الأربعاء 24/أبريل/2024

الحل وثلاثة مخارج

الحل وثلاثة مخارج

 

الحلّ.. وثلاثة مخارج.!

عدنان كنفاني

نتفق جميعاً على أن المشكلة التي تعاني منها حكومة فلسطين المنتخبة “حماس”، وما يعاني منها الشعب الفلسطيني في غزة والضفة الغربية بسبب الحصار المفروض على القطاع والضفة هي مشكلة صعبة ومعقدة، فلا حل منظور لها في ظل الظروف الحالية، وفي مواصلة الشد من كل الأطراف لدفع حماس إلى تقديم تنازلات مؤثّرة تمسّ جوهر القضية الفلسطينية برمتها، وبعيدة بل مخالفة للعهد الذي انتخبها شعب فلسطين على أساسه.

هذا الشعب الفلسطيني العظيم الذي انتخب حماس كاختيار أساسي لإرادته لأنها مثّلت روح المقاومة، وسبيلاً بديلاً عن سبيل المفاوضات التي لم تثمر غير تنازلات وراء تنازلات، وإرادة للخلاص من رموز الفساد، هذا الانتخاب الحر الديموقراطي الذي اعترفت بمصداقيته وشرعيته قوى الأعداء قبل الأصدقاء.

ولكن ورغم ذلك كله تكالبت قوى الشر في العالم لمحاصرة الحكومة الوليدة ووضع العصي في عجلات عملها وتقدمها بكل الوسائل والطرق الإنسانية وغير الإنسانية، السياسية وغير السياسية، العقلانية وغير العقلانية، ووصل الحال إلى خطف واعتقال نواب في المجلس الوطني الفلسطيني (“البرلمان” صرح الديموقراطية) جهاراً نهاراً وأمام مسمع ومرأى العالم المتمدن دون أن يحرك ذلك سكون أحد، واستمرت صنوف الحصار وتعددت لتشتمل على الحصار المالي والاقتصادي والسياسي والعسكري دون توقف أو فتور لعمليات الاغتيال والقتل والقصف والتدمير اليومي التي تمارسها آلة الحرب الصهيونية على مدار الوقت، وفي كل مكان، وبلا أي قيد، دون أن نسمع أو يسمع العالم أي صوت منصف من أحد في هذا العالم لتصل بأفعالها غير المعقولة إلى خطف واعتقال وزراء في حكومة حماس ورئيس المجلس التشريعي الفلسطيني الذي يمثّل برلماناً كامل الأهلية.

كل ذلك جرى ويجري بمباركة أمريكية طبعاً وأوروبية، ومباركة عربية ساهمت في تشديد الحصار على حكومة وشعب فلسطين، ومباركة ومساهمة خبيثة من رموز الفساد في فتح، وعلى رأس الهرم رموز السلطة الممسكين بقدر الشعب الفلسطيني.

لقد تحمّل الشعب الكثير من الجوع والقهر والظلم والقتل والتشرّد، ولا شك في أن ما تحمّله الشعب في مسيرة نضاله فاقت كل التوقعات، وما تزال المشكلة قائمة، والحصار قائم، والتهديدات يومية، والبحث عن حلول، نبض لا يتوقف.

فكيف يمكن أن يكون الحل.؟

مشكلة معقدة بكل المقاييس.. وقد وجدنا بصيص ضوء في طرح مشروع تشكيل حكومة وطنية تجمع كل الطيف الفلسطيني، وتحمسنا لذلك، لكن جاءت اللاءات الاستباقية من أمريكا و”إسرائيل” بأن لا موافقة ولا قبول ولا فك الحصار إلا إذا اعترفت الحكومة علناً بالكيان الصهيوني وبكل الاتفاقات المبرمة مع السلطة، وإسقاط إرادة المقاومة وبالتالي الخنوع والاستسلام، وهذا يتعارض بشكل سافر مع مشروع حماس الذي انتخبت على أساسه.

السيد محمود عباس سيقابل السيد بوش فماذا نتوقع من اللقاء المأمول بينهما.؟

حكومة حماس أبدت بعض المرونة في الموافقة على تشكيل حكومة وطنية وفي قبول مبدأ وثيقة الاتفاق الوطنية مع قليل من التحفّظ.؟

المشكلة الرئيسة التي تبدو صعبة الحل هي في أن حماس ترفض مبدأ الاعتراف بالكيان الصهيوني وبالاتفاقيات الموقعة بين الصهاينة والسلطة، والتي لم يطبق منها أي بند منذ عقود.

والسلطة الوطنية أعلنت الاعتراف بالكيان الصهيوني، والقبول بحدود 1967، ومزّقت الميثاق الوطني الفلسطيني وقبلت المبادرة العربية البيروتية “التي رفضتها وما زالت ترفضها “إسرائيل” وأمريكا.!

بمعنى أوضح وضعت السلاح جانباً وخرجت من نهج المقاومة وارتضت مسيرة توهان غريبة في دهاليز مفاوضات لم تثمر غير فساد محلي واسع النطاق، ومفاوضات وشعارات جوفاء، مع مواصلة واستمرار سياسة الصهاينة في الاغتيالات والتدمير والاعتقال والحصار والتجويع.

فكيف يمكن إيجاد فسحة من التوافق بين من مع ومن ضد وكلاهما على طرفي نقيض.؟

من الطبيعي أن يكون لحماس الحضور الأكبر في تشكيل الحكومة الوطنية، ومن الطبيعي أن نتخلّص من الفاسدين واللصوص، ومن الطبيعي أن تكون المصلحة الوطنية الفلسطينية أول الأولويات، فكيف تقوم حكومة تفاوض على أساس الاعتراف بالآخر، وفي الوقت نفسه لا تعترف بالآخر أصلاً..؟

أليست متاهة يصعب الإمساك بأولها أو بآخرها.؟

بعد هذه المقدمات التي باتت معروفة وملموسة وواقعة، كيف يمكن أن يأتي الحل الإنقاذي للمشكلة.؟

كنت أتمنى منذ البداية، ومنذ أن انتخب الشعب الفلسطيني حماس لتمثيله في الحكومة أن لا تشكل حماس الوزارة علناً، وأن تكلّف شخصية فلسطينية مستقلة لتشكيل الحكومة، والبدء على أساس حكومة وطنية تدير أعمال الحكومة بحرفية وتخصص، بينما تبقى حماس فصيل وجناح مقاوم، ربما كنا نجونا من هذه الحصارات ما دامت حماس بعيدة عن الواجهة المباشرة، ولكن ما حدث في وقتها ربما دفع حماس لدخول هذا المعترك الذي خفّض من فعلها المقاوم على الأرض وهذه حقيقة، ولكن ما دام هذا هو الواقع الآن فلا أجد في الأفق غير ثلاثة سبل للحل:

الأول: أن يحمل السيد عباس في زيارته المرتقبة للسيد بوش موقفاً واضحاً جليّاً بأن حكومة وطنية فلسطينية تجمع كل الأطياف الفلسطينية بما فيها وعلى رأسها حماس المنتخبة ديموقراطياً هي أقصى ما يمكن أن يحققه، غير ذلك يعني انتحار السلطة سياسياً، وأن يضع أمام السيد بوش إما موافقة وفك حصار ومفاوضات على هذا الأساس، أو استقالته من رئاسة السلطة.

الثاني: أن يحلّ السيد عباس الحكومة الحالية وفق ما لديه من صلاحيات ويشكل حكومة طوارئ جديدة رغم ما يكتنف ذلك من مشاكل من نوع آخر قد تصل إلى مواجهة داخلية مسلحة بين الفصائل، وهو انتحار سياسي وعقائدي أيضاً.

أما المخرج الثلث الأخير الأكثر قبولاً هو الاحتكام إلى الشعب مرة ثانية في استفتاء شامل ليختار الشعب طريقه وحياته ويقول كلمته الفصل وتلتزم كل الأطراف بما يريده ويقرره الشعب.

والله من وراء القصد..

 

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات