الخميس 25/أبريل/2024

فلسطين في التاريخ الإسلامي

فلسطين في التاريخ الإسلامي

منذ العصر العباسي الثاني الذي ابتدأ بعد منتصف القرن الثالث الهجري ودولة الخلافة الإسلامية في ضعف مستمر متزايد، حتى تمزقت دولة الإسلام إلى ثلاث خلافات بدلاً من خلافة واحدة فالخلافة العباسية في المشرق، والخلافة الفاطمية في مصر وأجزاء من المغرب والشام، والخلافة الأموية في الأندلس، وفي مثل تلك الأجواء حدثت الحروب الصليبية.

 

الخريطة السياسية للمنطقة قبيل الحروب الصليبية

قبل بدء الحروب الصليبية بحوالي أربعين عاماً نجح السلاجقة الأتراك في بسط سيطرتهم على بغداد وتولي الحكم تحت الخلافة الاسمية للعباسيين. فقد استطاع السلاجقة بسط سيطرتهم على أجزاء واسعة من فارس وشمال العراق وأرمينيا وآسيا الصغرى حوالي 1040م ثم سيطر السلطان السلجوقي طغرل بك على بغداد سنة 1055م، وتوسع السلاجقة على حساب البيزنطيين في آسيا الصغرى، وفي 19 أغسطس 1071م وقعت معركة ملاذكرد التي قادها السلطان السلجوقي ألب أرسلان وحلت فيها أكبر كارثة بالبيزنطيين حتى نهاية القرن الحادي عشر الميلادي.

وفي سنة 1071م سيطر السلاجقة على معظم فلسطين عدا أرسوف وأخرجوا النفوذ الفاطمي منها وتوسع السلاجقة على حساب الفاطميين في الشام فاستطاعوا الاستيلاء على معظمها.

وفي سنة 1092م 485 هـ توفي السلطان السلجوقي ملكشاه فتفككت سلطة السلاجقة، ودخلوا فيما بينهم في معارك طويلة طاحنة على السيطرة والنفوذ، وفي سنة 1096م أصبحت سلطتهم تتكون من خمس ممالك: سلطنة فارس بزعامة بركياروق، ومملكة خراسان وما وراء النهر بزعامة سنجر ومملكة حلب بزعامة رضوان، ومملكة دمشق بزعامة دقاق، وسلطنة سلاجقة الروم بزعامة قلج أرسلان. وكانت معظم مناطق فلسطين تتبع الحكم في دمشق. وفي ظل ضعف حاكمي الشام (رضوان ودقاق) ظهرت الكثير من البيوتات الحاكمة بحيث لا يزيد حكم كثير منها عن مدينة واحدة.

لقد بدأ الصليبيون حملتهم 1098م – 491هـ ومناطق المسلمين في الشام والعراق وغيرها تمزقها الخلافات والصراعات الدموية، فقد دخل الأخوان رضوان ودقاق ابنا تتش في حرب بينهما سنة 490 هـ، ووقعت معارك عديدة بين محمد بن ملكشاه وأخيه بركياروق في الصراع على السلطنة تداولا فيها الانتصارات والخطبة لهما بدار الخلافة 492-497هـ.

 

الحملة الصليبية الأولى ونتائجها

وفي تلك الأثناء أخذت الأنظار في أوروبا تتجه نحو الأرض المقدسة بعد أن دعا البابا أوربان الثاني (1088 – 1099م) في مجمع كليرومونت 26 تشرين ثاني / نوفمبر 1095م «لاسترداد» الأراضي المقدسة من أيدي المسلمين، تم عقد عدة مجمعات دعا فيها للحروب الصليبية (ليموج، انجرز، مان، تورز، بواتييه، بوردو، تولوز، نيم) خلال 1095-1096م، وقرر أن كل من يشترك في الحروب الصليبية تغفر له ذنوبه، كما قرر أن ممتلكات الصليبيين توضع تحت رعاية الكنيسة مدة غيابهم، وأن يخيط كل محارب صليباً من القماش على ردائه الخارجي.

وبدأت الحملات الصليبية بحملات العامة أو حملات الدعاة، وهي حملات تفتقر إلى القوة والنظام، وكان منها حملة بطرس الناسك وهو رجل فصيح مهلهل الثياب حافي القدمين يركب حماراً أعرج جمع حوله من فرنسا حوالي 15 ألفاً، وفي طريقهم أحدثوا مذبحة في مدينة مجرية لخلاف على المؤن فقُتل أربعة آلاف، وانضمت إليهم عند القسطنطينية جموع والتر المفلس، ودخلت حشودهم الشاطئ الآسيوي، وحدثت معركة مع السلاجقة انتصر فيها السلاجقة وقتلوا من الصليبيين 22 ألفاً ولم يبق من الصليبيين سوى ثلاثة آلاف. أما حملتا فولكمار وأميخ فقد أقامتا مذابح لليهود في الطريق، وتشتت الحملتان في المجر!!.

ثم كان ما يعرف بالحملة الصليبية الأولى وقد شارك فيها أمراء وفرسان أوروبيون محترفون وبدأت الحملة سيطرتها على مناطق المسلمين منذ صيف 1097م، وأسس الصليبيون إمارة الرها مارس 1098م بزعامة بلدوين البولوني. وحاصر الصليبيون أنطاكية تسعة أشهر وظهر من شجاعة صاحب أنطاكية باغيسيان «وجودة رأيه واحتياطه مالم يشاهد من غيره فهلك أكثر الفرنج ولو بقوا على كثرتهم التي خرجوا فيها لطبقوا بلاد الإسلام»، غير أن أحد الأرمن المستحفظين على أسوار المدينة راسله الصليبيون وبذلوا له «مالاً وإقطاعاً» ففتح للصليبيين الباب من البرج الذي يحرسه فاحتل الصليبيون المدينة، وأسسوا فيها إمارتهم الثانية 491هـ -3 يونيو 1098م، بزعامة بوهيمند النورماني.

وفي الوقت الذي كان السلاجقة يتعرضون فيه للزحف الصليبي شمال بلاد الشام، استغل الفاطميون الفرصة فاحتلوا صور 1097م وسيطروا على بيت المقدس في شباط / فبراير 1098م أثناء حصار الصليبيين لأنطاكية، واستقل بطرابلس القاضي بن عمار أحد أتباع الفاطميين، بل أرسل الفاطميون للصليبيين أثناء حصارهم لأنطاكية سفارة للتحالف معهم وعرضوا عليهم قتال السلاجقة بحيث يكون القسم الشمالي «سوريا» للصليبيين وفلسطين للفاطميين، وأرسل الصليبيون وفداً إلى مصر ليدللوا على «حسن نيَّاتهم»!!، وهكذا… فأثناء انشغال السلاجقة بحرب الصليبيين كان الفاطميون منشغلين بتوسيع نفوذهم في فلسطين على حساب السلاجقة حتى إن حدودهم امتدت حتى نهر الكلب شمالاً ونهر الأردن شرقاً..!!

وظهرت الخيانات وانكشف التخاذل من إمارات المدن التي حرصت كل منها على نفوذها و«كسب ود» الصليبيين أثناء توسعهم ومن ذلك ما حدث من اتصال صاحب إقليم شيزر بالصليبيين حيث تعهد بعدم اعتراضهم وتقديم ما يحتاجون من غذاء ومؤن بل وأرسل لهم دليلين ليرشداهم على الطريق!!، وقدمت لهم حمص الهدايا!! وعقدت معهم مصياف اتفاقية!!.. أما طرابلس فدفعت لهم الجزية، وأعانتهم بالأدلاء، ودفعت بيروت المال، وعرضت عليهم الدخول في الطاعة إذا نجحوا في احتلال بيت المقدس!!.

تابع ريموند دي تولوز (أمير إقليم بروفانس وتولوز بفرنسا) قيادة بقية الصليبيين إلى بيت المقدس وكان عددهم ألف فارس وخمسة آلاف من المشاة فقط!! وفي ربيع 1099م دخلوا مناطق فلسطين فمروا بعكا التي قام حاكمها بتموين الصليبيين!! ثم قيسارية ثم أرسوف، ثم احتلوا الرملة واللد وبيت لحم، وفي 7 حزيران / يونيو 1099م بدأوا حصار بيت المقدس، وكان حاكمها قد نصبه الفاطميون ويدعى افتخار الدولة، وتم احتلالها في 15 يوليو 1099 لسبع بقين من شعبان 492هـ. ولبث الفرنج أسبوعاً يقتلون المسلمين… وقتلوا بالمسجد الأقصى ما يزيد على سبعين ألفاً منهم جماعة كثيرة من أئمة المسلمين، وعلمائهم وعبادهم(20). أما الدولة الفاطمية فقد واجهت الخبر ببرود، كما أن الدولة العباسية لم تحرك ساكناً!!

تولى حكم بيت المقدس القائد الصليبي جود فري بوايون، وتسمى تواضعاً بحامي بيت المقدس، واستسلمت نابلس، وتم للصليبيين احتلال الخليل(21).

ويقال إنه لم يبق من الصليبيين إلا ثلاثمائة فارس وألفين من المشاة ولم يستطيعوا توسيع سيطرتهم، ذلك أن كثيراً منهم عادوا إلى بلادهم بعد أن أوفوا قسمهم بالاستيلاء على بيت المقدس(22)، وبذلك أصبحت ممالك الصليبيين كالجزر وسط محيط من الأعداء، ومع ذلك كتب لها الاستمرار مائتي سنة حتى تم اقتلاع آخرها!! بسبب الإمدادات والحملات التي كانت تأتيهم بين فترة وأخرى، وبسبب ضعف المسلمين وتشرذمهم، وعدم استغلالهم لفرصة انسياب وانتشار الصليبيين على مساحات واسعة من الأرض بأعداد قليلة ليقضوا عليهم، ولكن المسلمين تأخروا حتى قويت شوكة الصليبيين وأصبح من الصعب اقتلاعها.

وتتابع سقوط مدن فلسطين الأخرى، فقد كانت يافا قد سقطت أثناء حصار بيت المقدس على يد سفن جنوية في 15 يونيو 1099م، وسيطر الصليبيون على شرق بحيرة طبرية (منطقة السواد) في مايو 1100م، واستولوا على حيفا عنوة في شوال 494 هـ – أغسطس 1100م بمساعدة أسطول كبير من البندقية، وملكوا أرسوف بالأمان وأخرجوا أهلها منها، وملكوا قيسارية 17 مايو 1109م بالسيف وقتلوا أهلها ونهبوا ما فيها وذلك في 17 مايو 1101م(23). وهكذا فرض الصليبيون هيمنتهم على فلسطين غير أن عسقلان ظلت عصية عليهم وكان المصريون (الفاطميون) يرسلون لها كل عام الذخائر والرجال والأموال، وكان الفرنج يقصدونها ويحاصرونها كل عام فلا يجدون لها سبيلاً، ولم تسقط عسقلان بأيدي الفرنج إلا في سنة 1153م-548هـ، وكان أهلها قد ردوا الفرنج مقهورين في ذلك العام، وعندما آيس الفرنج وهموا بالرحيل أتاهم خبرأن خلافاً وقع بين أهلها فصبروا. وكان سبب الخلاف أن أهلها لما عادوا قاهرين منصورين ادعى كل طائفة أن النصرة كانت من جهتها، فعظم الخصام بينهم إلى أن قتل من إحدى الطائفتين قتيل، واشتد الخطب وتفاقم الشر، ووقعت الحرب بينهم فقتل بينهم قتلى!! فطمع الفرنج، وزحفوا إلى عسقلان وقاتلوا «فلم يجدوا من يمنعهم فملكوه»(24)!! ترى… كم هي الهزائم التي تأتي من أنفسنا أو نصنعها بأنفسنا؟! {ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم}(25).

وهكذا تأسست مملكة بيت المقدس الصليبية، ونشير استطراداً إلى تأسيس الفرنج لمملكة صليبية رابعة هي طرابلس في 11 ذي الحجة 503هـ -12 يوليو 1109م بعد حصار دام سبعة أعوام.

 

استمرار الصراع (نظرة عامة)

من الصعب أن ندخل في تفصيل الأحداث سنة بسنة وحادثاً بحادث، خصوصاً أن منهجنا يميل إلى الاختصار ووضع اليد على النقاط المهمّة الحساسة في سياق حديثنا عن التجربة التاريخية للحل الإسلامي على أرض فلسطين، غير أن استكمال الصورة ومعرفة مجمل الظروف في تلك الفترة يقتضي الإشارة إلى المعطيات التالية التي ظهرت خلال الثلاثين سنة التي تلت الاحتلال الصليبي لبيت المقدس:

– كان عدد الصليبيين محدوداً وقد فرضوا هيمنتهم من خلال قلاع منتشرة كجزر معزولة في العديد من مناطق الشام.

– استمر

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات

جامايكا تعلن الاعتراف بدولة فلسطين

جامايكا تعلن الاعتراف بدولة فلسطين

كينجستون – المركز الفلسطيني للإعلام أعلنت وزيرة الخارجية والتجارة الخارجية في دولة جامايكا، اليوم الأربعاء، أن دولتها اعترفت رسميًا بدولة فلسطين....