الجمعة 26/أبريل/2024

استمرار الحرب بلا سلاح

استمرار الحرب بلا سلاح

 

استمرار الحرب… بلا سلاح

محمد السماك

صحيفة الاتحاد الإماراتية 22/9/2006

والآن ماذا بعد الحرب على لبنان؟ ماذا عربياً؟ وماذا إسرائيلياً؟ وماذا لبنانياً؟ ثمة إجابة جامعة لهذه الأسئلة كلها. وهي أن معادلات ما بعد الحرب تشير كلها إلى أنه لا العالم العربي ولا “إسرائيل” ولا لبنان يمكن أن يعود إلى ما كان عليه قبل الحرب.

أولاً: لنبدأ بالعالم العربي. كان هناك اعتقاد بأن “إسرائيل” بقوتها العسكرية المتفوِّقة وتحت الغطاء السياسي الأميركي ستحقق انتصاراً سريعاً وكاسحاً على “حزب الله”. وعلى قاعدة “لم آمرْ بها ولم تسُؤْني”. كانت هناك حسابات بأن انتصاراً إسرائيلياً من هذا النوع سيؤدي إلى أمرين أساسيين:

الأمر الأول كسر شوكة حركات التطرف في العالم العربي من خلال كسر شوكة “حزب الله” في لبنان. ومن ثم تثبيت أقدام بعض الأنظمة السياسية العربية سواء منها تلك التي عقدت معاهدات سلام مع “إسرائيل”، أو تلك التي تتطلع إلى عقد مثل هذه المعاهدات. وعلى أساس هذه الحسابات السياسية وُضعت الحرب الإسرائيلية على لبنان في إطار الحرب على التطرف في العالم العربي. وفي مقدمة الرموز التي توصف بالتطرف حركة “حماس” في فلسطين والعديد من الحركات الإسلامية الأخرى التي تنشط تحت الأرض وتثير قلق العديد من الأنظمة السياسية العربية في المنطقة.

أما الأمر الثاني فهو كسر شوكة إيران وطموحاتها الإقليمية. ولكن رياح الحرب تحركت في غير هذا الاتجاه. حتى إنه بعد الحرب بدَّلت إيران لغتها السياسية والإعلامية وبدأت تتماهى في علاقاتها مع “حزب الله”، بعد أن كانت خلال الحرب تقول إن “حزب الله” هو مقاومة لبنانية وطنية تدافع عن سيادة لبنان واستقلاله.

حاولت الدول الكبرى (الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي) من خلال الصيغة الأولى لقرار مجلس الأمن الدولي 1701 إعادة التوازن الذي اهتزت أركانه من خلال عدد من البنود السياسية والإجرائية التي تبعد كأس الهزيمة عن “إسرائيل” وتحرم “حزب الله” أية فرصة للادعاء بالانتصار. ولكن تلك الصيغة لو أقرّت لكانت وبالاً وكارثة على لبنان. فجرى تعديلها على النحو الذي صدرت عليه بجهود دبلوماسية لبنانية مكثفة وبدعم عربي ثم دولي أيضاً. إلا أن التعديلات كانت أقل مما طالب به لبنان، وأدنى مما تتطلبه محاولة إعادة التوازن.

وهكذا فإن نتائج الحرب -حتى الآن على الأقل- لا تزال مادة قابلة للاستثمار الإيراني من جهة ولاستقواء حركات التطرف من جهة ثانية. ويتجلى الاستثمار الإيراني من خلال الإيحاء بأن الصراع مع “إسرائيل” تحوّل -أو كاد- من صراع عربي- إسرائيلي إلى صراع إيراني- إسرائيلي. ومن خلال هذا الإيحاء تحاول إيران طرح نفسها كدولة إقليمية مؤثرة في الوقت الذي تتراجع فيه بعض الدول العربية عن التأثير الفعال في ساحة المنطقة، وتنكفئ عاجزة عن انتزاع الحق العربي من “إسرائيل”.

أما استقواء حركات التطرف فإنه يقوم أساساً على الإيمان بأن ما قام به “حزب الله” يمكن أن تقوم به “حماس” في فلسطين. كما يمكن أن تقوم به أي حركة إسلامية في الدول العربية الأخرى إذا ما توفرت لها إمكانات الدعم العسكري والمالي التي توفرت لـ”حزب الله”.

ولعل العزف السياسي والطائفي على “الوتر الشيعي” يستهدف، لدى البعض، سحب السجادة من تحت أقدام هذه الحركات التي رغم أنها حركات إسلامية سُنّية، قد تتطلع إلى إيران للحصول على الدعم الذي تحتاج إليه. وإذا كان هذا الأمر صحيحاً فإنه يخشى افتعال فتنة مذهبية قد تؤدي إلى عواقب أسوأ وأوخم. ثم إن الفتيل المذهبي في العراق جاهز لإشعال سلسلة من الحرائق التي تتعذر السيطرة عليها.

من هنا فإن المخرج الوحيد للوضع المتأزم في المنطقة هو التسوية السياسية مع “إسرائيل”، وبسرعة. وهو ما تعمل عليه بعض الدول العربية مع الولايات المتحدة خصوصاً، من خارج مجلس الأمن الدولي (زيارة رئيس الحكومة البريطانية توني بلير للمنطقة)، ومن داخله (مذكرة قطر باسم الجامعة العربية إلى المجلس). ذلك أن تسوية تحقق للشعب الفلسطيني حقه المشروع في إقامة دولة قابلة للحياة وتحمل “إسرائيل” على الانسحاب من مزارع شبعا اللبنانية ومن مرتفعات الجولان السورية، باتت الأمل الأخير بالاستقرار والسلام في الشرق الأوسط. وباتت بالتالي الوسيلة الوحيدة للقضاء على التطرف.. ولقطع الطريق أمام استغلال هذا التطرف سواء من إيران أو من غيرها. لقد كان الملك عبدالله -العاهل الأردني- على حق عندما حذر أثناء زيارته للرئيس مبارك في القاهرة من أنه إذا لم تتم تسوية سياسية فإن منطقة الشرق الأوسط معرّضة لمواجهة أحداث عنف واضطرابات حادة. وتأتي دعوة محمود عباس “أبو مازن” للاجتماع في واشنطن إلى الرئيس الأميركي جورج بوش لتعزز العمل في هذا الاتجاه.

ثانياً: أما في “إسرائيل” فإن تداعيات ما بعد الحرب على لبنان لم تقتصر على ما تشهده من إعادة خلط الأوراق السياسية وحتى العسكرية والمخابراتية فقط، ولكنها تشمل الموقف الإسرائيلي المبدئي من كيفية التعامل مع الفلسطينيين من جهة، ومع سوريا من جهة ثانية.

فالعنف الإسرائيلي المفرط لم يفتّ من عضد المقاومة الفلسطينية، ولم يغيّر من موقف “حماس” التي تسيطر الآن على الحكومة وعلى مجلس النواب الفلسطينيين. وبالتالي كان لابد من البحث عن مقاربة جديدة للتعامل مع الفلسطينيين تتجاوز جدار الفصل العنصري الذي أقامته “إسرائيل” والذي كلفها حتى الآن أكثر من مليار دولار.. دون أن يحقق لها الحد الأدنى من الأمن.

ولم يعد مستغرباً أن ترتفع أصوات من داخل الحكومة الإسرائيلية ومن خارجها، وحتى من مؤسسة الجيش نفسه، تطالب بإعادة النظر في الموقف من سوريا، على قاعدة فتح حوار معها حول مستقبل الجولان.. وذلك بعد سنوات طويلة من اعتماد سياسة رفض أي اتصال أو حوار مع دمشق. وهي السياسة التي ترافقت مع المضي قدماً في تهويد الجولان وزرعه بالمستوطنات اليهودية على أساس أنه جزء من أرض “إسرائيل”؟!

لقد انقلب الموقف الإسرائيلي بعد الحرب على لبنان رأساً على عقب. ولن يتغير هذا الانقلاب سواء بقيت حكومة أولمرت أم سقطت. وسواء أُدين رئيس أركان الجيش الإسرائيلي بالتقصير والفشل.. أم لم يُدنْ. فـ”إسرائيل” بعد الحرب لم تعد كما كانت قبلها.

ثالثاً: وأما لبنان فإن الوضع فيه بعد الحرب أصبح أكثر تعقيداً. تعكس ذلك ثلاثة مواقف:

الأول هو الموقف الذي عبَّر عنه مجلس المطارنة الموارنة برئاسة البطريرك مار نصرالله بطرس صفير والذي حمّل “حزب الله” مسؤولية التفرد باتخاذ قرار الحرب (من خلال أسر الجنديين الإسرائيليين يوم 12 يوليو الماضي) وحمّله بالتالي مسؤولية ما أصاب لبنان من خراب ودمار من دون أن يتوقف أمام العدوان الإسرائيلي والنتائج السياسية التي أسفر عنها هذا العدوان.

الثاني هو الموقف الذي اتخذته الأكثرية النيابية (حركة 14 آذار) والتي شددت على وجوب العودة إلى الدولة باعتبارها المرجع الوحيد لكل اللبنانيين والمؤتمن على أمنهم وسيادتهم. وبالتالي رفع الغطاء عن استمرار احتفاظ “حزب الله” بالسلاح دون باقي القوى والتنظيمات السياسية في لبنان.

الثالث هو الموقف الذي ردّ به “حزب الله” بصورة غير مباشرة على بيان مجلس المطارنة من خلال ردّه على بيان (حركة 14 آذار)، والذي أكد فيه على تمسكه بثوابته وخاصة الاحتفاظ بالسلاح والعلاقة مع سوريا وإيران، واتهام معارضيه بالاحتماء بالقوات الدولية.

لقد كان هذا الوضع قائماً قبل الحرب. إلا أن استمراره بعد الحرب له مضاعفات داخلية (وإقليمية أيضاً) خطيرة. ذلك أن لبنان قبل الحرب كان يمرّ في مرحلة انتعاش اقتصادي وإنمائي؛ وكانت بنيته التحتية سليمة ومتطورة. ولكن هذا الأمر انقلب رأساً على عقب بعد الحرب ونتيجة لها. وبالتالي فإن الاختلافات الحالية التي بدأت تتفجر بين القوى السياسية اللبنانية من شأنها أن تصبّ المزيد من الزيت على نار الانقسامات الطائفية والمذهبية. صحيح أن ثمة قوى مصنفة إسلامياً ومسيحياً على طرفي الصراع وعلى جانبي الاختلافات، وصحيح أن القيادات الوطنية في المواقع المتعددة على ما بينها من اختلاف وتنازع تؤكد سهرها على قطع الطريق أمام أي انجراف نحو هذه الانقسامات، إلا أن ذلك لا يخفف مع الأسف الشديد من غلوائها نظراً لموقع الأطراف الإقليمية (مصر والسعودية والأردن من جهة، وإيران وسوريا من جهة ثانية) في هذا الصراع.

في ضوء ذلك يبدو التداخل المباشر والعميق بين ما يجري الآن داخل “إسرائيل” وما يجري في المنطقة العربية. وبين ما يجري في هذه المنطقة وما يجري في لبنان. بل بين ما يجري في “إسرائيل” ولبنان والدول العربية وما يجري في مجلس الأمن الدولي بعد صدور الضوء الأخضر الأميركي بإعادة تحريك مساعي التسوية السياسية الإقليمية. وترمز إلى ذلك قوات “اليونيفيل” في جنوب لبنان التي ستبلغ 15 ألفاً في نهاية العام.. وقطع الأساطيل البحرية الفرنسية والأسبانية والألمانية التي تجوب المياه اللبنانية من الشمال حتى الجنوب.

يقول المفكر الاستراتيجي النمساوي كلاوزفيتش إن الحرب هي مفاوضات بوسائل أخرى. الآن وقد انتهت هذه المفاوضات بالوسائل الأخرى واستنفدت أغراضها.. فإلى أين ستقود المنطقة المفاوضات التي تجري داخل الأمم المتحدة وعبر الأقنية الدولية الأخرى؟.

 

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات

الاحتلال يشن حملة دهم واعتقالات في الضفة

الاحتلال يشن حملة دهم واعتقالات في الضفة

الضفة الغربية - المركز الفلسطيني للإعلام اعتقلت قوات الاحتلال الصهيوني - فجر الجمعة- عددًا من المواطنين خلال حملة دهم نفذتها في أرجاء متفرقة من...