الأربعاء 01/مايو/2024

بأي معنى خسرت إسرائيل حربها؟

بأي معنى خسرت إسرائيل حربها؟

بأي معنى خسرت “إسرائيل” حربها؟

عبدالإله بلقزيز

صحيفة الخليج الإماراتية 21/9/2006

إذ أخذنا بهذه القاعدة التي تقول إن المقياس الذي يقاس به النصر والهزيمة في أية حرب هو مدى ما حققته أو فشلت في تحقيقه من أهداف، من قبل هذا الطرف أو ذاك من الفريقين المتحاربين، ووضعنا حصيلة الأداء “الإسرائيلي” تحت الضوء الكاشف لهذه القاعدة، سيكون في إمكاننا أن ننتهي إلى الاستنتاج بقدر ما من اليقين أن الحرب “الإسرائيلية” على لبنان لم تصب قليل حظ من النجاح في تحقيق أهدافها، حتى لا نقول إنها حصدت فشلاً ذريعاً ما عرفت له نظيراً في المواجهات العسكرية السابقة مع العرب. وفي حوزتنا أكثر من قرينة على صحة هذا الاستنتاج.

أول أدلتنا على ذلك ما نلحظه من توسيع فجوة بين الأهداف التي أطلقها قادة الكيان الصهيوني، عقب إعلانهم الحرب، عنواناً لحملتهم العسكرية الشاملة على لبنان وسقفاً سياسياً لمطالبهم فيها، وبين ما وسعهم أن يتحصلوه من نتائج مادية من تلك الحرب. لقد شددت إعلانات “إسرائيل”، منذ اجتماع حكومتها في اليوم الثاني عشر من يوليو/ تموز 2006 غداة أسر الجنديين الصهيونيين واتخاذها قرار الحرب، على أن أهداف عمليتها العسكرية في لبنان هي: استعادة الجنديين الأسيرين، وتدمير القدرة العسكرية للمقاومة، خاصة قدرتها الصاروخية التي تهدد العمق “الإسرائيلي” ثم فرض تطبيق القرار 1559 ونزع سلاح “حزب الله”. وتعاقبت تصريحات أولمرت وبيريز وبيريتس وحالوتس خلال الأيام الأولى للحرب للإفصاح عن هذه الأهداف متفرقة ومجتمعة، صريحة في الأغلب الأعم منها ومضمرة في البعض القليل من الأحيان. وجارتها في ذلك تصريحات قادة المعارضة اليمينية والصحف ووسائل الإعلام، كانت الأهداف “الإسرائيلية” القصوى حينها مدفوعة بشعور القوة الخارقة لدى قادة “إسرائيل” سياسيين وعسكريين. كانت شديدة الانشداد إلى فرضية تذهب إلى حسبان لبنان ساحة مفتوحة أمام نزهات عسكرية “إسرائيلية” لن يكلفها تحقيق أهدافها ثمناً قتالياً وبشرياً كبيراً.

مع اندلاع الحرب وتوالي فصولها، وتبين الحدود المتواضعة لدى الآلة العسكرية “الإسرائيلية” في مواجهة صعود المقاومة واقتدارها في الرد الصاروخي على العدوان في العمق الصهيوني، دخلت أهداف الحرب “الإسرائيلية” على لبنان مرحلة عد تراجعي تنازلت فيه عن تطلعاتها العليا والقصية إلى حدود بدت أكثر تواضعاً و”واقعية” من ذي قبل. وفي سياق ذلك التراجع، سكت تماماً عن مطلب استعادة الأسيرين من دون قيد أو شرط، بل وخرج أمره من التداول السياسي، واستعيض عن هدف تدمير البنية التحتية العسكرية ل “حزب الله” بهدف آخر هو إضعافها وتقليصها والحد من قدرتها الردعية. أما نزع سلاح الحزب، فبلع لسانه ليخلي المجال أمام هدف أقل تواضعاً: إبعاد سلاحه إلى ما وراء نهر الليطاني شمالاً، أي إلى ما بعد عشرين كيلو متراً في أبعد نقطة امتداد بري عن الحدود مع فلسطين المحتلة.

لم يكن هذا التناقص المتزايد في منسوب الأهداف “الإسرائيلية” من الحرب وتراجعها إلى حدود أكثر تواضعاً، إلا ثمرة موضوعية لفعل مقاومة ناجح أداه مقاتلو “حزب الله” على جبهة المواجهة العسكرية وفرض على العدوان إدراك الحقيقة المرة: استحالة إلحاق هزيمة عسكرية بالمقاومة تفتح الطريق أمام إحراز انتصار سياسي تفرض فيه “إسرائيل” شروطها على لبنان والمقاومة في نفس الآن.

وإذا كان عدم التناسب هذا بين الأهداف السياسية للعدوان -وهي كبيرة- وبين نتائجه العسكرية، وهي متواضعة، ما يحمل على القول بأن العدوان “الإسرائيلي” تعرض لنكسة حادة في لبنان، فإن في التفاعلات السياسية البعيدة المدى التي أطلقتها نتائج الحرب في الداخل “الإسرائيلي” ما يعتبر دليلاً إضافياً على تلك النكسة، لنطالع سريعاً بعض أهم تلك التفاعلات ودلالاتها.

نقد المؤسسة العسكرية كان أول وأبرز تلك التفاعلات على الإطلاق. وأهمية هذا النقد تأتي من أن مؤسسة الجيش ظلت على الدوام خطاً أحمر في الحياة السياسية “الإسرائيلية” ومحرماً من محرماتها ممتنعاً عن أية مساءلة. وإذا كان من المفهوم تماماً أن يتمتع هذا الجيش بحرمة سياسية فيرتفع عن أي جدل داخلي بسبب فتوحاته العسكرية وتنزله منزلة العمود الفقري للدولة والمجتمع في “إسرائيل”، فإن فشله في إنجاز أي شيء ذي بال في مواجهة المقاومة الإسلامية في لبنان أفقده هيبته، ودفع عنه حالته الأسطورية واطمئنان المجتمع “الإسرائيلي” إلى قدرته، وفتح طوراً جديداً من أطوار العلاقة العمومية به هو طور المحاسبة. بدا المجتمع “الإسرائيلي” مستعداً أكثر من أي وقت مضى، لتعريض أسطورته العسكرية لأسئلة واقعية دقيقة تطال كل شيء: كفاءة القيادة العسكرية، وجاهة الخطط الحربية، أهلية الجيش للقتال، قدراته الاستخبارية… إلخ. في المقابل، كان الشعور “الإسرائيلي” بقوة المقاومة (و”حزب الله”) وقدراتها القتالية وكفاءة رجالها يتزايد ليرتفع إلى مستوى الاعتراف بنجاحها في إحراز نصر.

في الأثناء، كان نقد مواز لأداء المؤسسة السياسية (حكومة أولمرت على وجه التحديد) يتسع نطاقاً فيخرج من الدائرة الضيقة (المعارضة اليمينية والصحافة) إلى الرأي العام، ليصنع توازنات في القوى جديدة. تناول النقد مستويات متعددة: سوء الأداء السياسي، التخبط في اتخاذ القرارات، التردد غير المحسوب في المبادرات، توريط الجيش في مغامرة غير مأمونة النتائج، الاستتباع والذيلية للجنرالات، قلة الدراية بالشؤون الحربية، التبعية السياسية للقرار الأمريكي… إلخ. والنتيجة أن النخبة الحاكمة في “إسرائيل” بحزبيها الرئيسين: “كاديما” و”العمل” دفعت بذلك الفشل كله ثمناً من شعبيتها وتمثيليتها على نحو أطاح بهما تماماً، كما تكشف عن ذلك نتائج استطلاعات الرأي الأخيرة، وفتحت الطريق بذلك سالكاً أمام عودة سهلة لقوى اليمين المتطرف إلى السلطة في الدولة العبرية: المحمولة على صهوة فكرة الانتقام ل”إسرائيل” مما لحقها من عار الهزيمة.

ولم تلبث “إسرائيل” في مؤشر ثالث على هزيمتها أن اعترفت، بلسان أكثر من مسؤول من قادتها، أن الإدارة الأمريكية هي من تدخل لإنقاذها في مجلس الأمن حين تفاقم إخفاقها العسكري وتبين عجزها التام عن إحداث أي اختراق جدي في الجدار الدفاعي للمقاومة في معارك الجنوب اللبناني. ولا يناظر هذا الاعتراف في أهميته وقيمته إلا الاعتراف بأن التدخل السياسي الأمريكي في مجلس الأمن أعطى “إسرائيل” سياسيا ما لم تقو على الحصول عليه عسكرياً.

ليس لدينا شك في أن كثيراً من علامات المكابرة بادية على مواقف “إسرائيل” وسلوكها السياسي، وأنها تمنعها من الاعتراف الجهير بالهزيمة المروعة التي تلقتها في لبنان. غير أن في المجتمع “الإسرائيلي” بعض شفافية سياسية تسمح ولو بقليل من ذلك الاعتراف. هي قطعاً ليست ناجمة عن خلقية سياسية بقدر ما هي حصيلة معارك طاحنة على السلطة فيها. ولكن ما هم أن كانت كذلك، المهم أنها تستطيع الإفصاح عن نفسها بمقدار. المشكلة عندنا (في الوطن العربي وفي لبنان)، أو قل عند كثير منا ممن يتفوقون على أنفسهم في إبداء فعل المكابرة ضد الاعتراف بحقيقة يخشون الاعتراف بها هي أن المقاومة اللبنانية كسبت حرباً، أو قل كسبت حرب “إسرائيل” ضدها. تصبح المشكلة أكبر حين يتصورون انتصار المقاومة هزيمة لهم!

 

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات

الاحتلال يُفرج عن النائب أحمد عطون

الاحتلال يُفرج عن النائب أحمد عطون

القدس- المركز الفلسطيني أفرجت قوات الاحتلال الإسرائيلي، مساء اليوم الأربعاء، عن عضو المجلس التشريعي الفلسطيني أحمد عطون، وجددت إبعاده عن مدينة القدس...