الجمعة 19/أبريل/2024

جهاد الإسلاميين في فلسطين

جهاد الإسلاميين في فلسطين

بقلم: د. خالد الخالدي

رئيس قسم التاريخ والآثار- الجامعة الإسلامية-غزة

 
 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله محمد، إمام المجاهدين، وعلى آله وصحبه ومن والاه إلى يوم الدين … وبعد،،،

فإن موضوع “جهاد الإسلاميين في فلسطين” من الموضوعات المهمة التي تستحق البحث والدراسة والتأمل، وهو بحاجة إلى دراسة أكاديمية علمية شاملة، تغطيه من جميع جوانبه، وفي هذه الدراسة سوف أعرض هذا الموضوع من خلال النقاط الموجزة الآتية:

·  الذي فتح فلسطين والقدس وحررهما من أيدي الرومان هم العرب المسلمون، فقد فتح عمرو بن العاص – رضي الله عنه- معظم مدن فلسطين سنة 15هـ (1)، وفتح عمر بن الخطاب رضي الله عنه القدس واستلم مفاتيحها في ربيع الآخر سنة 16هـ/ مايو 637م (2).

وقد سجل التاريخ أقوالاً لعمر بن الخطاب، أثناء وجوده في بيت المقدس، تبَيَّن أن هذه البلاد فتحت بالإسلام، وأنها لا تضيع إلا بالتخلي عنه، حيث قال: “إنكم كنتم أذلَّ الناس وأحقر الناس وأقلَّ الناس، فأعزكم الله بالإسلام، فمهما تطلبوا العزة بغيره يذلكم الله” (3) ، وخطب في الناس قبل أن يغادر بيت المقدس، وأوصاهم قائلاً:” يا أهل الإسلام، إنّ الله تعالى قد صدقكم الوعد، ونصركم على الأعداء، وأورثكم البلاد، ومكن لكم في الأرض، فلا يكون جزاؤه منكم إلا الشكر، وإياكم والعمل بالمعاصي، فإنَّ العمل بالمعاصي كفرُُ بالنعم، وقلما كفر قومُُ بما أنعم الله عليهم، ثمَّ لم يفرغوا إلى التوبة إلا سُلبوا عِزَّهم، وسَلّط الله عليهم عدوهم (4).

· ضاعت فلسطين من المسلمين مدة إحدى وتسعين سنة هجرية عندما انحرفوا عن دينهم، وانتشر بينهم اللهو، وسادت الأفكار الضالة والفرق المنحرفة، حيث احتلها الصليبيون سنة (492هـ = 1099م) (5). والذي حرَّر فلسطين هم القادة الملتزمون بإسلامهم، عماد الدين زنكي (6) ونور الدين محمود(7)، وصلاح الدين الأيوبي (8)، وهم حسب مصطلحنا المعاصر “إسلاميون”.

يقول ابن الأثير:” طالعتُ تواريخ الملوك المتقدمين، إلى يومنا هذا، فلم أر بعد  الخلفاء الراشدين وعمر بن عبد العزيز أحسن سيرةً من الملك العادل نور الدين(9)، فقد كان حريصاً على أداء السنن وقيام الليل بالأسحار، ينام بعد صلاة العشاء ثم يستيقظ في منتصف الليل، فيصلي ويتبتل إلى الله بالدعاء حتى يؤذن الفجر، كما كان كثير الصيام(10).

·  وكان صلاح الدين الأيوبي كما يقول أحد المؤرخين المعاصرين له:” حسنَ العقيدة، كثير الذكر، شديد المواظبة على صلاة الجماعة، ويواظب على السنة والنوافل ويقوم الليل، وكان يحب سماع القرآن، وينتقي إمامه، وكان رقيق القلب خاشع الدمعةِ، إذا سمع القرآن دمعت عيناه، شديد الرغبة في سماعِ الحديث، كثير التعظيم لشعائر الله (11).

