الجمعة 29/مارس/2024

سر افتتان عباس بالاعتراف بإسرائيل !!

سر افتتان عباس بالاعتراف بإسرائيل !!

 

لو كان السيد عباس رجلا جاهلا لايعرف بحقيقة الصراع واسبابه وبدور الاستعمار الغربي واغراضه واهدافه في فلسطين والمنطقة العربية بعمومها لقلنا إن الرجل معذور لجهالة فيه ولعزة مبنية على هذه الجهالة ساعدت في تفاقمهاإلى درجة الاثم .

لكن السيد عباس رجل ولا كل الرجال فهو أولا أكاديمي يحمل درجة رفيعة في العلم والمعرفة إذ هو يحمل درجة الدكتوراة في القانون أو السياسة(لست ادري على وجه التحديد) هذا عدا عن الدرجات الفخرية الاخرىالتي حصل عليها وعباس رجل ذكي ولبق وصاحب خبرة سياسية طويلة جدا فهو من الصف الاول لحركة فتح ليس من اليوم بل منذ أوائل أيام ولادة حركة فتح إلى هذا الوجود .

المهم في الموضوع وهو مسألة الاعتراف بإسرائيل فعباس وإن كان غير معذور- أبدا -هو وغيره حينما أبرموا الاتفاقات المذلة مع إسرائيل وعلى رأسها أوسلو واعترفوا بموجبها بإسرائيل دون أن يكون هنالك ثمن حقيقي لهذا الاعتراف سوى الاعتراف بالمنظمة بعد أن اصبحت هذه الاخيرة غير تلك التي نعرفها في السابق حيث التمسك بالثوابت والحقوق الوطنية وإزالة الاحتلال التي من أجلها أنشئت المنظمة .

إلا أنه على أية حال ومن خلال تجربة الاعتراف هذه والقبول بالاشتراطات الامريكية والاسرائيلية عبر أكثر من ثلاث عشرة سنة مرت من مسيرة نهج التفاوض مع اسرائيل الذي أفضى إليه هذا الاعتراف والقبول بوجود إسرائيل ودولتها ما الذي حققه عباس وغيره والمنظمة التي تم مسخها لصالح الشعب الفلسطيني والقضية الوطنية العادلة هل حققوا لنا اقامة الدولة المستقلة التي وعدونا بها هل أعادوا لنا النازحين واللاجئين المشردين ؟؟!!.

الحقيقة تقول إن الغرض من عملية السلام وما جائت به من اعترافات وتنازلات مذلة كان الغرض منها شرعنة الاحتلال على ما تبقى من ارض فلسطين وأقصد هنا الاراضي التي تم احتلالها عام 67 فمنذ مؤتمر مدريد المعقود سنة 1991 ازداد عدد المستوطنين والمستوطنات المقامة فمن 100 ألف إلى 200 ألف مستوطن أصبحت الضفة عبارة عن معازل مقطعة ومخنوقة المستوطنات والاستيطان وتهويد القدس يحيط بها من كل جانب الجدار العازل التهم مساحات شاسعة من اراضي الضفة الغربية واصبحت بموجبه المياة تحت السيادة الاسرائيلية مئة بالمئة تقريبا الأغوار تم ضمها غزة عبارة عن سجن كبير لخنق الفلسطينيين فيه مآسي ومصائب كثيرة وجمة جلبه لنا سلام واتفاقات عباس السرية مع الكيان الصهيوني بحق السماء ما الذي حققه لنا اعتراف عباس وصحب عباس ومسؤول عباس من هكذا اعتراف سوى المزيد من الاحتلال والاذلال والخنق والحصار ؟!!

هل عباس صهيوني أكثر من الصهاينة أنفسهم؟!! إذاكان عدد من الوزراء الصهاينة ومن كتابهم ومفكريهم المعروفين يطالبون بالجلوس والتفاوض مع حماس دون شروط تلك التي تتعلق بالاعتراف المسبق وغيرها، فلماذا نرى عباس يصر إصرارا كبيرا على أن تعترف حماس وحكومتها الشرعية المنتخبة بإسرائيل وأن تقبل بالتالي بجميع شروط الامريكان والصهاينة بنبذ العنف وتجريم المقاومة والاعتراف بالاتفاقات السابقة؟.

كتب الكاتب الاسرائيلي  داني روبنشتاين مقالة بعنوان ” لماذا الاعتراف بإسرائيل ؟!” بصحيفة هآرتس العبرية بتاريخ 25 | 9 2006 يقول فيها : ” أغلبية الجمهور الفلسطيني لا تطالب حماس بالاعتراف بإسرائيل هذا ما يظهره على الاقل استطلاع موثوق أجري في المناطق تفسير ذلك يصدر عن الناطقين بلسان حماس في كل زاوية من رفح حتى جنين المقبول جدا في المناطق هو ياسر عرفات وم.ت.ف اعترفوا بإسرائيل في أوسلو فما الذي ربحناه من ذلك ؟ المعاناة والمشاكل فقط ” .

ويتابع: ” الحصار الاقتصادي على غزة والضفة والتصفيات والاجتياحات والحواجز تفسر كدفاع إسرائيلي عن النفس ضد العمليات ولكن كيف يمكن تفسير مضاعفة عدد المستوطنين في الضفة والقدس منذ قمة مدريد وأوسلو ؟ منذ الانتخابات في عام 1996 وحتى نهاية حكومة باراك تقريبا سادت فترة طويلة من الهدوء الامني النسبي ولم تحدث عمليات تقريبا ومع ذلك تواصل الاستيطان مثل حاله من قبل وازداد عدد سكان المستوطنات في التسعينات من 100 ألف الى 200 ألف “.

ويضيف السيد روبنشتاين: ” عندما يقوم الاسرائيليون ببناء أحياء جديدة كبيرة في شرقي القدس ( جبل ابو غنيم وتلة شلومو ) ويوسعون الاستيطان في الجزء الاسلامي من المدينة ويحيطونها بعشرات آلاف المستوطنين اليهود الذين يشكلون حزاما خانقا ممتدا من بيتار عيليت جنوبا وحتى معاليه أودوميم شرقا وجفعات زئيف شمالا إنما يرسلون رسالة واضحة للفلسطينيين ومفادها أنه لاتوجد فرصة لقيام عاصمة لدولة فلسطين في شرقي القدس “.

ويختم روبنشتاين مقالته بقوله: ” وإذا أضفنا إلى ذلك توسيع المستوطنات في شمال الضفة وفي اريئيل وضواحي رام الله وفي غوش عصيون الموسعة وجبل الخليل تتحول الرسالة الاسرائيلية إلى رسالة واضحة جدا : ليس أمامكم أيها الفلسطينيون فرصة إطلاقا إعترفتم بإسرائيل فحصلتم في المقابل على تحطيم آمالكم وتطلعاتكم القومية فلماذا إذا تعود حماس إلى نقطة الاعتراف ذاتها التي رأينا بأم أعيننا الذي تسببت به وآلت إليه ”  إنتهى كلام  داني روبنشتاين .

إذا كان هذا هو موقف داني روبنشتاين وهو إسرائيلي صهيوني من عدم وجود مبرر أو سبب على أرض الواقع يلزم الشعب الفلسطيني وحماس بالاعتراف بإسرائيل وهذا الموقف لروبنشتاين لم يتأتى لأنه متعاطف مع الفلسطينيين ومع حماس ولكنه رجل انحاز إلى الحقيقة و الحق و الاخلاق و إلىالمعايير الانسانية فلماذا بحق السماء مرة أخرى يؤكد عباس في تصريحاته والتي أشهرها مؤخرا من على منبر هيئة الامم المتحدة ليقول إن أية حكومة فلسطينية قادمة سوف تعترف بإسرائيل في الوقت نفسه الذي تقول فيه لفني إن إسرائيل لا يمكن أن تنسحب من جميع أراضي 67 وأنه لاعودة للاجئين .

السيد عباس مستميت جدا بتحصيل وانتزاع اعتراف من حماس والحكومة بإسرائيل ها نحن نراه وقد جمد الحوار مع حماس حول تشكيل حكومة الوحدة الوطنية وأعلن أنها عادت إلى نقطة الصفر ويرفض أن يلتقي مع هنية في الوقت الذي يلعن فيه عن اعتزامه للقاء أولمرت وبدون شروط مسبقة إنه يرفض كل الوساطات السودانية والقطرية واليمنية للالتقاء مع خالد مشعل في دمشق في إطار جولاته المكوكية كل ذلك يرهنه عباس أولا وأخيرا باعتراف حماس المسبق بحبة عينه ومهجة قلبه وسالبة عقله إسرائيل .إنه والله لموقف غريب يخرج عن كل الاطوار التي تعارف عليها البشرعباس وزمرته هذه الايام ومعه الثلاثي المصري الاردني والسعودي شغلهم الشاغل وهمهم الوحيد هو اعتراف حماس المسبق باسرائيل واطلاق سراح شليط أو الضغط بشدة لاسقاط حكومة الشعب الفلسطيني بشتى الوسائل والاساليب والتي آخرها اليوم محاولات قوى الامن التابعة لعباس ودحلان الانقلاب على الحكومة من خلال الفوضى والاعتداء على أمن الناس تحت مسميات زائفة ومكشوفة بادعائهم إنما هم بذلك يطالبون برواتبهم علما أنه قبل يومين تسلم هؤلاء رواتبهم والتي اقتطع عباس منها ثلاثمائة شاقل في إطار ضغوطه التي يمارسها على الحكومة إن ما يجري اليوم في قطاع غزة من اشتباكات مع عناصر القوة التنفيذية التابعة لوزارة الداخلية وما نتج عنها من ضحايا وجرحى سببها الاول والاخير عباس ودحلان ومن معهما فالذي يجري واضح أنه أمر مخطط له ضد الحكومة فيبدو انهم استنفدوا كل مخططاتهم غير الدموية والان يلجؤون إلى القوة والانقلاب  .

أنا شخصيا لدي بعض التفسيرات والتحليلات المستندة إلى واقع سلوكيات وتصرفات عباس حول سر افتتانه بالاعتراف بإسرائيل وذلك على النحو التالي :

أولا : إن عباس من الناحية السيكولوجية النفسية يعز عليه جدا ومن معه من زمرته أن يتراجع عن نهج أو اسلوب أو رؤية تبناها سابقا حتى ولو تبين بالتجربة والبرهان أنها ليست صحيحة إذ إنه- والحالة هذه – تؤخذه العزة بالاثم بمعنى أن الجانب الشخصاني والفرداني الاناني فيه مكرس إلى أبعد الحدود وإن أدرك أن التفاوض ليس خيارا استراتيجيا بل وليس صحيحا ومقبولا في حالة الاحتلال الصهيوني لكنه ليس على استعداد أن يغير مواقفه الخاصة من اجل المصلحة العامة للقضية .

ثانيا : بناء على ما سبق بشأن السيكولوجية الذاتية والانانية فإن الاغراض والاهداف لديه ستكون شخصانية وفردانية أيضا وليست وطنية فهو يرى بأن وجود حالة من الهالة والزخم الاعلامي حوله لكون أن أولمرت أو بيريس سيلتقي معه وأن حديثا سيجري حول التفاوض أو أن بوش أو رايس تمتدحه لمواقفه مما يسمى بالسلام وبأنه رجل معتدل …. إلخ يعتبر إنجازا بالنسبة للسيد عباس ولنهجه التفاوضي هكذا هو حقا يفكر نظرا لضيق افقه.

ثالثا : عباس ومن معه يحملون عقلية أن لا أحد أفضل منهم ولامن رؤيتهم ومنهجهم فلسطينيا فإما أن تكون حماس أقل منهم درجة في الانحطاط والتنازل والانبطاح أو على الاقل مثلهم ولذلك نراهم يبذلون كل الجهود حتى تعترف حماس وحكومة الشعب الفلسطيني بإسرائيل وإن كان لدى إسرائيل أو أمريكا بعض الليونة حول هذا الشان بسبب المآزق التي تمران بها ” عقلية بالهوى سوى والله لا يرد لا وطن ولا مواطن” .

رابعا : يعاني عباس وجماعة اوسلو من عقدة النقص والضعف في مقابل إسرائيل وأمريكا وفي نفس الوقت من عقدة الاستقواء والاستخفاف بأبناء وطنهم وشعبهم ففي الأولى نجد أن عقلية الضعيف هذه تفرض على صاحبها دائما أن يرضي الطرف الاقوى منه ولو كان الامر على حساب شخصيته ومصالحه الخاصة وعلى حساب الاخرين على وجه التاكيد أما في الثانية فنراه في عقلية الاستقواء على أبناء جلدته ووطنه غير مبال بهم ولا لموقفهم وتوجههم وهو متبجح في تكرار رؤيته ومنهجه الفاشل ولمَ لا؟ حيث لا حسيب ولا رقيب فالشعب في نظره لاقيمة له ومعه الوطن كذلك حتى لكأن الوطن في نظر هؤلاء عبارة عن عقارات للتجارة خاصة بهم .

سادسا : إن عباس وزمرته هم عبارة عن وكلاء كغيرهم من وكلاء الغرب من الانظمة العربية الرسمية التي تستند في مبرر بقائها ووجودها إلى الوظيفة التي حددت لها سلفا من أباطرة الاستعمار الامريكي والغربي .

أخيرا لا بد من القول لعباس ولغير عباس أن فلسطين ليست ملكا لكم ولالآبائكم حتى تتاجروا بها كيفما تشاؤون ففلسطين هي ملك لهذا الشعب العظيم ولامته العظيمة والشعب والأمة لم يمنحوا عباس وعريقات وعبد ربه وأحمد عبد الرحمن وعزام الاحمد صكا أو توكيلا عاما ليتنازلوا عن أرض فلسطين وحق شعبها فيها على كل شبر منها من بحرها إلى نهرها .
 
 
كاتب وباحث في الشؤون القانونية والسياسية
 
مؤسسة التضامن الدولي لحقوق الانسان

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات