الجمعة 29/مارس/2024

الفـرق الدينية اليهوديـة

الفـرق الدينية اليهوديـة

  Jewish Religious Sects

توجد في اليهودية فرق كثيرة تختلف الواحدة منها عن الأخرى اختلافات جوهرية وعميقة تمتد إلى العقائد والأصول، فهي في الواقع ليست كالاختلافات التي توجد بين الفرق المختلفة في الديانات التوحيدية الأخرى. ومن ثم، فإن كلمة «فرقة» لا تحمل في اليهودية الدلالة نفسها التي تحملها في سياق ديني آخر. فلا يمكن، على سبيل المثال، تصوُّر مسلم يرفض النطق بالشهادتين ويُعترَف به مسلماً، أو مسيحي يرفض الإيمان بحادثة الصلب والقيام ويُعترَف به مسيحياً. أما داخل اليهودية، فيمكن ألا يؤمن اليهودي بالإله ولا بالغيب ولا باليوم الآخر ويُعتبر مع هذا يهودياً حتى من منظور اليهودية نفسها. وهذا يرجع إلى طبيعة اليهودية بوصفها تركيباً جيولوجياً تراكمياً يضم عناصر عديدة متناقضة متعايشة دون تمازج أو انصهار. ولذا، تجد كل فرقة جديدة داخل هذا التركيب من الآراء والحجج والسوابق ما يضفي شرعية على موقفها مهما يكن تطرفه. وأولى الفرق اليهودية التي أدَّت إلى انقسام اليهودية فرقة السامريين التي ظلت أقلية معزولة بسبب قوة السلطة الدينية المركزية المتمثلة في الهيكل ثم السنهدرين.

ولكن، مع القرن الثاني قبل الميلاد، خاضت اليهودية أزمتها الحقيقية الأولى بسبب المواجهة مع الحضارة الهيلينية. فظهر الصدوقيون والفريسيون، والغيورون الذين كانوا يُعَدون جناحاً متطرفاً من الفريسيين، ثم الأسينيون. ومما يجدر ذكره أن الصدوقيين كانوا ينكرون البعث واليوم الآخر، ومع هذا كانوا يجلسون في السنهدرين، جنباً إلى جنب مع الفريسيين، ويشكلون قيادة اليهود الكهنوتية. وقد حققت هذه الفرق ذيوعاً، وأدَّت إلى انقسام اليهودية. ولكنها اختفت لسببين: أولهما انتهاء العبادة القربانية بعد هدم الهيكل، ثم ظهور المسيحية التي حلت أزمة اليهودية في مواجهتها مع الهيلينية إذ طرحت رؤية جديدة للعهد يضم اليهود وغير اليهود ويحرر اليهود من نير التحريمات العديدة ومن جفاف العبادة القربانية وشكليتها.

وجابهت اليهودية أزمتها الكبرى الثانية حين تمت المواجهة مع الفكر الديني الإسلامي. فظهرت اليهودية القرائية كنوع من رد الفعل، فرفضت الشريعة الشفوية وطرحت منهجاً للتفسير يعتمد على القياس والعقل، أي أنها انشقت عن اليهودية الحاخامية تماماً. ويمكن أن نضيف إلى الفرق اليهودية يهود الفلاشاه ويهود الهند الذين لا يشكلون فرقاً بالمعنى الدقيق، فهم لم ينشقوا عن اليهودية الحاخامية بقدر ما انعزلوا عنها عبر التاريخ وتطوَّروا بشكل مستقل ومختلف، فهم لا يعرفون التلمود أو العبرية، كما أن كتبهم المقدَّسة مكتوبة باللغات المحلية. وتجدر ملاحظة أن ثمة فرقاً صغيرة، مثل الإبيونيين والمغارية والعيسوية والثيرابيوتاي وغيرها، وهي فرق صغيرة لكل منها تصوُّرها الخاص عن اليهودية. ولكنها، نظراً لعزلتها، لم تؤثر كثيراً في مسار اليهودية وقد اختفى معظمها من الوجود. أما القرّاءون، فإنهم بعد عصرهم الذهبي في القرن العاشر، سقطوا في حرفية التفسير، الأمر الذي قلَّص نفوذهم حتى تحولوا إلى فرقة صغيرة آخذة في الاختفاء.

وقد جابهت اليهودية أزمتها الكبرى الثالثة في العصر الحديث (في الغرب) مع الانقلاب التجاري الرأسمالي الصناعي. وقد ظهرت إرهـاصات الأزمـة في شـكل ثورة شبتاي تسفي على المؤسسة الحاخامية، فهو لم يهاجم التلمود وحسب، وإنما أبطل الشريعة نفسها، وأباح كل شيء لأتباعه، الأمر الذي يدل على أن تراث القبَّالاه الحلولي، الذي يعادل بين الإله والإنسان، كان قد هيمن على الوجدان الديني اليهودي، وقد وصف الحاخامات تصوُّر القبَّاليين للإله بأنه شرك.

وبعد أن أسلم شبتاي تسفي، هو وأتباعه الذين أصبحوا يُعرفون بـ «الدونمه»، ظهر جيكوب فرانك الذي اعتنق المسيحية (هو وأتباعه) وحاول تطوير اليهودية من خلال أطر مسيحية كاثوليكية. وقد تفاقمت الأزمة واحتدمت مع الثورة الفرنسية، حيث إن الدولة القومية الحديثة في الغرب منحت اليهود حقوقهم السياسية، وطلبت إليهم الانتماء السياسي الكامل، الأمر الذي كان يعني ضرورة تحديث اليهود واليهودية وما تسبب عن ذلك من أزمة أدَّت إلى تصدعات جعلت أتباع اليهودية الحاخامية التقليدية (أي اليهود الأرثوذكس) أقلية صغيرة، إذ ظهرت اليهودية الإصلاحية ثم المحافظة ثم التجديدية، وهي فرق أعادت تفسير الشريعة أو أهملتها تماماً، واعترفت بالتلمود أو وجدت أنه مجرد كتاب مهم دون أن يكون مُلزماً. كما أنها عَدَّلت معظم الشعائر، مثل شعائر السبت والطعام، وأسـقطت بعضـها، وعَدَّلت أيضاً كتب الصلوات وشـكل الصلاة، أي أن فهمها لليهودية وممارستها لها يختلف بشكل جوهري عن اليهودية الحاخامية الأرثوذكسية. ومن الواضح أن هذه الفرق الجديدة هي الآخذة في الانتشار، في حين أن الأرثوذكس يعانون من الانحسار التدريجي.

ومنذ أيام الفيلسوف إسبينوزا، ظهر نوع جديد من اليهود لا يمكن أن نقول إنه فرقة ولكن لابد من تصنيفه حيث يشكل الأغلبية العظمى من يهود العالم (نحو 50%). وهذا النوع من اليهود هو الذي يترك عقيدته اليهودية، ولكنه لا يتبنى عقيدة جديدة، وهو لا يؤمن عادةً بإله على الإطلاق، وإن آمن بعقيدة ما فهو يؤمن بشكل من أشكال الدين الطبيعي أو دين العقل أو دين القلب، ولا يمارس أية طقوس. وهؤلاء يُطلَق عليهم الآن اسم «اليهود الإثنيون»، أي أنهم لا ينتمون إلى أية فرقة دينية تقليدية أو حديثة، ولكنهم مع هذا يسمون أنفسهم يهوداً لأنهم ولدوا لأم يهودية! وتنعكس الخلافات بين الفرق اليهودية المختلفة على الدولة الصهيونية الأمر الذي يزيد صعوبة تعريف الهوية اليهودية.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات

36 شهيداً في عدوان إسرائيلي على ريف حلب

36 شهيداً في عدوان إسرائيلي على ريف حلب

حلب - المركز الفلسطيني للإعلام أفادت وسائل إعلام سورية بارتقاء 36 شهيداً في غارات إسرائيلية استهدفت أهداف في ريف مدينة حلب منتصف الليلة الماضية....