الجمعة 19/أبريل/2024

الخطر على الأقصى ليس من المتطرفين

الخطر على الأقصى ليس من المتطرفين

لم يكن ما جرى يوم الأحد 10/4 في رحاب المسجد الأقصى، وبعده ما جرى يوم 9/5 و 6/6 سوى الإعلان الأهوج عن مخطط استهداف الحرم المقدس، وربما المدينة المقدسة برمتها، الأمر الذي ينطبق على نوايا تفجيره أو تدميره بأساليب مختلفة من قبل أفراد أو مجموعات متطرفة، وهي النوايا التي غالباً ما تعلن السلطات الصهيونية إلقاء القبض على أصحابها قبل الشروع في التنفيذ. لكن واقع الحال مازال يقول إن استهداف هذه البقعة المقدسة من بقاع المسلمين لم يكن في يوم من الأيام حكراً على المتطرفين اليهود.

 

وحتى لا يعتقد البعض أننا نقلل من شأن التهديد الذي يشكله المتطرفون، فإننا ننبه إلى أن قطاع التطرف، أو التشدد الديني، بشقيه الشرقي والغربي (السفارديم والإشكناز) في الكيان الصهيوني ليس بتلك الهامشية التي قد تتبادر إلى أذهان البعض حين يذكر المصطلح، بل هو تيار راسخ في الحياة السياسية والاجتماعية في الدولة العبرية، تمثله عدة أحزاب تملك حضوراً برلمانياً كبيراً لا تجد القوى السياسية مناصاً من خطب وده ومنحه الكثير من المطالب من أجل إنجاز تحالفاتها السياسية منها وغير السياسية، ولا تسأل بعد ذلك عن حضور هذا القطاع من حيث التأثير العام في الواقع الاجتماعي من خلال الحاخامات والفتاوى والممارسات الدينية التقليدية.

 

على أن القراءة السياسية الأكثر دقة لما يجري مازالت تؤكد أن المسجد الأقصى لا يقع فقط في دائرة الخطر الذي يشكله المتطرفون الصهاينة، بل، وهذا هو الأهم، في دائرة أوسع من الخطر يتشكل من مجمل الحالة السياسية في الدولة العبرية بكافة أطيافها، ونحن هنا لا نتحدث فقط عن مسألة الهدم التي تتبادر إلى الذهن بمجرد الحديث في هذا الموضوع، وإنما ما يسبق ذلك، بصرف النظر عما إذا كان محطة باتجاه الهدم، أم محطة نهائية، أقله في المدى القريب أو المتوسط.

 

مصدر الخطر الحقيقي الذي يستوقف المرء في هكذا قضية هي أن الصهاينة يريدون أن يفعلوا ما يشاؤون بالمسجد في أجواء السلام، وليس في أجواء الحرب، بل يريدون أن يحققوا ما يشاؤون من خلال توافق مع الطرف الفلسطيني، وربما موافقة الأطراف العربية الرئيسية، وذلك إدراكاً من القادة الصهاينة لحقيقة الأهمية القصوى التي يتمتع بها المسجد في وعي الغالبية الساحقة من المسلمين في العالم، أي أنهم لا يريدون أن يصطدموا بالمسلمين مباشرة من خلال إجراء قسري يتخذونه، وهو إجراء يملكونه بكل بساطة تبعاً لتفوقهم العسكري، فضلاً عن سيطرتهم شبه المطلقة على المدينة المقدسة وما حولها. والنتيجة أنهم يريدون اقتسام المسجد مع المسلمين في هذه المرحلة بموافقة خطية وواضحة من قبل السلطة الفلسطينية، ومن قبل القيادة العربية الداعمة لها.

 

ما يجب أن يقال هنا أيضاً هو أن المرحلة الراهنة تبدو مناسبة لطرح مطالب اليهود بشأن المسجد الأقصى، تماماً كما كان الحال خلال مفاوضات الوضع النهائي التي عقدت في قمة كامب ديفيد عام 2000، كتتويج لمسار أوسلو.

 

نتذكر هنا أن المسجد قد ظل تحت الوصاية الأردنية منذ الاحتلال الثاني عام 67، ولم تطرح مسألة اقتسامه مع اليهود، على رغم ما سرقوه منه، أعني حائط البراق، أو حائط المبكى كما يسميه اليهود، لكن المخاطر الأوضح هي التي تبدت خلال مسيرة أوسلو، ليس فقط بحفر النفق الذي هدد أساسات المسجد لولا جهود الشيخ البطل رائد صلاح التي دفع ثمنها سجناً ومعاناة، وهو النفق الذي تسبب بانتفاضة عارمة في العام 2000، عرفت بذات الاسم، وإنما أيضاً بطرح مبدأ تقسيمه في مفاوضات الوضع النهائي في كامب ديفيد، صيف ذات العام، ونتذكر أن الطرف الإسرائيلي في تلك المفاوضات هو حزب العمل، أي اليسار والحمائم، ومع ذلك لم يتردد في المطالبة بالسيادة على الشق السفلي من المسجد من أجل مواصلة الحفر بحثاً عن الهيكل الذي يقولون أنه موجود في منطقة المسجد، كما طالبوا بجزء من الشق العلوي، أي اقتسامه مع اليهود من أجل إقامة كنيس عليه. وعندما سئل مهندس أوسلو الإسرائيلي يوسي بيلين، أهم حمامة سياسية في الدولة العبرية وفق التصنيف السائد، والذي انشق عن حزب العمل بسبب ميله إلى اليمين، وأسس حركة ياحد، عندما سئل عن هذه القضية لم يجد حرجاً، وهو العلماني الملحد، في القول إنه أهم مكان مقدس في التراث اليهودي، تماماً كما هو حال الكعبة بالنسبة للمسلمين.

 

نتذكر أيضاً أن زيارة شارون للحرم التي فجرت انتفاضة الأقصى نهاية سبتمبر من العام 2000، قد جاءت من أجل تثبيت حق اليهود في “جبل الهيكل”، وبعد يومين من محاولة المتطرفين اقتحام الحرم في 10/4 كان الرئيس الإسرائيلي موشيه كتساف يطالب باقتسام المسجد الأقصى مع اليهود، الأمر الذي يؤكد أننا إزاء مسألة تحظى بإجماع في الأوساط الإسرائيلية، ولا تقتصر بحال من الأحوال على الأوساط المتطرفة. وفي هذا السياق يتذكر الإسرائيليون دائماً مقولة بن غوريون الشهيرة، “لا معنى لإسرائيل من دون القدس ولا معنى للقدس من دون الهيكل”.

 

من هنا يمكن القول إن مسألة استهداف المسجد الأقصى ليست عابرة في الفكر الصهيوني، بل هي مسألة حيوية وتحظى بالإجماع، لكنهم يريدونها من خلال التسوية والتفاهم، وإذ ثبتت استحالة ذلك بهذه الطريقة فإن الطرق الأخرى لن تكون مستبعدة، لكن الرجال الذي هبوا لنجدة مسجدهم وعنوان عزتهم في المرات السابقة، سيفعلون ذلك في كل مرة حتى لو خذلتهم جميع الأنظمة.

 

خلاصة القول هي إن المخاطر الحقيقية على المسجد الأقصى ليست تلك التي تطرحها تهديدات المتطرفين اليهود، على أهميتها، بل تلك التي تطرحها مشاريع التسوية، ومن ضمنها المشروع القائم حالياًً، والذي انطلق بعد التهدئة، ويحاول الإسرائيليون من خلاله استغلال السطوة الأمريكية على الوضع الدولي والعربي وصولاً إلى تحقيق ما عجزوا عن تحقيقه من خلال مسار أوسلو.

 

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات