السبت 27/أبريل/2024

دفائن حماس وابتزاز فتح

دفائن حماس وابتزاز فتح

دفائن حماس.. وابتزازات فتح

عدنان سليم أبو هليل

صحيفة الشرق القطرية 21/9/2006

توقعت في مقال سابق ألا يكون اتفاق حكومة الوحدة الوطنية بين حماس وفتح أكثر من فسحة وقتية توفر لهما مساحة تفاهم لدراسة العالقات بين برنامجي الحركتين خاصة فرز وتحديد صلاحيات الرئاسة والوزارة وقرار المقاومة ولكني ظننت للحظة أن الفريقين يستطيعان تمضية بعض الوقت قبل بروز خلافاتهما وتناقضاتهما من جديد على الأقل لأن لكل منهما مصلحة بل ضرورة (الطغنشة) عن بعض الأمور وفي المرحلة الراهنة بالذات، ولكن أن تبرز هذه الخلافات بهذه السرعة وأن تنبش حركة فتح على دفائن الاتفاق في هذه المرحلة (وهي تعلم أن لكل اتفاق دفائن) فذلك لا يمكن أن يأتي إلا في سياق ما صار يقوم عليه موقف فتح – وفق الشواهد الكثيرة ورصد الممارسات-، من أنها (أي فتح) لا تقبل بأقل من تطابق حماس بالكامل مع برنامجها (على اعتبار أن لها برنامجاً وإن كان يقوم القبول بما يلقيه الآخرون ولا يتجاوز تقضية المصالح الآنية ومحاولة كسب المواقف بطرق رجوية)، لهذا وبمجرد أن ألمحت حماس لاحتفاظها بتفسير خاص لما تم الاتفاق عليه بادرت (أي فتح) لتجميد الاتفاق، وهذا لا يلغي حقيقة أن جهات خارجية (أمريكا والعدو والرباعية) يضغطون عليها لتقوم بدحر حماس من موقع لآخر وابتزاز تنازلات إضافية منها في حين أنها (أي فتح) لا تملك أية هوامش مناورة أو قدرة على التمنع.

ولعل من العدالة أن نعترف بأن حماس لم تحسن تخبئة دفائنها وأنها استعجلت في إبراء نفسها من شبهات أثيرت حول موقفها، أقول استعجلت بالقياس على ما كانت ستحققه لو تريثت في هذا الكشف، ولعلها كانت ستكسب خروج وزرائها ونوابها وبالتالي العودة للأكثرية الدستورية وتكسب أن تكون معها فتح في نفس المركب وتحت نفس الظروف ولعل فتح كانت ستساعدها على تهدئة وإنهاء الاضراب (الفتحاوي المسيس) أو يتحرك السيد عباس لدفع الرواتب من خزينة المنظمة التي تتجاوز الستين مليار دولار) الواقع أن حماس استعجلت ولعل زلتها جاءت من كثرة المتحدثين باسمها وقلة -على ما يبدو- التنسيق بينهم أو من كونها تثمن عالياً قيمة الطهورية الوطنية التي تدفعها للإعلان عن ثوابتها والغفلة عن مقتضيات الدهاء السياسي ومستلزمات المناورة، ولكن حتى في هذه فإن فتح هي التي حاولت فرض تفسيرها للاتفاق على الآخرين مما استفز متحدثي حماس لإعلان تفسيرهم وهو ما كشف دفائنهم ونبه الخارج ضدهم.

في مطلق الأحوال فإنه لا يمكن لفتح أن تستغل خطأ هنا أو هناك للتفريط بمكاسب الاتفاق ولو أمام العدو الخارجي وليس من حقها أن تفوت فرصة الإفلات من المأزق، وعلى الإخوة في حركة فتح ألا يفتحوا كل الخلافات ولا يثيروا كل التناقضات جرياً وراء استرضاء أحد خارج الوطن أو بوهم القدرة على تحقيق كسب سياسي فاللاعبون الأساسيون لن يسمحوا لها بذلك، وحتى لو أعطوها كسباً ما في هذا السياق فلن يكون إلا ثمناً لما هو أسوأ مما هي فيه حتى الآن – ولن تستطيع تقديمه لهم – ثم لا يجوز لأحد أن ينسى حقيقة أن حماس تملك في كل الأحوال إعادة الجميع لمربع المقاومة وعندها سيكتفي الآخرون بالتفرج ولن تكون المراهنة على هزيمتها أو فنائها إلا خاسرة.

هذا أقوله لأنبه إلى أنه ليس من الصواب ولا المجدي أن تتعامل فتح مع الترتيبات الداخلية بطريقة تراجعية كما فعلت فيما يتعلق بوثيقة الأسرى التي بلغ تقديس السيد عباس لها أن وصفها بأنها وثيقة أشرف الناس وهدد بتجاوز حماس لأجلها وبعرضها على الاستفتاء العام.. ثم هم اليوم يتراجعون عنها بعد أن قبلتها معهم حماس، ولا ندري فلعل وعده بدفع رواتب العاملين قبل رمضان يكون له نفس المصير.

خلاصة القول: إن على حركة فتح أن تقدم اعتبارات الداخل على مصالح الخارج وألا تستفز حماس لتستنفد أوراقها وعليها أن تقبل بمنطق خذ وطالب الذي قبلته مع الجميع باستثناء حماس – للأسف – وأن ترجئ بعض الخلافات لوقت آخر قد يكون الأفضل للجميع، وعلى فتح ألا تقلب كل الطاولة بما فيها وما عليها لأن معادلاتها أضعف من احتواء الآثار الشاملة لمغامرة من هذا الوزن، كما عليها ألا تعول كثيراً على حلم وأناة حماس فلها (أي لحماس) مجانين قد لا ينتبهون للأولويات الاستراتيجية دائماً، لذا أقول إن على فتح ما هو أكثر من تجنب المبالغة في الاستفزاز، عليها (وأقول عليها بمنطق أخوة الثورة ووحدة العدو على الأقل) عليها أن تأخذ بيد إخوانها من حماس لتجاوز الأزمة وتقديم النصح الديبلوماسي لهم باعتبارها الأقدم والأكثر خبرة وتجربة بدهاء السياسة وأعراف الديبلوماسية الرسمية، وعليها (أي فتح) أن تتعالى عن الفئويات الضيقة وألا تنشغل بالمناطحات الصغيرة وتغفل عن الذئب الخبيث على حدود كل مدينة وقرية، أما حماس فإن عليها هي الأخرى أن (تودّكَها) الأحداث فليس كل ما يصح في الدعوة ومخاطبة الأنصار يصلح للسياسة ولا كل ما يقال في المنتديات الخاصة يقال على وسائل الإعلام ولا كثرة المتحدثين دليل على الوجود السياسي، وإن كان توزيع الأدوار يصح بين حماس كحركة والحكومة كسلطة فهو لا يصح داخل الحكومة نفسها ومن متحدثيها الرسميين. أما الأهم من كل هذا في نظري فهو: أن على حماس ألا تفقد الاستراتيجيا وألا تعول كثيراً على الضمير الوطني لخصومها، وأن على الآخرين ألا يضعوا حماس أمام الخيارات الصعبة التي يبدو أن الوقت بدأ يقترب منها.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات