الخميس 25/أبريل/2024

أوسلو .. منسية في ذكراها

أوسلو .. منسية في ذكراها

 

ما خرجت به قناة التفاوض السرية في العاصمة النرويجية قبل ثلاث عشرة سنة؛ أريد له أن يكون منعطفاً تاريخياً في مسيرة القضية الفلسطينية. فمع المصافحة الشهيرة في حديقة الزهور بالبيت الأبيض؛ روّج مهندسو “أوسلو” ومنظِّروها وعوداً مجانية، تبدأ بالدولة المستقلة وتنتهي بالرخاء الاقتصادي.

الأبواق التي انطلقت في مديح المسيرة السياسية لم تكن تعرف حدوداً، وقد وضعت ذاتها فوق مستوى النقد أو المساءلة، أو حتى النقاش، خاصة وأنّ مشروع التسوية إياه انطلق سريعاً من القنوات السرية إلى مراسم التوقيعات في عواصم الغرب والشرق، دون المرور على الشعب الفلسطيني، فضلاً عن قواه وفصائله والهيئات التي يُفترض أنها معنية بصانعة القرار.

تم تمرير مشروع أوسلو قسراً، واستمرّ موسم التنظير للمشروع وجدواه ومردودادته سنوات عدة، رغم الملابسات التي نشأ فيها والآفاق المسدودة التي سرعان ما أفضى إليها.

الوعود والأمانيّ التي رسمها مهندسو الاتفاقات ومنظِّروها؛ تطلّبت تدبيج المقالات وإطلاق المدائح، وحتى تجنيد الكتاب والصحافيين لوضع السير الذاتية لمهندسي العملية البائسة، وكيف جرى التوصل إليها في مكان ما من النرويج.

الآمال العريضة التي جرى تسويقها بدأب للشعب الفلسطيني؛ بدت جوفاء منذ البداية، ولذا تطلّب الأمر تطعيمها بطائفة من الرموز الخادعة والشكليات المفعمة بالإثارة. فالمهمة تطلّبت منح الانطباع بسيادة ما، ولو كانت موهومة. هكذا أتيح المجال لعلم فلسطيني يرفرف في آفاق الوطن المحتل، ولطابع بريدي يشير إلى سلطة فلسطينية في ما قيمته تُدفع بالشيكل، ولبساط أحمر ممتد في الاستقبالات الرسمية، ولحشد من الأسماء والألقاب المتزاحمة.

التحوّلات الأخطر جسّدها بوضوح الذهاب إلى حدّ الاعتراف بمشروع الاحتلال. تم ذلك حتى دون أن يبدي الاحتلال ولو اعترافاً خجولاً بكينونة الشعب الفلسطيني، وإنما بقى الحديث يدور عن مجرّد “فلسطينيين”. وامتدّ التحوّل إلى شطب “الميثاق الوطني الفلسطيني” (إكراماً للرئيس الأمريكي آنذاك) لمجرد أنه يشير إلى فلسطين وهويتها، وإلى حق المقاومة ومطلب التحرير. جرى ذلك حتى بلا أدنى تنازل للكيان عن مرتكزاته الصهيونية أو هويته العنصرية أو حتى عقيدته الحربية ونزعته التوسعية.

الحالة الفلسطينية كان تتحسّس في غضون ذلك وطأة الواقع المُثقل بأعباء الاحتلال. فرغم وفرة الرموز الجوفاء والإفراط في الشكليات؛ تيقّن الجميع بالتدريج أنّ خيار الاستقلال ودولته، ومطلب التحرّر من الاحتلال، لا يمرّان عبر مسيرة “أوسلو”، فضلاً عن “مساعي الراعي الأمريكي”.

وإزاء حقائق الاستيطان المتفشي كالفطر، وفي ظل الجدران التوسعية التي تخترق محيط القدس وأراضي الضفة؛ بات واضحاً أنّ نفق التسوية المظلم لا يفضي إلاّ إلى مزيد من الاستغراق في التيه التفاوضي.

هكذا؛ تمضي أوسلو اليوم، في ذكراها الثالثة عشرة، دون أن تستحق من مهندسيها ومنظِّريها والمروِّجين لها أدنى إيماءة. فهي باتت نموذجاً لأسوأِ تسوية سياسية يمكن الإشارة إليها. وحتى الذين كتبوا سيرهم الذاتية “من وحي أوسلو” وفي فضاءاتها المعتمة، عمدوا تباعاً إلى شطب أدوارهم فيها من الوعي العام، بعد اتضح بشكل جلي كم كان ذلك المنعطف التاريخي نقمة على “المشروع الوطني الفلسطيني” الذي طالما تغنى به بعضهم، محاوِلاً وضعَ تيه التسوية على سكّته.

أما الذين عقدوا الكثير من المؤتمرات والملتقيات ذات المقاييس الدولية، دعماً لمسيرة التسوية السياسية طوال العقد المنصرم، وتبشيراً بحلولها النهائية؛ فإنهم يرتكسون اليوم إلى البدايات. والانطباع الذي بات رائجاً في عديد الأوساط التي سهرت وأنفقت ببذخ على محاولة تطويع الشعب الفلسطيني، بعيداً عن مسار الحرية والخلاص من الاحتلال؛ فهو أنّ الخيار الفلسطيني المستقل، لم يعد قابلاً للتطويع أو الاستلاب، وأنّ مسيرة “أوسلو” وسنواتها العجاف تقف شاهداً حياً على ذلك.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات

الاحتلال يشن حملة دهم واعتقالات في الضفة

الاحتلال يشن حملة دهم واعتقالات في الضفة

الضفة الغربية – المركز الفلسطيني للإعلام شنت قوات الاحتلال الإسرائيلي، الليلة الماضية وفجر اليوم الخميس، حملة دهم واقتحامات في عدة مناطق في الضفة...