الجمعة 29/مارس/2024

الواقع على حقيقته في مناطق السلطة

الواقع على حقيقته في مناطق السلطة

عندما كنت في القاهرة قرأت عن مظاهرات الفلسطينيين في رفح احتجاجاً على الغلاء، ولقد تذكرت وصف الرئيس السادات لانتفاضة الجماهير المصرية الغاضبة التي انتفضت يومي 17 و 18 كانون الثاني/ يناير بأنها مظاهرات (الحرامية)، مع أن تلك المظاهرات الصاخبة كادت تسقط نظام الحكم الفاسد الذي سلّم مقدرات مصر العظيمة (للحرامية) .

ومن جديد استذكرت الراحل السادات صاحب التعبير الشهير (حافر مهم) – الذي توعد به المعارضة المصرية بكافة تياراتها من اقصى اليسار حتى أقصى اليمين- وأنا اسمع تصريحات السيد أحمد عبد الرحمن الناطق بلسان مجلس وزراء السلطة،تعقيباً على البيان الذي أصدره عدد من المناضلين الفلسطينيين المشهود لهم في مقارعة الاحتلال – والذي يدعو لمواجهة سياسة الفساد والطغيان التي تمارسها السلطة وأجهزتها – ومنهم السيد بسام الشكعة رئيس بلدية نابلس السابق الذي بترت ساقاه إثر عملية تفجير مدبرة من الأجهزة الصهيونية التي لغمت سيارات عدد من أبرز رؤساء بلديات الضفة الغربية، والسيد عبد الجواد صالح رئيس بلدية البيرة السابق الذي أبعدته سلطات الاحتلال والذي حصل على أعلى نسبة أصوات في انتخابات المجلس التشريعي الفلسطيني عن رام الله والبيرة، والسيّد وحيد الحمدالله رئيس بلدية عنبتا السابق المشهود له بمقارعة الاحتلال .

سياسة الفساد والتضليل ليست قدر شعبنا، وإذا كانت الجيوش لا تزحف على بطون خاوية فإن الشعوب لن ترضخ إلى ما لا نهاية وهي تعاني من الجوع في حين تتخم قلة على حساب جوعها وتضحياتها، ولأن الجوع كافر فإن الفلسطينيين وهم يرون ضياع قضيتهم ويعانون سوء الأحوال فإنهم ينزلون إلى الشوارع ويكتبون البيانات مدفوعين بحس المسؤولية الوطنية وبقهرهم من جوع يعانونه وتخمة قلة تتحكم في القرار السياسي والمالي وترفض أن يبني الشعب الفلسطيني مؤسساته التشريعية والقضائية، وأن يتمتع بصحافة ناقدة، وبحرية الرأي والتعبير .

يبدو أن قيادة السلطة استمرأت سياساتها وما عادت تأبه للأصوات الفلسطينية المنذرة والمحذرة بالتي هي أحسن وآخرها البيان الذي وقعه عدد من أبرز الكفاءات الفلسطينية الوطنية والأكاديمية، إضافة لأعضاء في المجلس التشريعي الذي طالما تعرض للإهانة بالإهمال والاعتداء البدني على بعض أعضائه الذين لم يشفع لهم أنهم من كوادر فتح .

البيان حسب ما صرح به السيد عبد الجوادصالح لمحطة الجزيرة يوم28 أي في نفس اليوم الذي اتخذت فيه قيادة السلطة إجراءات الحبس للأساتذة الأكاديميين الموقعين على البيان، والإقامة الجبرية للسيدين الشكعة والحمد الله يهدف إلى تحرك سلمي ولا يدعو للتغيير والإصلاح بالعنف .

لكن السلطة المتطيّرة من سماع أي صوت ناقد، والتي تظن أنها بتخفيض أسعار بعض الحاجيات الأساسية التفافاً على مظاهرات رفح، لا تريد الاصغاء لسماع صوت شعبنا وكلمته وهو يرى أرضه تضيع والفساد يستشري دون رادع، حتى أنه يحظى بالرعاية والحماية !

سياسة اتهام ثورة الشعب الجائع الغاضب بأنها ثورة حرامية، والرد عليها بالفرم، وزج الرموز الوطنية والفكرية والثقافية في السجون تذكرنا بما اقترفه السادات عام 81 عندما أمر بسجن المئات من خيرة أبناء مصر وأبرزهم روحياً وفكرياً – من الأنبا شنودة حتى حسنين هيكل، مروراً بقيادات المعارضة جميعاً- مما دلل على إفلاس نظام السادات، نظام الفرم الذي أضاع مصر والعرب بسياساته وفساده !

ما يحدث في مناطق السلطة لا يجب أن يبقى محصوراً هناك، فلا بد أن ترتفع أصوات الفلسطينيين حيثما كانوا دفاعاً عن قدسهم، عن حقهم في ا لعودة، عن إدانة سلام يضيّع الأرض والمستقبل، ولمحاسبة سلطة استمرأت الفساد ووطدته وجعلت منه نهجاً وسلوكاً يخدم النهابين الفاسدين، ويسد الطريق على كل من يفكر في التصدي للاحتلال وسياساته الاستيطانية .

ثم نعود إلى السيد أحمد عبد الرحمن – وهو أمين عام اتحاد الكتّاب والصحافيين الفلسطينيين – الذي يقرر ان الموقعين على البيان هم فئة تقف بعيداً عن الصف الوطني، تحركها الوساوس والهواجس الذاتية، وإنها ضلت الطريق الوطني .

هذا هو رد السلطة الثقافي والفكري، بعد ردّها الأمني البوليسي على البيان السلمي الانتقادي الذي أصدرته الشخصيات الوطنية والأكاديمية الفلسطينية .

قيادة السلطة تتفهم جهات خارجية موحية أن إيران وسورية تقفان وراء هذا التحرك، وهذه التهمة لا تنطلي على شعبنا فهي استهلكت في مواجهة حماس والجهاد الإسلامي، ولم تقنع أحداً .

ماذا بقي اذاً لقيادة السلطة غير أن تستنفر عصبية فتح كما كانت تفعل في إدارة الصراعات داخل منظمة التحرير الفلسطينية ؟

ربما تنجح هذه اللعبة جزئياً، إذ أن بعض المنتفعين سيرفعون أصواتهم في وجه أخطار مزعومة تتهدد قيادة حركة فتح، هذا بالرغم أن عدداً من أبرز كوادرفتح وأكثرهم جماهيرية قد وقعوا على البيان، بل وأرادوا أن يكون مقدمة لتحرك أوسع، كما صرح السيد حسام خضرعضو المجلس التشريعي، والمناضل الذي أبعدته سلطات الاحتلال أثناء الانتفاضة المجيدة .

التحرك الجديد لن يكون نهاية التحركات التي هي مقدمة لما هو آت وطال انتظاره، ولا يمكن اسكاته بفتح أبواب السجون وسياسة (الفرم) وكيل الاتهامات، فسياسات الاحتلال والفساد كفيلة بإشعال فتيل الانفجار الكبير .

السيد احمد عبد الرحمن اتهم الموقعين على البيان بأنهم لا يرون الواقع على حقيقته، والواقع في حقيقته هو الذي حرّك الجماهير في رفح ودفعها للتظاهر العنيف لاسماع صوتها، والواقع في حقيقته هو الذي دفع القيادات والكفاءات الوطنية الشريفة والشجاعة لكتابة بيانها وقول كلمة الحق في وجه الجور والطغيان .

كاتب فلسطيني
القدس العربي،

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات

36 شهيداً في عدوان إسرائيلي على ريف حلب

36 شهيداً في عدوان إسرائيلي على ريف حلب

حلب - المركز الفلسطيني للإعلام أفادت وسائل إعلام سورية بارتقاء 36 شهيداً في غارات إسرائيلية استهدفت أهداف في ريف مدينة حلب منتصف الليلة الماضية....