الثلاثاء 16/أبريل/2024

قرية زكريا : قرية معركة أجنادين

قرية زكريا : قرية معركة أجنادين

بيت لحم – خاص

يعتقد الباحث صلاح عبد ربة، أن التاريخ يكتبه، عادة، المنتصرون (لأن روايات الخاسرين نادرا ما تجد طريقها لأيدي المؤرخين، خاصة أن حكايات و شهادات و أقوال الناس الغلابة، سوف تكشف عورة من كان يقودهم، و يستثمر تضحياتهم، أو يستغل صدق عواطفهم من أبناء الطبقة الوسطى أو نخبة القوم).

و بهذا المنطق، اعتمد عبد ربة في بحثه غير المنشور عن قرية زكريا على رواية أولئك المهزومين الذين طردوا من قريتهم مرتين، الأولى (الرحيل الإجباري) في منتصف تشرين أول عام 1948، مثلها مثل جاراتها الوادعات الأمانات ، و قصة ثانية تحكي قصة رحيل آخر و تهجير آخر لما تبقى من سكانها الأصليين و بالتحديد في التاسع من حزيران عام 1950، أي بعد سنتين من قيام دولة “إسرائيل” رسميا و الاعتراف بها من الأمم المتحدة، و بالتحديد من الدول الخمس الكبار، أي إذا كان الرحيل الأول قد تم بفعل منظمات الإرهاب الصهيونية، فإن الرحيل الثاني قد تم رسميا و بفعل إرهاب الدولة المنظم).

يقول عبد ربة (المؤرخون هم أما من أبناء الطبقة الوسطى ، التي رحلت عن فلسطين، عند اندلاع شرارة المواجهة العنيفة، و أما من أبناء الطبقات العليا، التي غالبا ما ترتبط مواقفها و أدوارها بمصالحها الاقتصادية و الوجاهية ).

ولهذا اعتمد عبد ربه في بحثه على التاريخ الشفوي، و على الرواة من أبناء القرية الذين استمع إليهم عبد ربة في أماكن إقامتهم الحالية.

أجناد ين: نصر الفاتحين..!

تقع قرية زكريا التي أقيم عليها الآن مستوطنة (زخاريا ) شمال غرب الخليل، جنوب الخط الحديد بين القدس و الرملة،  خلال فترات العهود المتعاقبة على فلسطين كانت تابعة للقدس ، و الرملة ، وسقطت عام 1948 و هي تابعة لمحافظة الخليل.

و مثل معظم القرى الفلسطينية الأخرى فان تاريخها يعود للعصر الكنعاني، ومن الأحداث التي ارتبطت بالقرية، وقوع معركة أجنادين بين الروم و المسلمين بالقرب منها، والموقع الآن معروف باسم ب (الجنابتين) وهي خربتان تابعتان لزكريا، و بالقرب من (جنابا) الفوقا يقع مقام (الصالحي) وهو المكان الذي دفن به الصحابة الذين استشهدوا في (أجنادين) التي انتصر فيها الفاتحون الجدد يوم 30/7/634م.

و ارتبطت بعض المواقع في زكريا بما ورد في الكتاب المقدس، وفي عام 1898م نقب تل زكريا، واتضح أنه موقع لمدينة (ازكاح) القديمة، التي كانت المكان الذي انتصر فيه يشوع على الكنعانيين.

الكاف العربية

يؤكد عبد ربة ما هو معروف، من أن زكريا كانت من أوائل القرى الفلسطينية التي ظهر فيها التعليم، وانتقل التعليم من الكتاتيب إلى المدرسة الابتدائية في العشرينات من القرن الماضي، وفي أواخر العشرينات كانت ابتدائية كاملة و مختلطة.

ومن الأمور التي يفخر بها أهالي زكريا المشتتين الآن أن القرى المجاورة كانت تحضر إلى زكريا لكتابة الرسائل أو فكها أو تحرير عقود الزواج أو حجج البيع و الشراء، أو التعاويذ الدينية، وما زال الناس يتندرون حتى الآن على استخدام أهالي زكريا المبالغ به للغة الفصحى، و لاستخدامهم لحرف الكاف بالفصحى، وليس بالعامية الفلسطينية المعروفة.

و ينقل عبد ربة عن أحد الرواة، أن أهل زكريا كانوا مغرمين باقتناء الكتب مثل تفاسير القرآن، وكتب الطبري وابن مالك، والبخاري، على سبيل المثال، وكانوا يتابعون في الثلاثينيات والأربعينيات مجلتي (الرسالة) و (الثقافة) المصريتين، وهو أمر ربما كان مفاجئا لأهالي قرية فلسطينية صغيرة لا ترى على الخارطة .

المرأة

يبدو أن حال المرأة في زكريا لم يكن يختلف عن باقي القرى الفلسطينية، و ينقل عبد ربة عن راويات من القرية، إن الرجال لم يكونوا يسمحون للنساء بالخروج للمشاركة في العمل الوطني، لأنه إذا حصل (شيء) في المواجهات فإن الشباب يستطيعون الهروب، أما النساء فلا يستطعن.

وعبرت الراويات، هن الآن عجائز أنه كان لديهن الرغبة في النضال، خصوصا، و أنهن كن يسمعن عن (اليهوديات وكيف كن يشاركن في القتال مع الجيش اليهودي).

ومع ذلك فإن (البنت) في زكريا كانت تتعلم مع (الولد) في نفس المدرسة، وكانت تقوم المرأة بأعمال الأرض جنبا إلى جنب مع الرجل.، لكن المرأة كانت (خادمة للرجل، و لكن الوضع تغير بعد اللجوء) كما تقول الراوية -هنية أحمد يونس-.

ويمكن تفسير التغير للأعباء الاقتصادية الكبيرة والمعاناة التي عانها الأهالي في المخيمات، حيث كان في انتظار المرأة أعباء كبيرة من الذهاب لجلب الحطب من الجبال و البرية المجاورة للمخيمات إلى جلب المياه من الآبار البعيدة إلى العمل بالحياكة أو التطريز للصرف على البيت.
 

عشية النكبة

كان الأهالي يسمعون أخبار حرب عام 1948 عن طريق الراديو الموجود لدى مختار القرية، وقبل التشريد بقليل أصبح هناك راديو آخر لدى (أحمد يونس العيسة)، وكان من يريد أن يسمع الأخبار يذهب إلى حيث يضع المختار الراديو في الطابق الثاني من بيته على الشباك المشرف على الجامع، وعادة ما يتم فتح الراديو للناس بعد انتهاء الصلاة.

و أيضا كان الأهالي يتابعون الأخبار عن طريق المجاهدين الذين يذهبون و يعودون أو يمرون من القرية، أو عن طريق الجرائد مثل (الجامعة الإسلامية) و(الدفاع). حيث من كان يأتي من يافا أو من الخليل مثلا يحضر معه الجرائد.

 تختلف توقعات الرواة عن النتائج التي ستفضي لها تلك الحرب، ويلاحظ عبد ربة بذكاء اختلاف ردود الأفعال والتوقعات لدى الرواة بسبب الثقافة والاطلاع و المشاركة في تلك الأحداث، ويعلن أنه لا يستطيع أن يقيس إذا ما كانت ردود الأفعال تلك تعكس الموقف في حينه أو إنها نتيجة (التكيف الحاصل مع الروايات السائدة أو صفة الإعلام المكتسب خلال سنوات اللجوء الطويلة).

وكثير من الرواة لم يكونوا يتوقعون أن تؤدي الحرب إلى نكبة، وأنهم كانوا يتوقعون أن (يفزع) العرب و يوقفون اليهود عند حدهم..!

وبعد سقوط مدينتي الرملة و اللد في تموز عام 1948 تهددت زكريا مثل عشرات القرى التي تقع في المناطق الجنوبية من فلسطين، و بعد قيام “إسرائيل”. تعرضت زكريا للقصف المدفعي المباشر في متصف تشرين أول من نفس العام.و لكن لم يحل ذلك بداية من تمسك الأهالي بقريتهم و عدم لجوئهم منها. و استمرت الحياة في القرية و كان مقاتلون من القرية يقاتلون ضد العصابات الصهيونية في مناطق أخرى ساخنة. و جمعت تبرعات من الأهالي وتم شراء بنادق للدفاع عن القرية.

و لكن حسب بعض الرواة أن أخبار استشهاد مقاتلين من القرية في مواقع أخرى بدا يؤثر على الوضع داخل القرية حتى دخول الصهاينة للقرية. و يورد الرواة جكايات عن الجهاد الفردي والبطولات المبعثرة دون توجيه أو قيادة. وكانت تعتمد على استنهاض الهمم و (النخوة) و (الفزعة) فالقيادة كانت غادرت فلسطين لتكتب فصلا في تاريخ محير و مؤلم جدا و ملفت للانتباه في سلوكيات القيادات الفلسطينية حتى وقتنا الحاضر ، وتلك قصة أخرى لم تكتب بعد.

ويشير الرواة إلى تشكيل لجان من أهالي القرية و من الجنود المصريين الذي عسكروا قريبا من القرية و كانت لهم علاقات وثيقة مع السكان ويتضح ذلك من قول أحد الرواة أن طائرات صهيونية رمت مناشير على القرية تطالب الأهالي بالبقاء في القرية و طرد المصريين منها، و يمنك الاستشفاف من ذلك على الأسلوب النفسي والإعلامي الذي رافق نشوء الكيان الصهيوني، وإذا كان الإعلام الصهيوني أو جهاز دعايتها الذكي والضخم نجح في اختراقات عربية مهمة فيما بعد مثلما نرى الآن في الفضائيات العربية فإنه في تلك الفترة لم يحقق نجاحا يذكر، و يستهجن الرواة كيف يمكن أن يطردوا إخوانهم المصريين العرب..وكانوا يعرفون مبكرا أن هدف المناشير (دق إسفين بين أهالي زكريا و القرى المجاورة، وقيادة الجيش المصري التي كانت تشرف على المتطوعين و توجيههم).

وكان فلاحو زكريا البسطاء ، على ما يبدو أذكى من إعلامي الفضائيات العربية الذين يستضيفون على الهواء وخلف الهواء ضباط استخبارات صهاينة بدعوى انهم خبراء.

الرحيل

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات