عاجل

الثلاثاء 23/أبريل/2024

بيتا .. المقاومة الشعبية الفلسطينية

ماجد عزام

تحولت بلدة بيتا إلى أيقونة للمقاومة الشعبية في فلسطين، بدت وكأنّها تتسلم روح هبّة القدس نهاراً وفعاليات غزّة الخشنة ليلاً، في مشهدٍ جاء متناغماً مع التطورات في فلسطين أخيراً، تحديداً لجهة تعزيز وحدة الشعب الفلسطيني في أماكن وجوده المختلفة خلف خيار المقاومة بكلّ أشكالها وأساليبها، تحديداً الشعبية منها.

بيتا، بلدة جنوب مدينة نابلس، تدافع عن أملاكها وثرواتها في جبل صبيح المتاخم لها، والتي استولى المستوطنون على جزءٍ منها، لإقامة بؤرةٍ استيطانيةٍ عشوائيةٍ سموها “أفيطار” على اسم مستوطنٍ قُتل في عمليةٍ للمقاومة في المنطقة قبل فترة، علماً أنّ الأمر يتعلق بعشرات الدونمات من الجبل، لكن مع مخطط خبيث للسيطرة على مئاتٍ أخرى منه، وإقامة مستوطنة كبيرة لعزل بيتا والبلدات المجاورة عن محيطها البشري والجغرافي الفلسطيني، كما لربطها مع بؤر أخرى وتحويلها إلى شبكة استيطانية كبرى في عمق المدن والقرى الفلسطينية في الضفة الغربية.

استغل المستوطنون انشغال الفلسطينيين والعالم بهبّات القدس في باب العمود والشيخ جرّاح والمسجد الأقصى، ثم معركة سيف القدس، لإقامة البؤرة الاستيطانية في جبل صبيح

استغل المستوطنون انشغال الفلسطينيين والعالم بهبّات القدس في باب العمود والشيخ جرّاح والمسجد الأقصى، ثم معركة سيف القدس، لإقامة البؤرة الاستيطانية في جبل صبيح الذي يربط ثلاث قرى وبلدات فلسطينية، جنوب نابلس، بينما شقّ جيش الاحتلال طرقاً للمواصلات وشبكات بنى تحتية للبؤرة التي تعتبر عشوائية وغير شرعية، حتى وفق القانون الإسرائيلي الاستعماري نفسه، وصدر فعلاً قرار من الحكومة بإزالتها، غير أنّ رئيس الوزراء السابق، بنيامين نتنياهو، مرر حبّة البطاطا الساخنة، وتنفيذ القرار، للحكومة الجديدة لإحراج رئيسها اليميني المتطرّف، نفتالى بينت، الذي كان رئيساً لمجلس المستوطنات.

انتفض أهل بيتا، دفاعاً عن أرضهم ومستقبلهم ومصيرهم، بتبنّي خيار المقاومة الشعبية السلمية على مدار الساعة، مستلهمين الأجواء والهبّات في الأراضي المحتلة خلال الأشهر الماضية، إذ بدت البلدة في فعالياتها ونشاطاتها كالقدس نهاراً وغزة ليلاً. يمارس شباب البلدة، بل أهلها كلّهم، خلال النهار، نشاطات وفعاليات مختلفة، تشمل تجمعات وتظاهرات واعتصامات وندوات ومهرجانات خطابية، وإقامة صلاة الجمعة في جبل صبيح، يترافق ذلك كله مع أدعيةٍ وابتهالاتٍ وأهازيج شعبية وأغانٍ، منها واحدة خاصة بالبلدة، تحمل اسمها وتمجّد ما تقدّمه، سرعان ما انتشرت في الشارع الفلسطيني. وليلاً، تتحول البلدة والجبل كله، مع انخراط بلدات أخرى في الفعاليات، إلى غزة عبر انتهاج أساليب المقاومة الشعبية الخشنة المتبعة هناك، أو ما يعرف بالإرباك الليلي المتضمن استخدام مكبرات الصوت والأضواء الساطعة وأشعة الليزر والمفرقعات النارية، لتتحوّل حياة المستوطنين إلى جحيم، فلا يستطيعون النوم، لا همّ ولا وحدات جيش الاحتلال المكلفة بحراستهم.

مقابل العناد والصمود الأسطوري للجمهور الفلسطيني في بيتا، كما في القدس وغزة، تبدو قيادة السلطة الفلسطينية غائبةً، وفاقدة الحيلة

من هذه الزاوية، بدت بيتا وكأنها تمثل تحديثاً مبدعاً لنموذج بلعين – نعلين المستمر في الضفة الغربية منذ سنوات، حيث التظاهرات والفعاليات الأسبوعية لحماية أراضيهم وثرواتهم ضد الاستيطان، والتي حققت نتائج لافتة أيضاً، لا بأس بها أيضاً. وتحولت بيتا كذلك إلى قضية دولية، كما الشيخ جرّاح وسلوان، فقد تصاعدت الضغوط السياسية والدبلوماسية على الحكومة الإسرائيلية لتفكيك البؤرة الاستيطانية فيها، ومنع تحولها إلى صاعق لانفجار واسع وكبير في فلسطين بشكل عام.

عموماً؛ الدروس والعبر والاستخلاصات كثيرة من بيتا ونموذجها، أهمها الصمود الأسطوري للشعب الفلسطيني وإصراره على الدفاع عن أرضه وثرواته ومواجهة الاحتلال العسكري وتجلياته الاستيطانية بكلّ ما يملك من مصادر وأدوات، وهي كثيرة، أهمها الشعب نفسه الرافض للاستسلام أو القبول بالوقائع التي يعمل الاحتلال والمستوطنون على فرضها بالقوة الجبرية. وفي العبر المهمة أنّنا أمام تعزيز نهج المقاومة الشعبية بتجلياتها وأشكالها المختلفة، وتحويله إلى أسلوب حياة يومي للفلسطينيين في مواجهة الاحتلال وممارساته غير الشرعية. من هنا، أدّى نموذج بيتا وإبداعه الخلّاق إلى صدور دعواتٍ إلى تنبيهٍ في كلّ نقاط التماس مع الاحتلال والمستوطنين، خصوصاً في القرى والبلدات التي جرت أو تجري فيها عمليات واسعة لمصادرة الأراضي والممتلكات. وفي السياق أيضاً، عبّر نموذج بيتا عن وحدة الشعب الفلسطيني بشكل جدّي، إذ تحضر القدس بهبّاتها وأجوائها نهاراً، وغزّة بأساليبها الخاصة ليلاً، مع حضور جماهيري كبير من قرى وبلدات ومدن فلسطينية أخرى.

انتفض أهل بيتا دفاعاً عن أرضهم بتبنّي المقاومة الشعبية السلمية

مقابل العناد والصمود الأسطوري للجمهور الفلسطيني في بيتا، كما في القدس وغزة، تبدو قيادة السلطة الفلسطينية غائبةً، وفاقدة الحيلة، عاجزة عن نصرة البلدة. وعملياً تركتها وحدها، كي تواجه مصيرها بنفسها، تماماً كما فعلت تجاه هبّات القدس ثم معركة سيفها في غزة.

لا يقل عما سبق أهمية أن تنعكس الوحدة الفلسطينية الميدانية في بيتا، كما النموذج المبهر والسائر على طريق الانتصار، بعدما بات تفكيك البؤرة الاستيطانية مسألة وقت فقط، في ظل تصميم الأهالي وعنادهم وتضحياتهم (أربعة شهداء ومئات المصابين) التي رفعت كلفة البؤرة “إسرائيلياً” سياسياً وأمنياً واقتصادياً. على الجانب السياسي والمؤسساتي الفلسطيني، ليكن تبنّ منهجي جدّي وجاد للمقاومة الشعبية من الفصائل والساحة السياسية برمتها، كمكوّن جوهري في برنامج سياسي، تبلوره قيادة وطنية موحدة منتخبة ناتجة عن ترتيب البيت الفلسطيني، وإعادة بناء المؤسسات الوطنية بشكل ديمقراطي ونزيه، قيادة تسعى إلى استنهاض الشعب واستثمار قدراته الهائلة في صراع شامل مصمم وعنيد وممتد مع الاحتلال، عبر ساحات المواجهة المختلفة في الداخل والخارج.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات