الخميس 25/أبريل/2024

أمريكا خطر على إسرائيل

أمريكا خطر على إسرائيل

 

أمريكا خطر على “إسرائيل”

جميل مطر

صحيفة أخبار الخليج الإماراتية 21/9/2006

هنري سيجمان، عضو مجلس الشؤون الخارجية الأمريكي والناشط المعروف في الدعوة إلى التوصل إلى سلام بين العرب و”إسرائيل”، كتب في صحيفة “الفاينانشيال تايمز”، مقالاً لفت عنوانه الانتباه. كان العنوان “دعم بوش ل”إسرائيل” يهددها بالخطر”.

أما المقال نفسه، فلم يكن أقل إثارة للاهتمام، خاصة وأنه يأتي بتوقيع رجل يعرف عنه محاوروه من المصريين والفلسطينيين، التزامه الدقة وجهده الدؤوب للابتعاد عن كل ما يمكن أن يثير انفعالات أهل الصراع على الجانبين، ويقول عنه خصومه وأصدقاؤه إنه مفكر محترم.

يقول هنري إن “إسرائيل” حصلت من إدارة الرئيس بوش على دعم و”حميمية” لم تحصل على مثليهما من أي دولة أخرى، ولا أي إدارة أمريكية أخرى. وقد عادت هذه العلاقة على الطرفين بفوائد كثيرة. وفجأة، كما يقول الكاتب اليهودي الأصل، وصلت هذه الفوائد إلى نهايتها، فلا فائدة ستعود لأمريكا من هذه العلاقة، ولا فائدة ستعود ل”إسرائيل”، والسبب بسيط. لقد سقطت سمعة أمريكا أو تدهورت، ليس فقط لأن جنودها في العراق وخارجها ارتكبوا فظائع وجرائم ولأن الغزو جلب للمنطقة بأسرها مصائب كانت الشعوب جميعها في غنى عنها، وبخاصة هذا الشعب العراقي الذي لم يمر بأيام أسوأ من الأيام الراهنة لا في عهد “استبداد” نوري السعيد وتبعيته للاستعمار الإنجليزي في العصر الليبرالي، ولا في عهود دكتاتوريات قاسم وخلفائه من القوميين والبعثيين في عصر ما بعد الليبرالية.

أستطيع أن أفهم هؤلاء الذين يسيرون على خطى واقعية هنري كيسنجر الذي كان يعتقد أن أفضل وقت لإطلاق مفاوضات بين خصمين هي اللحظة التالية لحالة ساخنة، كالحرب مثلاً. قرأت خلال الأيام الماضية لعشرات في الغرب يدعون إلى طرح جميع قضايا الشرق الأوسط مجدداً على مائدة أو موائد متعددة للمفاوضات وتعبئة كافة الجهود لتسويتها بحجة أنه قد لا تأتي فرصة أخرى قريبة تسمح بتسويتها. أفهم هذا الرأي وعندي فيه رأي آخر، أرد به على هنري سيجمان وأوري افنيري وكثيرين في عالمنا العربي توقفت السياسة عندهم عند مؤتمر مدريد، والأقدم منهم توقف الصراع العربي “الإسرائيلي” عند توقيع اتفاقية كامب ديفيد، فما تبقى منه من دون حل يقع ضمن مسؤولية الآخرين ولن يمسنا من حله أو عدم حله أذى. فالأمر لا يخصنا. ومع ذلك هؤلاء أنفسهم هم الذين تصدروا طوابير الهجوم على حزب الله وحماس لأنهما يقاومان هيمنة “إسرائيل” واحتلالها أراضي بلديهما. وهؤلاء أنفسهم هم الذين قادوا حملة إشعال فتنة مذهبية في المنطقة وفي مصر حول قضية لم تكن مثارة في مصر في أي يوم.

يشترك سيجمان معنا في توصيف الواقع الذي تعيشه المنطقة، والذي يختلف عن واقع أزمنة كامب ديفيد وأوسلو. بل وأضيف من عندي أننا تجاوزنا بالحرب في جنوب لبنان أزمنة أخرى كثيرة. في تلك الأزمنة، لم تكن أمريكا قد أساءت إلى نفسها، وإلى الغرب عموماً وإلى “إسرائيل” خصوصاً، حتى تدهورت شعبيتها ومكانتها إلى الدرجة شديدة التدني التي انحدرت إليها بسبب غزو العراق وبسبب الرعب الماثل في أنحاء المنطقة من عواقب انهيار العراق أو انغماسها في حرب أهلية لن تراعي، إن نشبت لا قدر الله، حدوداً أو شعوباً أو ديناً وأخلاقاً ولن تفلتمن لهيبها دولة في الإقليم. كيف يمكن للعربي أن يثق في سلامة نوايا أمريكا في فلسطين أو لبنان أو سوريا أو السودان بعد هذا الذي فعلته في العراق وبالعراق.

ولم تكتف الولايات المتحدة، أو تقتنع بأن تصرفاتها في العراق غطت المنطقة وفاضت، فراحت كما يقول سيجمان، توظف “إسرائيل” لأداء مهمة في لبنان تفاصيلها مازالت موضع استنتاج واجتهاد. ويبدو أن قصة الاتفاق المسبق لإشعال الحرب صادقة، وأن مباحثات جرت في أمريكا لهذا الغرض، وأن التدمير بهذا الحجم والتخريب والقتل والاغتيالات كانت محل اتفاق بين الحليفين، وعندما رفض جورج بوش في سانت بطرسبرج وبعدها وقف إطلاق النار كان عاقداً العزم على منح “إسرائيل” الفرصة لتؤدي المهمة المكلفة بها. ولكن قصرت “إسرائيل”. لم تكن على مستوى التكليف، بل لعلها لم تكن على مستوى العهد بها. وسقطت المهمة أو أحبطت. ولم تجن أمريكا سوى كراهية أشد، بينما انكشف للرأي العام “الإسرائيلي” جانب من دور “إسرائيل” بالنسبة للمصالح الأمريكية وتأكد أنها في هذه المرة تحديداً كانت أداة وظفتها أمريكا لأغراض تصب مباشرة في صالح الإمبراطورية وتتجاوز أمن “إسرائيل”.

جنت أمريكا الكراهية الأعظم، ومع ذلك، وهذا هو الأمر المثير للشك، مازالت تصّر على أن تمارس منفردة توجيه عملية المفاوضات والتسويات في المنطقة. وقد تبدأ فيها بسوريا لأنها حسب رأيهم نضجت، وتنتهي فيها بالفلسطينيين لأن نجاح الغدر المعد لهم يشترط الاستفراد. والاستفراد بهم جزء من منظومة الاستفراد بكل دولة في المنطقة على حده في إطار الإقليم “الجديد”. ولن تفلح أمريكا. سيدب الشلل في مفاصل الإقليم كافة، ويتعرض الحلف الغربي لأزمة ثقة شديدة وتشتعل نيران حرب دينية أطرافها في الغرب وفي الشرق، سعت “إسرائيل” لإشعالها على امتداد عقود.. وأظن أن “إسرائيل” اليوم وبسبب سقوط السياسة الأمريكية وتفاقم فشلها والكراهية ضدها بدأت تعيش رعباً حقيقياً.

 

 

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات