عاجل

الجمعة 19/أبريل/2024

ألم يبقَ سوى اعتراف حماس؟

ألم يبقَ سوى اعتراف حماس؟

 

صحيفة الخليج الإماراتية 1/10/2006

لا يختلف عاقلان، أن ذروة الخطوات المؤدية إلى تسوية سياسية شاملة ونهائية للصراع العربي – “الإسرائيلي”، ستكون حتماً اعترافاً متبادلاً بين “إسرائيل” (القائمة فعلاً منذ 1948)، ودولة فلسطين، التي ما زالت حتى الآن في عالم الغيب، كياناً ومساحة وحدوداً.

ولا يختلف اثنان أن حركة حماس وضعت نفسها في مأزق، عندما ترشحت للانتخابات التشريعية داخل أرض السلطة الفلسطينية، من دون إعداد برنامج سياسي عملي لاحتمال (لم تحسب حسابه كما أصبح واضحاً) أن ترفعها الانتخابات إلى سدة المسؤولية في إطار سلطة سياسية فلسطينية قائمة أصلاً على أساس اتفاق أوسلو، الذي بدأ محاولة التسوية باعتراف فلسطيني ب”إسرائيل” قبل قيام دولة فلسطين فعلاً، بدل أن ينهي التسوية بهذا الاعتراف.

هاتان حقيقتان سياسيتان لا يمكن اللف والدوران حولهما، عاجلاً أم آجلاً، لكن المستغرب حقاً، أن يتصرف المجتمع الدولي بأسره مع حماس، وأن تكون حركة فتح في مقدمة المتحمسين لهذا التصرف والممارسين له بكل الوسائل المتاحة، على أساس أن كل الخطوات السياسية والعملية والقانونية باتجاه التسوية قد استكملت تماماً، نظرياً وعملياً، وأنه لم يبق من خطوات التسوية سوى اعتراف حركة حماس ب”إسرائيل”.

لن نعيد للمرة المليون تذكير المجتمع الدولي، خاصة أوروبا صاحبة مشكلة الاضطهاد العنصري لليهود التي صدرتها إلينا بمشكلة أكبر وأعقد بدل حلها في الأرض الأوروبية، لن نعيد تذكير المجتمع الدولي بالقرارات التي صاغتها خريطة طريق أساسية للحل (وخاصة القرارات 181 و194 و242) من دون أن تتحرك أي دولة كبيرة من ذوات العضوية الدائمة في مجلس الأمن مرة واحدة لتفرض على “إسرائيل” تنفيذ هذه القرارات، وإراحة العالم بأسره من هذه المشكلة المزمنة، ابتداء بالمنطقة العربية.

الحقيقة أن تصرفات الولايات المتحدة، منذ أيام الرئيس ترومان (ولكن خاصة في عهد الرئيس الحالي بوش) قد وضعتنا عملياً في حالة يأس كامل من توقع إقدامها على فرض أي تسوية فيها حد أدنى من العدالة والتوازن والشروط الفعلية للدوام والاستمرار، مع أن الأنظمة العربية قد تنازلت لها عن كل شيء في هذا المجال، منذ اتفاقيات كامب ديفيد المصرية “الإسرائيلية”. ولا نفهم في هذا الصدد بالذات، على أي تصرف أمريكي ما زالت الأنظمة العربية تراهن، بعد تجريب لهذا التوجه المستمر منذ ثلاثة عقود، ولم يحصد منه العرب والفلسطينيون سوى خط بياني تنازلي، يكاد ينقرض معه ما تبقى من أرض فلسطين، ويهاجر من تبقى من شعبها.

كما أن تصرفات الدول الأوروبية، أثبتت عملياً أنها لا تستحق الرهان عليها، بالرغم من ظهور بعض مظاهر التمايز الأوروبي الطفيف أحياناً عن الموقف الأمريكي، لكن الأمور كانت دائما تنتهي عملياً بالتحاق مواقف الدول الأوروبية الكبيرة بالموقف الأمريكي الكامل الانحياز. أما موقف دولة أوروبية صغيرة مثل موقف النرويج الشجاع في الاعتراف بالحقوق الفلسطينية، والتصرف السياسي والإنساني على هذا الأساس، فهو ليس أكثر من الشواذ الذي يذكر بالقاعدة، قاعدة استمرار الانحياز الأوروبي الكامل للتعنت “الإسرائيلي” والأمريكي، وتغطية الموقف دائماً ببعض المساعدات التي لا تؤدي إلى أكثر من إبقاء شعب فلسطين بأسره، في وضع اللاجئ الذي ينتظر الإحسان، دون الوصول الفعلي إلى مستوى الاعتراف الفعلي به (وليس الاعتراف النظري) كشعب له حق بدولة على أرض وطنه الواقع تحت الاحتلال.

كل هذه باتت وقائع مثبتة منذ عقود من الزمن، لكن الموقف الذي يستحق الآن التوقف عنده بالدهشة والاستغراب، هو موقف السلطة الفلسطينية، الممثلة بمحمود عباس، ومن ورائه حركة فتح، التي تنوب عن المجتمع الدولي كله (ومن ورائه “إسرائيل” بالذات) بالضغط على حركة حماس للاعتراف ب”إسرائيل”، وأبشع ما فيه أنه ضغط سياسي من الداخل، يتابع الضغط السياسي الاقتصادي من الخارج، الذي يخير حماس بين الاعتراف القسري ب”إسرائيل”، أو تحمل مسؤولية تجويع الشعب الفلسطيني، إضافة إلى كل المصائب التي يفرضها عليه الاحتلال “الإسرائيلي” والتواطؤ الدولي اللاأخلاقي.

لقد قادت حركة فتح منذ عقدين من الزمن اتجاه تعديل الميثاق الوطني الفلسطيني لمنظمة التحرير، باتجاه اعتماد حل الدولتين، وهو الحل القائم أساساً على الاعتراف ب”إسرائيل”.

كما قادت حركة فتح، بزعامة ياسر عرفات بالذات، تسوية قائمة على اتفاقات أوسلو السرية، المؤسسة طبعاً على الاعتراف ب”إسرائيل”. وانتهت هذه المسيرة باعتبار عرفات فاقداً لاستحقاق صفة الشريك في عملية السلام، وانتهت حياته، بعملية إذلال لا سابق لها في التاريخ، استمرت ثلاث سنوات، وانتهت بموته في ظروف تحوم حولها فرضية التسميم.

وبعد انتهاء مغامرات عرفات السلمية المبنية على أساس الاعتراف المسبق ب”إسرائيل”، قبل الحصول على أي مكسب حقيقي، هذه النهاية العاصفة، على صعيد الوطن والشعب، وعلى صعيد الحياة السياسية الشخصية لياسر عرفات، تسلم الدفة أبو مازن، الذي طالما حاولت أمريكا و”إسرائيل” فرضه على عرفات في أواخر حياته، باعتباره محاوراً معتدلاً ومقبولاً. وتسلم أبو مازن السلطة فعلاً وهو مستكمل لكافة شروط حسن السلوك الأمريكية و”الإسرائيلية”. فما هي الحصيلة العامة والخاصة التي حصل عليها، حتى يضغط على سواه للالتحاق بخطه السياسي “الخارق النجاح”؟

ولماذا الضغط؟ هل المطلوب الاستمرار في تسهيل الاحتلال “الإسرائيلي” الأبدي لما تبقى من فلسطين، باستكمال “الاعتراف” (ورقة القوة الوحيدة الباقية) قبل الحصول على أي مكاسب حقيقية باتجاه الدولة (إزالة الاحتلال، إزالة جدار الفصل، تفكيك المستوطنات، تفكيك مظاهر تهويد القدس، إطلاق سراح جميع الأسرى الفلسطينيين).

إذا لم يكن ممكناً إنجاز هذا السيناريو، ولو بخطوات متدرجة (وهو سيناريو بعيد المنال في الظروف الفلسطينية والعربية والدولية الحالية)، فلست أرى مخرجاً آنياً سوى خروج حماس من السلطة، التي لم تهيئ نفسها أصلاً لاستلامها، والعودة إلى صفوف المعارضة. والمسألة لا يجوز قياسها بحسابات الربح الحزبية لفتح أو حماس. فلو كان اعتراف حماس ب”إسرائيل” يضمن قيام الدولة الفلسطينية بالحد الأدنى من الخطوات العملية التي استعرضنا، لكان الشعب الفلسطيني كله والشعوب العربية كلها تضغط على حماس بهذا الاتجاه. أما أن يتنازل الفلسطينيون عن كل حقوقهم التاريخية، بالاعتراف المسبق من طرف واحد، في مقابل لقمة العيش المؤمنة عن طريق التسول واستمرار التسول واسترضاء التسول (تحت اسم الدول المانحة)، فمسألة غير معقولة لا بد من الكف عنها فوراً، ومن قبل جميع الأطراف الفلسطينية والعربية المعنية.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات