الاضطراب السياسي في إسرائيل
على مدى أكثر من عشرين عاماً، أذهلني تهور السياسيين الإسرائيليين الكبار، بغض النظر عن انتمائهم الحزبي، وتساءلت عن مدى حقيقة كونهم يعكسون رأي من يمثلون.
بعد أن وفرت لهم الولايات المتحدة كمّاً هائلاً من العتاد الحربي، باتوا يعتقدون أن الجبروت هو الصواب وأن القوة العارمة قادرة على حل المشاكل الأمنية كافّة. وهم لا يرون أنه يتوجب عليهم التفاوض بجدية مع جيرانهم، بل يؤمنون أنهم يستطيعون تثبيت الحدود المستقبلية لدولة “إسرائيل” من دون أن يأبهوا لرأي جيرانهم. وهم يعتقدون أن جداراً سخيفاً وشنيعاً يفصل عرب الضفة الغربية عن “إسرائيل” وتفوق كلفته 700 مليون دولار سيحميهم من غضب الفلسطينيين الذين لا يزالون يتعرضون للاضطهاد من قِبَلهم بكم كبير من الوحشية.
وطيلة شهر ونيّف، ثابر «جيش الدفاع الإسرائيلي»، الذي يحتل المرتبة الرابعة عالمياً من حيث القوة، على محاربة حزب الله، وكان الرأي العام الإسرائيلي مؤيداً لحرب حاسمة وحازمة تزيل الخطر الحالي والمستقبلي الذي يشكله حزب الله. أما اليوم، فيشتكي عدد كبير من الإسرائيليين معتبرين أن هذه الحرب كانت أسوأ حملة عسكرية شنّتها دولتهم على الإطلاق منذ أن تأسّست في 1948.
ومع أن “إسرائيل” سبق وحاربت حزب الله قبل انسحابها من لبنان منذ ست سنوات، فهي على ما يبدو لم تفهم أو تتوصّل إلى طريقة ناجعة لمواجهته. وقد عرض رئيس الوزراء إيهود أولمرت وزملاؤه في مجلس الوزراء على الرأي العام توقعات بعيدة كل البعد عن الواقع، وها هم اليوم يدفعون الثمن. فالمسؤولون عن الدفاع الجوي فشلوا إلى حد بعيد في استخدام القوات الجوية لمحاربة عدو لا يتمتع ببنية عسكرية على غرار تلك الموجودة لدى أي دولة، من مطارات حربية ومستودعات تخزين وثكنات. وقد أعلن أولمرت في إحدى المراحل أن الدبابات الإسرائيلية ستتقدم إلى نهر الليطاني. والواقع أن الاشتباكات مع المقاتلين الانتحاريين في حزب الله على بعد أميال قليلة من الحدود بقيت مستمرة حتى موعد وقف إطلاق النار في 14 آب (أغسطس). وكان أولمرت قد جمع كماً مذهلاً من الأصوات المؤيدة في استطلاعات الرأي التي أجريت لدى اندلاع الحرب، لكن شعبيته تراجعت راهناً وهبطت نسبة التأييد إلى 43 في المئة فقط. ويرى 57 في المئة ممن شملهم الاستطلاع أنه يتوجب على وزير الدفاع عمير بيريتز أن يستقيل. وتحت وطأة هذه الضغوط، عمد بيريتز إلى تعيين لجنة تحقيق برئاسة قائد سابق للجيش. وبحسب ما ورد في صحيفة «ذي تايمز» الصادرة في 17 آب (أغسطس)، وسيتناول التحقيق النقطة التالية:
«الجهوزية العسكرية للدولة قبل وخلال حرب الـ 34 يوماً، وسط مزاعم حول وجود ثغرات في الاستعداد ونقص في المعلومات الاستخباراتية حول قدرات حزب الله، فضلاً عن التردّد الشديد في شنّ حملة برية واسعة النطاق». وقد أفادت صحيفة «يديعوت أحرونوت» أن 70 في المئة ممن شملهم الاستطلاع يرون أنه كان يتوجب على “إسرائيل” ألا تقبل بوقف إطلاق النار. أما «معاريف»، فنقلت أن 53 في المئة اعترضوا على وقف إطلاق النار بصيغته الحالية. وقد انعكس الغضب والإحباط في “إسرائيل”، حيث اضطر حوالي نصف مليون مواطن إلى ترك منازلهم والهرب، من خلال مطالبة زهاء ثلثي المستطلعين باغتيال زعيم حزب الله، السيد حسن نصر الله، حتى ولو أدى ذلك إلى إشعال فتيل الحرب مجدّداً. كما عبّر 63 في المئة عن رغبتهم في تدمير المنشآت النووية الإيرانية، وهو أمر مثير للهلع إن أخذنا بالحسبان الانتقام الإيراني الممكن والتجاهل التام للقانون الدولي. وما من شك أبداً في أن الإسرائيليين يدركون تماماً أن بلادهم لم تبلِ حسناً في الحرب.
وكان أرييل شارون قد أطلق بجرأة حزب «كاديما» في نهاية العام 2005، أثناء تبوئه منصب رئيس مجلس الوزراء، وقد فاز حزبه بـ28 مقعداً من أصل 120 في الكنيست في الانتخابات العامة الأخيرة. ولكن يبدو أن الحزب مُهدّد بالتفكّك بالسرعة نفسها التي شهدت قيامه، ومن المتوقع أن يعود الذين انضووا تحت لواء الحزب أدراجهم إلى المكان الذي أتوا منه، ويتردّد اسم شاوول موفاز، وزير الدفاع السابق، في سياق هذه العملية.
يدعي حزب كاديما عزمه على إرساء الأسس التي وضعها أرييل شارون، وخصوصاً في ما يتعلق بمخططه القائم على نقل 70.000 مستوطن يهودي من الأراضي العربية المحتلة (والحفاظ على 170.000 مستوطن في أماكن تواجدهم؟!)، ويوحي الجو العام في “إسرائيل” بأن عملية نقل المستوطنين مستبعدة في المستقبل القريب، ما يدعو إلى التساؤل وطرح سؤال منطقي حول ما سيفعله السيد أولمرت بصفته رئيساً لمجلس الوزراء؟
وقد سمح رئيس حزب ليكود المعارض، بنيامين نتانياهو، لنفسه بانتقاد الحكومة عقب إصدار قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 1701 وتنفيذ وقف إطلاق النار، وصرّح قائلاً: «لا بد من القول صراحة إن أخطاء كثيرة حصلت: أخطاء في رصد الخطر وأخطاء في طريقة الاستعداد لمواجهة الخطر، وأخطاء في إدارة الحرب وأخطاء في إدارة الجبهة الداخلية».
إنّ وقف إطلاق النار الحالي في غاية الهشاشة وقد أعلن حزب الله بكل جرأة أنه لن ينزع سلاحه. فمقاتلو حزب الله أخفوا أسلحتهم؛ وبحسب المقولة الإيرلندية القديمة، عادت الحية لتختبئ تحت التبن، وعاد المقاتلون وتسللوا إلى قراهم. وعلى خلفية مماثلة، نرى أن إيهود أولمرت يتوق إلى إيجاد عذر لتبرير مواجهة كبيرة أخرى مع حزب الله.
سياسي بريطاني.
الرابط المختصر:
أخبار ذات صلة
مختارات
الأورومتوسطي: الصيف القائظ يفاقم معاناة النازحين بغزة في ظل استمرار العدوان
غزة – المركز الفلسطيني للإعلام قال المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان إن معاناة النازحين الفلسطينيين بفعل الهجوم العسكري الإسرائيلي المستمر...
تقرير أممي: دفن أكثر من 20 فلسطينا أحياء في مجمع ناصر الطبي
نيويورك – المركز الفلسطيني للإعلام أعلن مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية الأممي (تابع للأمم المتحدة)، الجمعة، أنه تم التعرف على 165 جثة فقط من أصل 392...
المقابر الجماعية بغزة.. هكذا تفنن الاحتلال بتعذيب ضحاياه قبل قتلهم
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام لم تنته قصة المئات من المواطنين المحاصرين في داخل ومحيط مجمع ناصر الطبي بمدينة خانيونس جنوب قطاع غزة، منذ أربعة أشهر،...
شهيدان باستهداف مُسيّرة إسرائيلية لمركبة بلبنان
بيروت – المركز الفلسطيني للإعلام استشهد شخصان، اليوم الجمعة، في استهداف من طائرة مسيّرة إسرائيلية لمركبة بمنطقة البقاع الغربي في لبنان. ويأتي...
إصابة بن غفير بحادث سير
القدس المحتلة – المركز الفلسطيني للإعلام أصيب وزير الأمن القومي الإسرائيلي المتطرف إيتمار بن غفير، اليوم الجمعة، إثر تعرضه لحادث سير....
“الملثم” و”السنوار” يمزقان ما تبقى من أكاذيب نتنياهو ويشعلان الحرائق بجبهته الداخلية
غزة – المركز الفلسطيني للإعلام أثار ظهور قائد حركة المقاومة الإسلامية حماس في غزة بجبهات القتال متفقدًا مجاهدي المقاومة في العقد القتالية تفاعلاتٍ...
ساندرز: الاحتجاجات ضد مجازر حكومة نتنياهو بغزة ليست معادة للسامية
نيويورك – المركز الفلسطيني للإعلام وجه السيناتور الأمريكي بيرني ساندرز نقدًا لاذعًا لادعاء رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو بأنّ المظاهرات...