السبت 20/أبريل/2024

ماذا يريدون من حماس ؟!

ماذا يريدون من حماس ؟!

مع الحراك الفلسطيني الذاهب نحو تشكيل حكومة الوحدة الوطنية تطفو على هوامش هذا الحراك علامات استفهام وتعجب شتى لم يكن أولها سر تحول الموقف السابق لفتح والفصائل الدائرة في فلكها فيما يخص حكومة الوحدة، ولن يكون آخرها – على ما يبدو – مفاجأة القرار الرئاسي الأخير القاضي بتجميد المشاورات المتعلقة بتشكيل هذه الحكومة والتي ما زال يصعب التكهن فيما إذا كان سيقدر لها أن ترى النور أم لا !!

 وفي تبرير حالة التأزم الراهنة وأية حالة تأزم سابقة يصل إليها الوضع الفلسطيني تسارع المنظومة الإعلامية لفتح والرئاسة وملحقاتهما إلى اتهام حماس وتحميلها المسؤولية، ولا تعدم تلك المنظومة دائماً سبيلاً لاختلاق تبريرات وتلفيق اتهامات و محاكمة للنوايا لدى حماس بغية تصدير الأزمة إليها!!

 غير أننا لو عدنا بالذاكرة قليلاً إلى التفاهمات المختلفة التي كانت تبرم بين مختلف الأطراف الفلسطينية ابتداءً بفترات التهدئة السابقة مروراً باتفاق القاهرة وصولا إلى وثيقة الوفاق الأخيرة لرأينا بوضوح كيف أن حماس كانت تبادر دائماً إلى تنفيذ ما عليها من التزامات واستحقاقات لتلك التفاهمات، بينما نجد أن ما يخضع للماطلة والتسويف في غالب الأحيان هو ذلك الشق المتعلق بالطرف الآخر المتمثل بفتح.

فعلى الرغم من أن إصلاح المنظمة وإعادة بنائها أمر منصوص عليه في اتفاق القاهرة وفي وثيقة الوفاق الأخيرة إلا أنه لم يحصل أي تقدم على هذا الصعيد، وبات واضحاً أن هناك أطرافاً ومراكز قوى داخل المنظمة يهمها إبقاء الحال فيها على ما هو عليه ومستعدة لعمل كل ما من شأنه أن يعرقل إعادة بنائها وانضواء حماس والجهاد تحت لوائها !

 فالمنظمة فعلياً هي اسم لهيكل متداعٍ تم تهميشه طوال السنوات السابقة وتحييده لصالح مشروع السلطة، ولم يجرِ النفخ فيه أملاً في إعادته للواجهة إلا بعد فوز حماس في الانتخابات وتشكيلها الحكومة!

والآن وحتى مع إمكانية المضي نحو حكومة وحدة وطنية فإنه يراد للمنظمة أن تستأثر بالقدر الأكبر من مواقع السيطرة على مفاصل النظام الفلسطيني بحيث تظل المنظمة ببنيتها الحالية المرجعية العليا لكل الحالة الفلسطينية في الداخل والخارج !

 ومما لا شك فيه أنهم (والضمير هنا يعود على كل من يصطف في الجهة المقابلة لحماس حصاراً أو استهدافاً أو ضغطاً) لا يريدون لحماس على المدى القريب والبعيد أي تأثير يذكر في صياغة أو صناعة القرار الفلسطيني وخاصة فيما يتعلق بالأمور الجوهرية، وكلهم أو بعضهم في الوقت ذاته ليسوا معنيين بتغييب كامل أومفاجئ لحماس عن كل واجهة السلطة إلا إذا كان هذا الغياب مقترناً بضعف عسكري وضمور شعبي للحركة يكفل لهم الخلاص منها ومن تأثيرها إلى الأبد، وهو أمر يدركون أن تحصيله صعب على المدى القريب.

 ولذلك لا بأس لديهم أن تظل حماس ممثلة في واجهات معينة للسلطة، ولا بأس بغمسها في إشكالات الوضع الداخلي لتضطلع بمتابعة الشؤون الصحية والاجتماعية والفقر والبطالة وتبعات المديونية، ولا بد من جعلها تذوق المر والعلقم في مواجهة أشواك أوسلو وما ترتب عليها من تبعات كارثية رغم أنها ليست من صنع يديها، جزاء وفاقاً لتنكرها لها !!

وهم يراهنون على أن يستبد بحماس التعب والكلل وأن تجهد مادياً ومعنوياً وهي تحاول التوفيق ما بين برنامجها وبين برنامج الحد الأدنى، وما بين تحديات الحصار وبين التزاماتها تجاه شعبها وجمهورها، ويراهنون على أن يتمخض عن هذا التعب نكوص عن المقاومة واستصعاب لحمل البندقية من جديد.

 أما المهم عندهم فهو ألا تصل حماس لموقع مفصلي يؤثر في القرار الفلسطيني وهي بحلتها الحالية، فخشيتهم من الثوابت التي تتزنر بها حماس وتدافع عنها بشراسة لا تقل عن خشيتهم من أحزمة استشهادييها الناسفة !

 ولذلك، تخطئ حماس إن منحت تفويضاً للمنظمة للقيام بأي حراك سياسي والمنظمة على وضعها الحالي، لأنها بذلك تكون قد أطبقت الخناق على رقبتها ومنحت أدعياء الوصاية على القضية أصفاداًً إضافية لن تساهم إلا في تكبيل حماس وإخضاعها لمنطقهم وإجبارها على الركون جانباً والاكتفاء بإدارة محدودة للوضع الداخلي في مواجهة طوفان من الفساد والانفلات تعود جذوره بالأساس إلى المرحلة السابقة التي لا تتحمل حماس وزرها ووزر ما تمخض عنها من كوارث.

 ولهذا لا بد لمشروع إصلاح المنظمة أن ينضج سريعاً ويجب ألا تسمح حماس لعرابي أوسلو أن يمارسوا معها اللعبة التي مارسها معهم (شركاء السلام) الصهاينة في مسيرة التسوية حين منحوهم جنيناً مشوهاً لسلطة عديمة السيادة وظلوا يماطلون في التفاوض على القضايا الكبرى ويبتكرون ما من شأنه ترحيلها وتأجيلها إلى الأبد !

 صحيح أن الإصلاح الداخلي بكل جوانبه ضرورة وأولوية لا يجوز إغفالها وخاصة في ظل تصاعد حالة التردي الداخلية ووجود إيدٍ خفية تدفع بالوضع المجتمعي للوصول نحو الغرق في لجة الفوضى والعبث والضياع كنوع من الضغط الإضافي على حماس، إلا أنه لا يجوز أيضاً وفي الوقت ذاته إغفال القضية السياسية والسماح لأصحاب المشاريع الكارثية بالاستفراد في جر شعبنا وقضيتنا نحو مزالق جديدة قد لا يتأتى لنا الآن إبصار مداها !

فأي اتفاق يصار إليه وأي حراك سياسي يتم باسم المنظمة يجب ألا يكون ممثلاً لحماس ولا ملزماً لها ولا حتى حاصلاً على غض طرف منها ما دامت هذه المنظمة قاصرة عن تمثيل كل أطراف النسيج السياسي الفلسطيني.

 ولا معنى لوجود حماس في السلطة وفي النظام السياسي إن لم تكن تملك ما يمكنها من رفع السقف الفلسطيني وتخليصه من حالة الارتهان والخضوع الدائمين لإرادة ومنطق إسرائيل وأمريكا.

وليس على حماس أن تخجل من رفضها عملية التفاوض ومن المجاهرة بذلك ما دامت هذه العملية تجري أو يراد لها أن تجري دون اعتراف إسرائيلي واضح بحقوق الشعب الفلسطيني أو بالحد الأدنى من هذه الحقوق المجمع عليها من الأطياف الفلسطينية كافة !!

 فحجة حماس قوية لأنها مدعمة ببرهان التجربة، وتجربة التفاوض التي مارسها كبار وصغار المفاوضين لم تحقق أي شيء يذكر يخص السيادة وحدود الدولة وغير ذلك من أمور جوهرية، ولم تكن سوى مضيعة للوقت بعد أن نجحت إسرائيل في إيجاد سلطة بالمقاس الذي تريده وحسب !

 ولذلك على حماس الآن أن تقف بقوة في مواجهة حالة العصر لثوابتها الإنهاك لمواقفها ومحاصرتها بقضية الرواتب وشبح الإضراب والتخريب.

فقد سبق أن أبدت حماس المرونة اللازمة لإنجاز وثيقة الوفاق والتي يفترض أن تنهض أركان حكومة الوحدة على أساسها تمهيداً لإنهاء الحصار كما سبق ووعد أبو مازن حين كان يسوق للوثيقة قبل التوقيع عليها.

وإن كان أصحاب مشروع أوسلو قد اكتشفوا أن المجتمع الدولي لا يرضيه برنامج يحفظ الحقوق الفلسطينية بحدها الأدنى ولا يعنيه إلا أن يكرس لمشروع السلطة المتسولة وأن يجرد الفلسطيني من كل ثابت يفسد مذاق الطبخة الأمريكية فهذه ليست مشكلة حماس، بل مشكلة الذين خدعوا الشعب وأوهموه بأنه حظي بكيان مستقل وقرار وطني حر ودولة (على مرمى حجر ) !

وعلى الذين أوصلونا لهذا المأزق أن يقلعوا شوك اتفاقاتهم بأيديهم وأن يصارحوا الشعب بحقيقة المشروع الخاسر الذي استثمروا فيه تضحياته وبددوا عبره نضاله.

 أما حماس التي نالت شرعيتها الانتخابية وفق برنامجها المعروف لكل من صوت لها فلا أقل من أن تحتفظ بهذا البرنامج أو بالحد الأدنى منه وأن ترفض الاستجابة للمنطق القائل إنك لن تتقدم ولن يسمح لك بالتنفس إلا إذا وقعت مسبقاً ودون مقابل على كل وثائق الدنيا سواء تلك التي ماتت أو تلك التي لا تزال في غرف الإنعاش، وإلا إذا أقررت لعدوك بحقه في استلاب وطنك التاريخي، وإلا إذا نبذت سلاحك وتنكرت لحقك في مقاومة المحتل!

 ومنذ متى كان العرف الدولي أصلاً يقضي بمعاقبة وحصار من يتنكر للاتفاقات أو يخرقها؟! وهل خرق أحد اتفاقات أوسلو و ما تلاهما أكثر من إسرائيل التي قضت على اتفاقية أوسلو بعدة ضربات قاضية لا مجال لتعدادها أفقدتها معناها ومبرر وجودها؟ ولم يقف الأمر عند هذا الحد بل مضت إسرائيل نحو تفصيل خطط أحادية لا مكان فيها أو اعتبار لشريك فلسطيني أو لمشروع تفاوض أو سلام، ومع ذلك ظل العالم كله بما فيه الجانب الفلسطيني يتعامل مع إسرائيل كطرف في معادلة التسوية ويغض الطرف عن انتهاكاتها الصارخة !

 فلماذا لا يكون مقبولاً من حماس القول إنها ستتعامل مع الاتفاقات الموقعة بما يخدم المصلحة الفلسطينية؟ رغم أن هذه تخريجة قانونية مناسبة تمكن حماس من المواءمة ما بين مواقفها من الاتفاقات وما بين الالتزامات القانونية تجاهها !

 إلا أن الحقيقة الكامنة خلف الكواليس هي أن ما تريده كل الأطراف التي تحاصر حماس ضغطاً وعزلاً و خنقاً هو إخضاعها لقواعد اللعب المتاحة حالياً والعمل في الوقت ذاته على استنزافها وإنهاكها وتكبيل يديها خشية أن يكون لها دور مؤثر مضاد لرياح الأمركة الجديدة التي ستهب على المنطقة بغية اقتلاع كل (محاور الشر) وجبهات الممانعة فيها تمهيداً لإعادة هيكلة وتقسيم المنطقة كلها بما يخدم رؤية المحافظين الجدد في البيت الأبيض ويدفع باتجاه المعركة المصيرية التي يراهنون عليها.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات