الجمعة 19/أبريل/2024

دلالات تحالف أولمرت – ليبرمان

دلالات تحالف أولمرت – ليبرمان

 

صحيفة الخليج الإماراتية

 في خطاب ألقاه يوم 10 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، وموجه لأعضاء حزبه كاديما، قال إيهود أولمرت رئيس الحكومة “الإسرائيلية”: “لكل الذين يعتقدون أن الحكومة ذاهبة لملاقاة مصاعب جدية، أقول لهم: ابقوا هادئين. الحكومة موجودة لكي تستمر”. وزيادة في الثقة بالنفس، أضاف أولمرت: “لن تكون هناك انتخابات في مستقبل قريب”.

بيد أن خليفة شارون الذي فاز في الانتخابات العامة يوم 28 مارس/ آذار الماضي، وشكل ائتلافاً حكومياً، ولا سيما مع حزب العمل، يفكر منذ الآن في عملية تغييره “من أجل توطيد الاستقرار السياسي للبلاد” على حد زعمه. وكانت استطلاعات الرأي كلها في الكيان الصهيوني تؤكد الانحدار الكبير في شعبية رئيس الحكومة، بسبب مغامرة الحرب التدميرية على لبنان خلال الصيف الماضي، وتفجر فضائح الفساد في مؤسسة الحكم.

ويعتبر المحللون المتخصصون في الشؤون الصهيونية، أنه لو أجريت انتخابات مبكرة في الكيان الصهيوني الآن، سيفقد حزب كاديما نصف مقاعده في الكنيست، وسيحصل أولمرت على 18% من أصوات الناخبين، بينما سيحصل منافسه القوي بنيامين نتنياهو زعيم المعارضة اليمينية ممثلة بحزب الليكود على 29%. وهكذا، يجد أولمرت نفسه بعيداً كل البعد عن الشعبية التي كان يحظى بها مع بداية العدوان الصهيوني على لبنان والتي بلغت حدّ 78% في أواسط يوليو/ تموز الماضي.

إن إخفاق أولمرت في الحرب الصهيونية على لبنان، وتداعيات الإخفاق هذا على صعيد تصدع الائتلاف الحكومي، هي التي قادته إلى إبرام اتفاق مع رئيس حزب “إسرائيل بيتنا” أفيغدور ليبرمان، لضم الحزب المذكور إلى حكومته، وإسناد منصب وزاري لرئيس الحزب ليبرمان في الحكومة. وقد قالت صحيفة “هآرتس”، تعليقاً على ذلك: “إن اختيار شخص غير منضبط وليس مسؤولاً البتة لمنصب نائب رئيس الوزراء هو الوزير المسؤول عن التهديدات الاستراتيجية يشكل تهديداً استراتيجياً بحد ذاته وإن من شأن عدم انضباط ليبرمان ولسانه السليط وتصريحاته أن تنزل كارثة بالمنطقة كلها”.

وبهذا التحالف مع اليمين المتطرف والعنصري يكون أولمرت قد عزز أغلبيته التي ضعفت جراء الاسقاطات المدمرة من الحرب على لبنان. ويؤدي انضمام حزب “إسرائيل بيتنا” الذي له 11 مقعداً في الكنيست، إلى رفع عدد الأعضاء الداعمين للائتلاف الحكومي إلى 78 نائباً من أصل 120 نائباً، وتجنيب الحكومة المفاجآت السيئة، عقب التصويت على الموازنة، التي يعتبرها العماليون “غير اجتماعية”، ولا سيما إجراءات الحكومة في المسائل المالية والاجتماعية والاقتصادية. وحتى لو تم فقدان أصوات متمردي حزب العمل، فإن هذا العدد يمنح الائتلاف الحكومي برئاسة أولمرت الاستقرار الذي لن يهتز إلا بكيفية ممارسة ليبرمان مسؤولياته ومهماته في معالجة ما يسمى التهديدات الاستراتيجية.

ومن المعلوم أن المنصب الحكومي الذي تبوأه ليبرمان، يتمثل في تكليفه الملف النووي الإيراني الذي يقلق السلطات الصهيونية، فقد قال ليبرمان “نحن تحالفنا لإنقاذ البلاد، لا الحكومة”. ولما كان ليبرمان معروفاً بعنصريته المناهضة للعرب، فهو يعتقد بضرورة ترحيل عرب فلسطين عام 1948، وبدفاعه المستميت عن الاستيطان المكثف في الضفة الغربية، وزيادة عدد المستوطنات فيها. فهو يقول في كتابه “حقيقتي”، إنه مع تبادل السكان والأراضي بين “إسرائيل” والسلطة الفلسطينية لتشكيل دولتين “متجانستين إثنياً”. ويرى ليبرمان أن هدفه هو الحفاظ على دولة واحدة ذات قومية يهودية خالصة، ذلك بأن وجود أقلية عربية يتناقض مع أهداف الكيان الصهيوني العنصري. ولذلك فهو من دعاة الترانسفير لعرب 48 إلى خارج الكيان الصهيوني.

ومع مجيء ليبرمان، الذي طرد من حكومة شارون بسبب معارضته الانسحاب من غزة، نعتقد أن مخطط الانسحاب من بعض المستوطنات في الضفة الغربية قد مات. أما في ما يتعلق بمسار السلام مع الفلسطينيين، فلا يعتقد أي إنسان عاقل أن هذا الصهيوني العنصري الذي يدعو إلى طرد العرب من كافة الأراضي الفلسطينية، والداعي إلى الاستيطان، يمكن أن يحرض على انبعاث مسلسل المفاوضات التي لا يؤمن بها أصلاً.

رغم تأكيد أولمرت أن إدماج ليبرمان في السلطة التنفيذية للكيان الصهيوني لن يغير في شيء من البرنامج السياسي للائتلاف الحكومي، فإن ليبرمان لم يكد يضع رجله داخل الحكومة الصهيونية حتى بدأت تتجلى بعض الترجمات العملية لطروحاته العنصرية تجاه فلسطينيي 48، وأعضاء الكنيست منهم على وجه الخصوص. فقد قدمت رئيسة كتلة حزب “إسرائيل بيتنا” النيابية، أسترينا طيرطمان، مشروع قانون أمام لجنة الكنيست، يخوّله فصل أي نائب فيه بغالبية 80 صوتاً، إذا نفى وجود “إسرائيل” دولة ديمقراطية أو أيّد الكفاح المسلح ضدها أو مارس التحريض على العنصرية(!). وأثار مشروع القانون، الذي يعكس في الواقع آراء كان قد صرح بها رئيس الحزب ليبرمان تجاه أعضاء كنيست عرب، عاصفة من الردود داخل مبنى البرلمان، وخاصة عندما طلبت طيرطمان تسريع الإجراءات التشريعية لمشروع القانون استثنائياً.

ورأى أعضاء الكنيست العرب أن القانون المقترح موجّه ضدهم على وجه الخصوص، وإن كانت صيغته مقنّعة بالأحكام العامة، لا سيما أن بنوده تتحدث عن ممارسات يُتهمون هم عادة بها، إن لجهة تشككهم بالديمقراطية “الإسرائيلية” أو لجهة تأييدهم حق المقاومة ضد الاحتلال فلسطينياً ولبنانياً.

سوف يسمح انضمام ليبرمان لأولمرت بتهميش خصمه العنيد بنيامين نتنياهو زعيم حزب الليكود، الذي سجل صعوداً قوياً في استطلاعات الرأي داخل الكيان الصهيوني، والذي سيتسلح من الآن فصاعداً بالصبر بعد أن تم تعزيز الأغلبية الحكومية، حتى وإن بدت غير متجانسة أكثر من أي وقت مضى. أما حزب العمل الحليف، فقد اجتاز أمينه العام عامير بيرتس امتحاناً صعباً لزعامته المتصدعة، حين نجح في استقطاب حزبه إلى تبني موقفه المؤيد للبقاء داخل الحكومة، رغم انضمام ليبرمان وحزبه اليميني المتطرف “إسرائيل بيتنا” إليها. فقد أكد بيرتس عدم السماح لهذا الأخير بجر “إسرائيل” إلى “حروب استعراضية” أو التفرد بتوجيه السياسة الصهيونية في الملف النووي الإيراني بوصفه “قضية قومية وليست ليبرمانية”، كما شدد بيرتس على أنه لن يكون لليبرمان موطئ قدم في وزارة الدفاع، وأعلن مضيه في إخلاء البؤر الاستيطانية غير القانونية في الضفة الغربية طبقاً لاتفاق أو من دون الاتفاق مع المستوطنين”.

يعتقد القادة الصهاينة من أمثال شاؤول موفاز، ووزيرة الخارجية ليفني وبن اليعازر وإسحاق هرتزوغ، أن إيهود أولمرت قد خضع بالكامل لمواقف “اليمين المتطرف”، لكن هذا لن يقود في المدى المنظور إلى إجراء انتخابات مبكرة في الكيان الصهيوني، أو إلى إسقاط الحكومة، علماً أنه منذ تشكل دولة “إسرائيل”، قبل ثمانية وخمسين عاماً، تعاقبت على رئاستها 31 حكومة، وأن العمر المتوسط لكل منها هو اثنان وعشرون شهراً.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات

استشهاد أسيرين من غزة في سجون الاحتلال

استشهاد أسيرين من غزة في سجون الاحتلال

غزة – المركز الفلسطيني للإعلام قالت هيئة البث الإسرائيلية، مساء اليوم الخميس، إن معتقلين اثنين من قطاع غزة استُشهدا خلال إحضارهما للتحقيق داخل...