·  وقال يوماً وهو قرب عكا:” في نفسي أنه متى يسر الله تعالى فتح بقية السواحل قسمت البلاد، وأوصيتُ وودعتُ، وركبتُ هذا البحر إلى جزائرهم، أتبعهم فيها حتى لا أُبقي على وجه الأرض من يكفر بالله أو أموت”(12).

·  سقطت بلاد الشام وفلسطين في يد التتار سنة (658هـ= 1260م)، عندما ضعف المسلمون وتخلوا عن مبادئ دينهم، وأصيب المسلمون بهزيمة نفسية لم يسبق لها مثيل، وفروا من أمام التتار، وسلموا لهم البلاد دون مقاومة تذكر(13)، وبلغ الضعف والانهزام بحكام المسلمين حداً جعل أحدهم يرسل صورته مرسومة على حذاء ، هدية إلى هولاكو ، ليتشرف ذلك الحاكم بوضع قدمه على صورته عندما يلبس الحذاء(14) . وسقطت بغداد في أيدي المغول سنة (656هـ =               10-2-1258م)، وذكر ابن كثير أن عدد من قتلهم المغول من المسلمين بلغ 800 ألف وقيل مليونان وقتل الخليفة المستعصم بالله ، وقيل أنه وضع في كيس وقتل رفساً . وسلم الحكام معظم بلاد الشام إلى المغول وقرروا التوجه إلى مصر فبعث هولاكو رسالة إلى قطز حاكم مصر يقول له فيها:” اتعظوا بغيركم، وأسلموا إلينا أمركم، فنحن لا نرحم من بكى، ولا نرق لمن شكا، أيُّ أرضٍ تؤويكم؟ وأيُّ طريقٍ تنجيكم؟ وأيُّ بلادٍ تحميكم، فما لكم من سيوفنا خلاص، ولا من مهابتنا مناص، الحصون عندنا لا تمنع، والعساكر لقتالنا لا تنفع، ودعاؤكم علينا لا يُسمَعْ(14).

·  والذي وقف في وجه التتار، وتمكَّن من إلحاق الهزيمة بهم، وأخرجهم من فلسطين والشام هو قطز، الذي كان حاكماً مسلماً مستقيماً صالحاً، حيث يقول فيه ابن كثير: ” كان قطز شجاعاً بطلاً كثيرَ الخير، ناصحاً للإسلام وأهله، وكان الناسُ يحبونه ويدعون له” (15).

·  والشعار الذي رفعه قطز في معركة عين جالوت وردده جنوده هو “وا إسلاماه”. وكان الانتصار في عين جالوت (25 رمضان 658هـ = 6 سبتمبر 1260م)، أي بعد خمسة أشهر فقط من سقوط فلسطين في أيديهم(16).

·  الذي حافظ على أرض فلسطين ومنع بيعها لليهود عندما ضعفت الدولة العثمانية هو السلطان عبد الحميد، الذي عُرِف بخلفيته الإسلامية، حيث قال لهرتزل عندما عرض عليه الأموال الطائلة، وأن يحل كل مشكلات الدولة العثمانية المالية مقابل سماحه بدولة لليهود في فلسطين قال: ” لا أقدرُ أن أبيع ولو قدماً واحداً من البلاد، لأنها ليست لي، بل لشعبي، ولقد حصل شعبي على هذه الإمبراطورية بإراقة دمائهم، وقد غذوها فيما بعد بدمائهم وسوف نغطيها بدمائنا قبل أن نسمح لأحدٍ باغتصابها منا” (17).

·  والذي مكّن لليهود في فلسطين هم العلمانيون في حزب الاتحاد والترقي، حيث يقول السلطان عبد الحميد: ” إن سبب خلع الاتحاد والترقي له من السلطة هو إصرارهم عليه أن يصادق على تأسيس وطن قومي لليهود في الأرض المقدسة فلسطين”(18).

·  احتل البريطانيون القدس في 9ديسمبر 1917م، وأعلنوا عن طبيعة هذا الاحتلال عندما قال القائد البريطاني النبي في خطابه:” اليوم انتهت الحروب الصليبية”(19)، وهذا ما فعله القائد الفرنسي غورو عندما احتلَّ سوريا، حيث وقف على قبر صلاح الدين الأيوبي وقال بلهجة المنتشي المنتصر: ” ها قد عدنا يا صلاح الدين”(20).

·  والذي وقف في وجه بريطانيا، وقاد المقاومة ضدها هم الإسلاميون.  فقد كان للحاج أمين الحسيني –مفتي فلسطين ورئيس المجلس الإسلامي الأعلى- دور كبير في تأجيج انتفاضة موسم النبي موسى في القدس (4-10 إبريل -1920م)، التي حدثت عندما لوث يهودي أحد الأعلام الإسلامية لموكب الخليل(21).

·  حدثت انتفاضة البراق (15-30 أغسطس- 1929م)، وكانت انتفاضة إسلامية شملت معظم مناطق فلسطين دفاعاً عن الحق الإسلامي في حائط البراق، وكان للحاج أمين الحسيني دوره البارز في تنظيم هذه الثورة(22).

·  أنشأ الإسلاميون العديد من الهيئات الشعبية التي كان لها دور مهم في الحفاظ على مبادئ الإسلام والتوعية العامة والمطالبة بحقوق أبناء فلسطين، ومن أبرزها جمعية الشبان المسلمين، والمجلس الإسلامي الشرعي الأعلى سنة 1922م(23).

·  أنشأ الشيخ عز الدين القسام سنة 1928م أول تنظيم سري عسكري في فلسطين يعمل ضد الاحتلال البريطاني واليهود، وقد أطلق على هذا التنظيم اسم “المنظمة الجهادية”، وغلب عليه بعد استشهاد القسام اسم “جماعة القسام” أو “القساميون”، ولم يُقبل في هذا التنظيم إلا الملتزمون دينياً المستعدون للموت في سبيل الله.  وكان شعار التنظيم “هذا جهاد نصرٌ أو استشهاد”، وقد بلغ عدد أفراد التنظيم سنة 1935م حوالي مائتي منتظم، أكثرهم يشرف على حلقات توجيهية من الأنصار الذين يصل عددهم إلى ثمانمائة، وعندما أعلنت “المنظمة الجهادية” عن نفسها سنة 1935م كانت تملك ألف قطعة سلاح.

وقد دعت المنظمة للثورة على الإنجليز، واختفى القسام وعدد من إخوانه، وحوصر في 20 نوفمبر 1935م بقوات كبيرة من الشرطة، وقاوم لساعات عدة، ثم قضى نحبه شهيداً مع عدد من إخوانه.

·  وقد أحدث استشهاد القسام هزة كبرى في فلسطين حيث زاد كره الناس للإنجليز، وانخرط الكثير من الفلسطينيين في صفوف المقاومة العسكرية ضده، وواصل أتباع القسام جهادهم، تحت إمرة قائدهم الذي خلف القسام، وهو الشيخ فرحان السعدي.

·  وكان لجماعة القسام شرف تفجير الثورة في 15- إبريل 1936م، وقد استمرت هذه الثورة حتى سنة 1938م، وقد هزت الوجود البريطاني في فلسطين وسيطرت على الريف الفلسطيني وعدد من المدن خصوصاً في صيف 1938م، ونفذت آلاف العمليات العسكرية، ولم تستطع بريطانيا إخمادها إلا بعد أن استعانت بسدس جيشها الإمبراطوري، وأفضل قادتها العسكريين، واستخدمت الدبابات والطائرات وكافة الأسلحة(24).

·  أنشأ عبد القادر الحسيني سنة 1934م في القدس منظمة المقاومة والجهاد، ووصل أعضاؤها إلى أربعمائة عضو، وقد التقى به الحاج أمين الحسيني سنة 1935م، ودعاه إلى الاتحاد

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات