنهم تعرضوا في التحقيق لبعض تصرفات الجيش الأميركي الجنائية. الاتحاد الأوربي ودوله تعد مؤسسة لمحكمة الجنايات رفضت العقوبات الأميركية، وأعلنت تأييدها لمحكمة الجنايات الدولية، وتقاطع المصالح بين الاتحاد وأميركا لا يمنع من توقيع عقوبات على مؤسسة خرجت للوجود بإرادة أوربية؟!

في ضوء هذا المثلث المكون من المحكمة، والإدارة الأميركية، والاتحاد الأوربي، نتساءل: ما هو تعريف السياسة في البيت الأبيض الأميركي؟! هل هم يعرفونها على أنها فن يقوم على الاحترام، ويحقق شروط الفن، أم هي مصالح لا علاقة لها بالفن، وهي عقوبات يوقعها القوي على الضعيف، لإخضاعه لإرادته وتلبية مصالحة؟!

وخذ مثالًا ثانيًا، الإدارات الأميركية المتتالية لها نظام في تقديم مساعدات مالية للأردن، ودول أخرى، ومنها (إسرائيل)، التي تتلقى جل الدعم الخارجي السنوي من أميركا. إدارة البيت الأبيض الآن تهدد الأردن بإيقاف المساعدات التي تتلقاها من أميركا، لأن الدولة الأردنية قررت رفض تسليم (أحلام التميمي) المحررة في صفقة وفاء الأحرار لأميركا لمحاكمتها في محكمة أميركية، على تهمة حاكمتها فيها دولة الاحتلال الإسرائيلي؟!

الأردن اتخذ قرار الرفض، (بدوافع وطنية، ودوافع قانونية، ودوافع أخلاقية)، وقد تضافرت هذه الدوافع على تأييد قرار رفض تسليم أحلام التميمي. هذا الرفض قابلته إدارة ترامب بالتهديد بفرض عقوبات مالية واقتصادية على الأردن، وبهذا يكون قد مارس البيت الأبيض تعريف أميركا الخاص للسياسة الخارجية؟!. إن لم تخضع لإرادتنا، فالعقوبات المالية والاقتصادية ستجبرك على الخضوع؟! هذا هو مفهوم السياسة في البيت الأبيض، وفي إدارة ترامب على وجه الخصوص؟!.

هذا المفهوم الأميركي لفن السياسة الخارجية تطبقه أميركا في تعاملها مع السلطة، ومع الدول العربية، التي تقارب صفقة القرن، وفرض السيادة الإسرائيلية على الضفة قبولًا ورفضًا. من يرفض، ولا يخضع، يمكن إخضاعه بالعقوبات، وبتهديد مصالحه، وبوقف المساعدات المالية عنه، وبتعريض أمن كرسيه وحكمه للخطر؟! اخضع لنا بإرادتك، وإن لم تخضع أخضعناك كرهًا؟! وقديما قلنا إن أميركا لا تقدم مساعدات للدول مجانا؟!

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات