الخميس 28/مارس/2024

توازنات جديدة في المنطقة

توازنات جديدة في المنطقة

 

تزاحم التطوّرات في المنطقة لا يغري بوقفات التأمل. لكنّ قارئي الاستراتيجيات وراسميها يدركون جدية التحولات التي لا تخطئها العين في سياق ما جرى ويجري في المرحلة الراهنة. ففي منطقة شهدت في الشهور والأسابيع الأخيرة ثلاث حروب متزامنة ومتوازية، وربما مترابطة بهذا القدر أو ذاك؛ تأتي النتائج الميدانية لتعيد توصيف قواعد اللعبة ضمن مربعات الصراع المزمن.

فكما يتجلى في فلسطين ولبنان، وحتى في العراق؛ أسفرت التطوّرات عن حقائق تفرض ذاتها بقوة. فنموذج الاحتلال المستند إلى جيش جرار، تُسبَغ عليه النعوتُ المهيبة، بدا هو الخاسر الأكبر، والأوحد.

في حالة الاحتلال الصهيوني؛ يتعلّق الأمر بما يصفونه بالجيشِ الذي لا يُقهَر، لكنّ أحداً لم يَعُد يجرؤ على ترويج وصف حالم كهذا. فبعيداً عن الانتصارات الأسطورية التي طالما تغنّى بها، والتي صنعتها مواجهات عبر عقود طويلة، مشكوك في جديتها؛ يحصد جيش الاحتلال هزائمه تباعاً، من بلدات الجنوب اللبناني إلى شرقي قطاع غزة. مواجهات لم ينجح فيها الصهاينة سوى بارتكاب المزيد من الفظائع في صفوف المدنيين.

فقد انقضت على ما يبدو تلك العهود التي بوسع جنرالات الاحتلال أن يفخروا فيها بانتصارات خاطفة على جيوشٍ متكلِّسة، وما بدا إنجازاً مُذهلاً في ستة أيام وحسب قبل أربعة عقود؛ تبخر في آفاق المعارك مع المقاومة في فلسطين ولبنان.

لم يعد ما يُوصَف بأنه أعتى جيش في الشرق الأوسط، قادراً على فرض الحقائق التي يريد، ولا على تحقيق أهداف محددة أعلنها على الملأ. وفي أية مواجهة فعلية لا بد وأن يتساقط ضباط الاحتلال وجنوده، أو يتفحّمون في دباباتهم المحصنة، في ما تتدهور إرادة القتال في صفوفهم إلى الحضيض.

إنها “مفاجآت” تتحقق منها الدوائر الاستراتيجية المعنية بتوازنات المنطقة، فالردع التقليدي الذي تحصن خلفه الكيان الصهيوني بات موضع تساؤل فعلي، وهو ما يجعل توازنات القوى في المنطقة على مفترقِ طرق.

التقهقر العسكري الصهيوني يعني الكثير على الأصعدة الداخلية، بالنسبة لكيان عماده الجيش، وتمتزج فيه قيادتاه الحربية والسياسية إلى حد التماهي.

ولعلّ الأهم من هذا كله، أنّ ما جرى من إخفاقات مريعة بمقاييس هزيمة حربية غير معلنة؛ ليست كبوةً عابرة، بل أمر واقع وحقيقة طويلة الأمد، يرهنت عن ذاتها منذ قرار الانسحاب المذلّ من جنوب لبنان بلا مقابل عام 2000، والتراجع الميداني عن قطاع غزة تحت وطأة الفاتورة الباهظة للمقاومة الفلسطينية قبل عام مضى.

وعندما يجري هذا بمفعول قوى المقاومة التي تبقى محدودة الإمكانات والقدرات؛ فإنّ أمارات الهزيمة تبقى هي عنوان المراحل المنتظرة بالنسبة لكيان غاصب يعيش خريفه العاصف. والهزيمة الماثلة هنا لا تتعلق بمؤشرات الميدان وحده؛ بل وتتجسد في صراع الإرادات الضاري، والذي لم يربح فيه المحتلون أية نقاط تذكر، في ما حصدت المقاومة مكاسبها المؤكدة، وما زالت.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات