السبت 20/أبريل/2024

شهريات انتفاضة الأقصى

شهريات انتفاضة الأقصى

تفاعل عربي وإسلامي واسع واعتبار المقاومة وسيلة التحرير

الشعوب تؤدي دورها وعلى الدول العربية والإسلامية توظيف أوراقها

انتفاضة الأقصى في شهرها التاسع قادرة على الاستمرار والتقدم في طريق التحرير

أكتب هذا الحديث وقد أكملت انتفاضة الأقصى شهرها الثامن. وأجدني منعطفاً إلى تسجيل “شهريات” الانتفاضة والوقوف أمام أهم الأحداث فيها، وذلك من موقع الحرص على استمرار الانتفاضة ومقاومة محاولات إجهاضها، إلى أن تحقق بإذن الله هدفها الذي هو تحرير الأراضي الفلسطينية والعربية المحتلة عام 1967، خطوة على طريق تحرير فلسطين وإنقاذ اليهود من براثن الصهيونية العنصرية بإيجاد الحل الصحيح للمسألة اليهودية التي برزت في دائرة حضارة الغرب وفقاً لقيم حضارتنا العربية الإسلامية. وحديث “الشهريات” هذا يمكّن من تتبع الخط البياني للانتفاضة، ويشير إلى أهم الموضوعات المتصلة به للعناية بها؛ وهو استمرار “لأسبوعيات المقاومة” التي التزمت بكتابتها منذ نكسة حزيران (يونيو) 1967.

ذكر الهدف الذي يتطلع شعبنا أن تحققه الانتفاضة ضروري لتحديد الخط الأحمر الذي لا يجوز قبل الوصول إليه إيقافها، ولا السماح بإجهاضها. وهو أيضاً تعبير عن اقتناع شعبنا وأمتنا بعامة أنه هدف ممكن التحقيق في هذه المرحلة الجديدة التي دخلها الصراع العربي الصهيوني مع بدء انتفاضة الأقصى.

وهذا يعني تحرير الضفة الغربية وقطاع غزة من أرض فلسطين، والجولان السورية ومزارع شبعا اللبنانية معاً. وقرن هذا الهدف المرحلي بالهدف النهائي في مطلع الحديث منطلق من أن تحقيق ذلك لن ينهي الصراع، بل يدخله مرحلة أخرى لأن صراعنا ضد الاستعمار الاستيطاني الصهيوني العنصري مستمر إلى أن ينبذ اليهود الصهيونية العنصرية وتتخلى قوى الهيمنة الطاغوتية بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية عن فكرة وجود قاعدة استعمارية استيطانية لها في قلب وطننا العربي ودائرتنا الحضارية الإسلامية، فيتحقق لنا تحرير فلسطين وطرح حلّنا الحضاري للمسألة اليهودية.

أول ما نسجله في “الشهرية” هو نجاح الانتفاضة في الصمود والاستمرار خلال شهرها الثامن أمام درجة عالية من تصعيد حكومة مجرم الحرب (آرييل) شارون بتكتلها الصهيوني، لعدوانها على شعبنا العربي الفلسطيني بدعم إدارة (جورج) بوش المادي، المتمثل بالسلاح والمال الأمريكي، والمعنوي، المتمثل بالدعم السياسي والدبلوماسي. وقد سجل هذا الصمود ذروته حين استخدم العدو طائرة “إف 16” في قصفه مواقع فلسطينية. وكان من ثمار تألب دول كثيرة على الإدارة الأمريكية وسياستها. ثم جاء استمرار الانتفاضة دليلاً على “مخزون التحرير” لدى شعبنا. أدى ذلك كله إلى اضطراب مجرم الحرب شارون وإلى إعلان “وقف العنف” من طرفه في حركة دعائية خادعة مع استمرار العدوان على الأرض. ثم جاءت عمليتا القدس الغربية في يوم واحد لتؤكد العزم على استخدام “مخزون التحرير” حتى بلاغ الانتفاضة هدفها. وفرضت هذه الأحداث جميعها على إدارة بوش أن تتحرك رغماً عنها حفاظاً على مصالحها أولاً ولمساعدة الحكومة الصهيونية في “أزمتها” التي سببتها لها الانتفاضة.

نسجل ثانياً في “الشهرية” استمرار عيش أبناء أمتنا في الدائرة العربية ودائرة الحضارة الإسلامية مع الانتفاضة واستمرار انشغال دولنا في الدائرتين بالانتفاضة وتفاعلاتها.

على صعيد أبناء الأمة استمر التعبير عن وقفتهم الواحدة شعبياً مع إخوتهم المنتفضين، في النهوض بالمسئولية الفردية في مقاومة التحالف الصهيوني الأمريكي وبالمسئولية الجماعية أيضاً. والأمثلة كثيرة في كل قُطر على المستويين، وحبذا تسجيلها لتستقر في ذاكرة الأمة، ولا مجال هنا لسياق نماذج منها. وعلى صعيد دولنا رأينا تحركات جادة سياسية ودبلوماسية فرضت على إدارة بوش أن تعدل شيئاً قليلاً من موقفها العدائي للانتفاضة ولشعبنا ولأمتنا. ولا يزال هناك الكثير مما ينبغي عمله على الصعيدين الرسمي والشعبي عربياً وإسلامياً.

نسجل ثالثاً التحرك الذي حدث على الصعيد الشعبي للتنسيق بين التحركات الشعبية العربية التي تعمل على دعم الانتفاضة. وذلك بهدف تأسيس إطار جامع لها يعبر عن الأمة كلها ويوظف العمل الشعبي في التكامل مع العمل الرسمي. وهكذا انعقد الاجتماع الثاني للجنة الشعبية العربية لدعم الانتفاضة الفلسطينية ومقاومة المشروع الصهيوني في بيروت بلبنان يوم 24 أيار (مايو) 2001.

وكان الاجتماع التأسيسي الأول للجنة قد انعقد في دمشق يوم 10 كانون ثاني (يناير) 2001 بمبادرة من اتحاد العمال العرب واتحاد المحامين العرب وبمشاركة شخصيات عامة من مختلف الأقطار العربية، وانتهى بتشكيل مكتب تنفيذي. وقد جاء الاجتماع الثاني في عيد المقاومة والتحرير لمشاركة لبنان في الاحتفال بالذكرى الأولى للانتصار على العدو الصهيوني وفرض انسحابه من الجنوب، ولاستلهام دروس المقاومة اللبنانية، ولقراءة واقع الانتفاضة بهدف دعمها، وفي النظر للأسلوب الأمثل لعمل اللجنة.

يمكن القول إن هذا الاجتماع الثاني حقق أهدافه، بما يمكِّن اللجنة من الانطلاق في عملها، وما كان أروع مشاركة لبنان الرسمي برئاساته الثلاثة في حفل الافتتاح، ومشاركة لبنان الشعبي، واللقاء بالسيد حسن نصر الله. وتفصيل هذا لتحرك يستحق حديثاً خاصاً ليس هنا مجاله. ولعل عمل اللجنة المقبل يكتب خطوطه الرئيسة.

نسجل رابعاً ما حدث في احتفال لبنان والوطن الكبير كله بيوم المقاومة والتحرير، وآثار ذلك على العدو.

كان الاحتفال عظيماً رسمياً وشعبياً في لبنان، وشاركت فيه الأمة بشعوبها كافة بصور شتى، منها المتابعة عبر التلفزة للفعاليات التي أقيمت في الاحتفال وبخاصة من خلال تلفزيون “المنار” المعبّر عن “حزب الله”. ومن أبرز ملامح الاحتفال الرسمي اللبناني مشاركة الرئاسات الثلاثة وكبار الشخصيات الممثلة لكل قوى المجتمع، في “وحدة وطنية” رائعة كانت عاملاً أساسياً في تحقيق الانتصار. ومرة أخرى جاء خطاب رئيس الجمهورية العماد إميل لحود وتصريحاته لتطرح رؤية لبلوغ السلام العادل ولتحدد موقفاً متميزاً، سيبقى يُذكر للبنان. فالمقاومة حق مشروع حتى تحقق أمورا أربعة، هي: الانسحاب الصهيوني من مزارع شبعا اللبنانية، ومن الجولان السورية حتى خط 4 حزيران (يونيو) 1967، ومن الضفة الغربية والقطاع الغزي، وعودة اللاجئين الفلسطينيين المقيمين في لبنان إلى فلسطين.

لقد شارك أهلنا في فلسطين من خلال انتفاضة الأقصى بهذا الاحتفال بيوم الانتصار اللبناني. وشاركت شعوب الأمة بصور مختلفة “مجدّت” المقاومة طريقاَ للتحرير، وأعربت عن العرفان لأبطال المقاومة اللبنانية، وأكدت تضامنها مع انتفاضة الأقصى. وأذكر أنني حاولت أن أصوغ بكلمات لسان حال الأمة في هذه المناسبة، حين شرفني إخوتي في اللجنة الشعبية لدعم الانتفاضة بافتتاح اجتماعهم في يوم التحرير والمقاومة، فقلت مخاطباً الجمع «المقاومة طريق التحرير، والتحرير روح العصر، والشهادة في سبيل الله البارئ المصور القدوس هي أعلى مراتب المقاومين. وقد شاء خالق الموت والحياة أن يجعل الشهداء أحياء عنده، وأن يكون في استشهادهم إحياء لبني قومهم. الله كرم بني آدم وخلق الناس أحراراً متساوين، والعنصرية من ثمَّ جريمة. شأنها شأن الاستعمار. وأفظع أشكال الاستعمار، الاستعمار الاستيطاني العنصري. وأبشع صوره في عصرنا الصهيونية فكراً وحركة. وقد استهدفت قوى الهيمنة الغربية بها أمتنا للتحكم في وطننا العربي الكبير ودائرتنا الحضارية الإسلامية، فكان الغزو الصهيوني الاستعماري لفلسطين واتصلت مقاومتنا لهذا التحالف الصهيوني الاستعماري الأثيم على مدى قرن بطوله. نحن اليوم في الذكرى الأولى ليوم التحرير والمقاومة، الذي هو من أروع ثمار المقاومة وأطيبها. عشناه مع لبنان ووعت الأمة دروسه وعبره. بذلك اليوم المجيد بدأت مرحلة جديدة في الصراع العربي الصهيوني الممتد. وما أسرع ما قامت بعد أربعة شهور من انتفاضة الأقصى والمقدسات المسيحية والإسلامية في فلسطيننا المحتلة. وما أروع ما تعبر به الأمة عن تأييدها للانتفاضة والمقاومة على الصعيد الشعبي في إجماع مشهود».

نسجل خامساً انعقاد اجتماع وزراء خارجية منظمة المؤتمر الإسلامي في الدوحة بقطر يوم 25 أيار (مايو) 2001، وإصداره بياناً في ختام أعماله أكد فيه ضرورة الالتزام بتطبيق أحكام المقاطعة الإسلامية ضد الكيان الصهيوني، ودعا الدول الإسلامية الأعضاء في المنظمة التي أقامت علاقات مع الكيان في إطار عملية التسوية إلى قطع هذه العلاقات بما فيها إقفال البعثات والمكاتب وقطع العلاقات الاقتصادية، ووقف جميع أشكال التطبيع «حتى تقوم بتنفيذ قرارات الأمم المتحدة الخاصة بقضية فلسطين والقدس الشريف والصراع العربي الصهيوني»، وحملت المنظمة الكيان الصهيوني المسئولية الكاملة عن عدوانه، كما حملت المسئولية الصهيونية تبعات جرائم الحرب التي يقترفونها .. إلى آخر القرارات. وكانت لجنة العمل العربية المنبثقة عن القمة العربية قد اتخذت مثل هذا القرار على صعيد الجامعة العربية. وواضح أن هذا التحرك على الصعيد الرسمي العربي والإسلامي هو بداية استخدام أوراق كثيرة بأيدينا تنتظر الأمة إحسان استخدامها. ويبقى أن تسارع الدول إلى تنفيذ هذه القرارات بفاعلية وإتقان.

نشير هنا إلى ظاهرة “الدولة الضالة” في إطار المجموع الذي هو دائرة الوطن العربي الكبير ودائرة الحضارة الإسلامية. و”الدولة الضالة” هي تلك التي خرجت عن “المجموع” في تعاملها مع العدو الصهيوني وفي خضوع للضغط الأمريكي الذي يطالبها بالتواطؤ مع العدو الصهيوني ضد المجموع. وكم كان مؤسفاً أن تكون موريتانيا التي نعرف أصالة شعبها وإسهامها في حضارتنا هي “الدولة الضالة” في هذه المرحلة من الصراع. ومطروح علينا في الدائرتين كيف نتعامل مع هذه الظاهرة. وذلك من خلال دراسة أسباب حدوثها أولاً ووضع اليد على الأوراق التي استطاع بها التحالف الصهيوني الأمريكي التفرد بها والضغط عليها. ثم اتخاذ اللازم لمساءلة حكومتها ومحاسبتها ونصب العين استعادتها إلى المجموع.

بقى أن نسجل أخيراً في “الشهرية” أمراً واحداً يتعلق بالعدد، نراه يستحق التسجيل والوقوف أمامه. وكانت النقاط السابقة جميعاً تتعلق بنا وبقدرتنا على الفعل. الأمر هو اضطرار إدارة بوش إلى القيام بتحرك دبلوماسي في ساحة المعركة المباشرة، وتكليفها سفيرها في الأردن وليام بيرنز مبعوثاً للاتصال بالصهاينة  والفلسطينيين بهدف التهدئة والبحث في

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات