عاجل

الخميس 18/أبريل/2024

هل تنهار القضية الفلسطينية؟

هل تنهار القضية الفلسطينية؟

أربعة اعتبارات مجتمعة تقود بعض المراقبين وعلماء السياسة والعلاقات الدولية إلى استنتاج متشائم للغاية وهو أن القضية الفلسطينية تتعرض للانهيار، ليس على المدى الطويل فحسب بل وفي المدى المباشر أيضاً.

أول هذه الاعتبارات هو الفلسفة الجديدة نسبياً التي تطبقها إدارة بوش، والتي تصل إلى مستوى التأييد الكامل للسياسة التي أخذ بها شارون ويتابعها إيهود أولمرت بعد فوز حزب “كاديما” الانتخابي، وهي الفلسفة التي تقوم على ما يسمى بالفصل أو الحل الأحادي، والأهم هو فرض هذه السياسة بالقوة وبغض النظر عن أي اعتبار آخر، قانونياً كان أو سياسياً.

 هذه الفلسفة تنهض على قيام “إسرائيل” بترسيم “حدودها” بإرادتها المنفردة، وترك الفلسطينيين “يخبطون رؤوسهم” في الجدار العازل، ويتخبطون بين الطرق الالتفافية التي تمزق الضفة إلى كانتونات، وتضاعف استعداد “إسرائيل” للتعامل مع العمليات الانتحارية الفلسطينية بتحمل نتائجها من ناحية والرد عليها بأسلوب الانتقام الخارق لا الانتقام الثقيل وحده. وقد يقبل الإسرائيليون والأميركيون تسمية “فتافيت” الأرض التي تبقى من الضفة، مع قطاع غزة “دولة فلسطينية”، فذلك أمر لن يهمهم في شيء طالما أنهم سيكونون قد ابتلعوا كل أجزاء الضفة التي يريدونها لأغراض الاستيطان والأمن والرموز الدالة على “يهودية” “إسرائيل”.

 إن أهمية المباركة الأميركية الكاملة تنبع من حقيقة أن الولايات المتحدة تحتكر عملية صنع القرار في النظام الدولي، والأهم أنها تستطيع مصادرة الشرعية الدولية ومنع آليات النظام الدولي من العمل فيما يتعلق بحل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وهو ما يعني حرمان الفلسطينيين والعرب من التمتع حتى بوهم الشرعية الدولية. ولا يقل عن ذلك أهمية أن الولايات المتحدة حليف أساسي لعدد من الأنظمة العربية المؤثرة على مسار القضية الفلسطينية، وهو ما يستبعد إمكانية توظيف مناحي القوة العربية بمواجهتها لإجبارها على احترام الشرعية الدولية والحقوق غير القابلة للتصرف للشعب الفلسطيني.

 أما العامل الثاني فهو استقرار الانجراف الكبير نحو اليمين في الساحة السياسية في “إسرائيل”، وهو ما كشفت عنه الانتخابات الأخيرة لـ”الكنيست” حيث لم يفز حزب “العمل” سوى بـ 19 مقعداً، وكسبت حركة “ميريتس” 4 مقاعد فقط، وهو ما يعني أن اليسار بأوسع المعاني قد حصل على أقل من ربع مقاعد “الكنيست”، وذهب الباقي إلى الأحزاب اليمينية المتشددة بما فيها الأحزاب الدينية. وتكرس انتخابات 2006 نتائج هذا الانجراف لليمين الذي ظهر في انتخابات 2001 و2003. ومن ثم ستلقى فكرة ترسيم الحدود من جانب واحد تأييد غالبية كبيرة داخل “الكنيست”، والأهم أن هناك إجماعاً عاماً بين الأحزاب والقوى اليمينية على استخدام القوة بدون قيود في مواجهة الشعب الفلسطيني. ومن ثم يمكن توقع أن تمضي الحكومة الإسرائيلية المقبلة في فرض ما يسمى بالحل الأحادي أو خطة الفصل، وبحيث تنتزع “إسرائيل” أراضي من الضفة تشمل كل ما يقع غرب الجدار، على الأقل. ويلاحظ هنا أن “إسرائيل” قد قررت توظيف كامل قوتها العسكرية ضد الشعب الفلسطيني وقواه المقاتلة، بدون أدنى اهتمام بالاعتبارات القانونية الدولية وبتأييد أميركي مطلق يحميها حتى من مجرد اللوم من جانب آليات الشرعية الدولية، وهو ما يمنحها فرصة كاملة في سحق المقاومة العسكرية والسياسية للفلسطينيين بدون تكلفة سياسية تذكر، بل ويمنحها ما هو أهم: أي فرض “حل” من جانب واحد.

 أما العامل الثالث فهو أخطرها جميعاً: أي انهيار الالتزام السياسي العربي الحقيقي بالقضية الفلسطينية خلال الأعوام الثلاثة الماضية. أما المؤشر الأساسي لهذا الانهيار فهو استعداد الدول العربية للتضحية بأي جزء من مصالحها الخاصة المؤقتة لإنتاج ظروف تسمح بانتزاع حقوق الشعب الفلسطيني، واستعادة الأراضي المحتلة في يونيو عام 1967. والواقع أنه بخروج مصر من معادلات الصراع وعدم استعداد دول الخليج لاستخدام سلاح النفط والاقتصاد لإجبار الولايات المتحدة والنظام الدولي على تطبيق الشرعية الدولية فإن عنصر الضغط الأهم في ساحة الصراع يكون قد اختفى، وهو ما يترك للولايات المتحدة و”إسرائيل” قدراً كبيراً للغاية من الحرية في فرض حلول أحادية. والواقع أنه بدلاً من قيام الدول العربية الرئيسية بالضغط على أميركا لإقناعها أو إجبارها على التعاطي بقدر من التوازن أو العدالة مع القضية الفلسطينية، تقوم الولايات المتحدة بالضغط على الدول العربية بمناسبة قضايا استراتيجية أو داخلية أخرى، مثل قضية أسلحة الدمار الشامل أو قضية الديمقراطية. وبوجه عام يمكن توقع أن ترفض غالبية الدول العربية تطبيع علاقاتها مع “إسرائيل”، وأن ترفض “إسرائيل” تطبيق القرارات الدولية ذات الصلة وخاصة القرار 242 و338، والقرارات ذات الصلة بحقوق الشعب الفلسطيني مقابل مجرد التطبيع مع الدول العربية، كما تأمل مبادرة الملك عبد الله التي اعتمدتها قمة بيروت. ومن ثم فالقضية تبدو مرشحة لتجميد طويل على المستوى الإقليمي.

 أما العامل الرابع والأخير فهو تدهور موازين القوى لغير صالح الشعب الفلسطيني بصورة كبيرة ومتزايدة، خلال العامين الأخيرين. فقد فشلت الانتفاضة في تحسين الموقف الدولي بالنسبة للفلسطينيين، بل تمكنت “إسرائيل” والولايات المتحدة من تثبيت مواقعها في النظام الدولي وتحسينه على حساب الشعب الفلسطيني، وهو ما يعود إلى قوة أميركا بذاتها، وكفاءة منظومات الضغط الصهيونية العالمية، فضلاً عن أخطاء قاتلة في الإدارة الفلسطينية للصراع خلال الفترة الحاسمة بين وقوع أحداث 11 سبتمبر عام 2001 والاحتلال الأميركي للعراق في مارس عام 2003. ومن الواضح أن قيام “حماس” بتشكيل الحكومة يجعلها أكثر تعرضاً لأعمال البطش الإجرامية الإسرائيلية، وأقل منعة في التعاطي مع ضرورات المقاومة، في نفس الوقت الذي تعاني فيه “حماس” من مشكلة العزلة الدولية، والحرمان من الاعتراف الدولي. وفي أحسن الأحوال ستنشغل “حماس” بالعمل الحكومي على حساب المقاومة النشطة، في المدى القصير على الأقل.

 ولكن هل تقودنا هذه الاعتبارات حقاً للقول بانهيار القضية الفلسطينية؟.

من الصعب قبول هذا الاستنتاج المحبط. فرغم تغير الموازين لغير صالح الشعب الفلسطيني، فإنه يملك قدرات وموارد ودوافع لانهائية للنضال ولو وحيداً. ومن ناحية ثانية، فرغم أن الموازين الرسمية للصراع تدهورت ضد مصالح الشعب الفلسطيني فالموازين الشعبية تتحرك لمصلحته وضد “إسرائيل”.

والواقع أن ثمة ثورة مكتومة ضد “إسرائيل” داخل الرأي العام العالمي، بل وتحولت القضية الفلسطينية إلى قضية الشعوب الأوروبية بأكثر مما هي قضية الشعوب العربية لسبب مهم وهو قدرة الرأي العام في أوروبا على التحرك الحر الفعال بالمقارنة بالأوضاع البوليسية التي يعيشها الرأي العام في العالم العربي.

وأخيراً فإذا كان الإسناد الذي يمثله النظام العربي الرسمي قد تدهور بشدة، فإن هناك قوى جديدة تواصل التحدي للإمبريالية الأميركية والإسرائيلية.

وبوجه عام لن تتمكن “إسرائيل” من أن تسدل الستار على القضية الفلسطينية. غير أن الحقيقة الأقوى تأثيراً هي أن الواقع الراهن ليس في مصلحة هذه القضية، وإن لم يدخل عامل جديد ينعش القضية ويفرض الاستحقاقات الفلسطينية، فسوف تفرض على العرب والعالم التعايش مع الظلم بدون القدرة على تغييره.

 

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات