الجمعة 19/أبريل/2024

المال والسلاح وإرهاب الدولة

المال والسلاح وإرهاب الدولة

لم تكن العلاقة بين المال والسلاح وإرهاب الدولة عميقة وقوية في التاريخ السياسي والعسكري والمالي كما هي الآن، في مرحلتنا الراهنة. وحيث يكون الأمر كذلك، فجدير بالباحث والمؤرخ والمحلل السياسي أن يواجهوا سؤالاً قد تضع الإجابة عليه البشرية المعاصرة على شفا هاوية. إنه السؤال الذي يكتشف تلك العلاقة في إطار الدولة الإسرائيلية وفضائها الأميركي.

وكي نضبط هذا الأمر ونحدده بكيفية مشخّصة، نجد أمامنا ما وصفه الباحث السياسي الأميركي (توماس ستاوفر) من معطيات مذهلة في محاضرة ألقاها قبل بضعة أيام في جامعة ميينسك الأميركية حول العلاقات الأميركية الإسرائيلية. وقد أعلن أن حجم المساعدات التي قدمتها حكومة الولايات المتحدة لإسرائيل بدءاً من عام 1973 وصل إلى (1.6) تريليونات دولار.

وأوضح الباحث المذكور أننا إذا ما وزعنا هذا المبلغ الهائل على عدد سكان الولايات المتحدة الحالي، فإننا سنصل إلى أن كل مواطن أميركي دفع مبلغ (507) آلاف دولار. وأضاف ستاوفر معلناً أن حصة “إسرائيل” لهذا العام الجديد 2003 ستصل إلى مبلغ (2.04) مليار دولار ضمن المساعدة العسكرية ، إضافة إلى مبلغ (720) مليون دولار بمثابة مساعدة اقتصادية.

والأمر الملفت فيما أعلنه الباحث ستاوفر أن الخسارة المالية، التي لحقت بالاقتصاد الأميركي إبان الحصار النفطي الذي أعلنت عنه دول الخليج أيام حرب أكتوبر وبعد إعلان الرئيس الأميركي آنذاك ريتشارد نيكسون عن تقديم مساعدة عسكرية لإسرائيل، بلغت (420) مليار دولار. وقد لاحظ ستاوفر أن الخسارة الأميركية المالية المذكورة وصلت، في حينه، إلى حدود ميزانية الولايات المتحدة آنئذ، وكانت (450) مليار دولار، وكان ذلك قد حدث بسبب الارتفاع الحاد الذي أصاب أسعار النفط.

وفي سبيل إعطاب الانتفاضة وتفكيكها، طالب جمع من الشخصيات الإسرائيلية أثناء لقاء تم نهاية الشهر الماضي، في البيت الأبيض، حكومة الولايات المتحدة بتقديم مساعدة عسكرية إضافية تقدر بمبلغ أربعة مليارات دولار. ويضع الباحث ستاوفر القارئ أمام نتيجة تحمل دلالات كبرى مؤرقة على صعيد العالم الملتهب الراهن، حيث يعلن أن المساعدات المالية والتقنية الأميركية، التي تقدم لإسرائيل، أوجدت لديها من الإمكانيات ما أتاح لها أن تصبح واحدة من أكبر الدول المصدّرة للسلاح، ذلك أن نصف حجم ما تصدره “إسرائيل” في السنة هو، بامتياز، منتجات عسكرية أو ما يدخل في ذلك.

إن ما قدمه توماس ستاوفر في محاضرته هو بمثابة كشف عن أن “إسرائيل” تمثل ثكنة عسكرية، على حد تعبير الباحث إلياس شوفاني أولاً، ومن أن ما تستلمه من حكومة الولايات المتحدة على هذا الصعيد إن هو إلا اقتطاع غير شرعي من إنتاج المواطن الأميركي ثانياً، وعن أنها (أي إسرائيل) تحولت إلى قنبلة موقوتة إذا انفجرت تشعل الأرض برمتها ثالثاً.

أما الحكمة الحالكة المؤرقة في ذلك كله فتفصح عن نفسها بصيغ التحالف الاستراتيجي المعقود بين “إسرائيل” والولايات المتحدة بغية وضع شعوب العالم تحت فكّي كماشة: إما الاستسلام للإرادة الأميركية-الإسرائيلية القاهرة باسم إعادة بناء العالم عبر مواجهة الإرهاب، وإما الدخول في حروب أو حرب قد لا يستطيع المرء الآن أن يتصور ما تحدثه من دمار وتصدع ومآس، على الصعيدين الجماعي والفردي.

وكي لا يساورنا أدنى شك فيما قدمه ستاوفر في محاضرته العتيدة، علينا أن نرجع إلى ما كتبته صحيفة كريستيان ساينس مونيتور الأميركية بهذا الصدد. فهذه الصحيفة، التي أعلنت نبأ المحاضرة إياها تعلن أن توماس ستاوفر، الذي تحول أصبح معروفاً بمصداقيته، التي تظهر في كتاباته، سمّى لأول مرة ومنذ وقت غير قصير الرقم أو الأرقام الدقيقة لحجم المساعدات التي تقدمها حكومة الولايات المتحدة لإسرائيل.

إن الوضعية القائمة بين الولايات المتحدة و”إسرائيل” هي أكثر من مقلقة ومحذّرة، خصوصاً حين نستعيد في أذهاننا بعض الوقائع من مثل التالية: “إسرائيل” تعلم الولايات المتحدة بأن العراق هرّب كثيراً أو قليلاً من أسلحة الدمار الشامل، و”إسرائيل” تملك كماً كبيراً من هذه الأسلحة، والرئيس بوش، الذي أعلن قبل بضعة أيام أن حكومته لا تملك حتى الآن ما يشير إلى أن العراق يملك أسلحة دمار شامل، يرسل عدداً متعاظماً من الجنود والمعدات العسكرية الضخمة إلى بلدان تحيط بالعراق! ما المقصود من هذا كله؟ بل كيف للباحث في الاستراتيجيا أن يضبط ذلك، ويكتشف أهدافه وآلياته؟ إن الأمر على صعوبته الفائقة، قد يفهم من حيث هو محاولة لوضع العالم على حدّ السيف، سواء قاد ذلك إلى حرب مباشرة، أو ظل يراوح باتجاه مصير مأساوي يأخذ على البشر أنفاسهم.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات