الجمعة 26/أبريل/2024

خريطة الطريق قنبلة دخان أميركية

خريطة الطريق قنبلة دخان أميركية

صحيفة البيان الإماراتية

لم يعد هناك شك في أن «خريطة الطريق» لتسوية الصراع العربي ـ الإسرائيلي، التي اعتبرت منذ البداية أشبه بـ «قنبلة دخانية» أطلقتها واشنطن -باسم اللجنة الرباعية وبالاتفاق معها- لتسويق حربها ضد بغداد، قد ماتت تحت عنوان أنه تم تجميدها إلى ما بعد الانتخابات الإسرائيلية في نهاية يناير الجاري.

«رصاصة الرحمة»، كما يقال في وصف القتل المتعمد، أطلقت عليها بيد الرئيس الأميركي جورج دبليو بوش عندما رفض في 20 ديسمبر الماضي طلب الاتحاد الأوروبي تسريع صياغتها بشكلها النهائي ونشرها على الملأ، مكتفياً بادخال تعديلات عليها، ومرفقاً ذلك بانها لن تصبح نهائية إلا بعد الانتخابات الإسرائيلية.

يعني ذلك، كما قال ألوف بن في صحيفة «هآرتس»: إن الصيغة المعدلة التي تتضمن إمكان إقامة دولة فلسطينية فقط عندما تكون للشعب الفلسطيني «قيادة مستعدة وقادرة على انشاء ديموقراطية فاعلة تستند إلى الحرية والتسامح ولا تكون موبوءة بالإرهاب»، هي تأييد ضمني لموقف رئيس الوزراء الإسرائيلي أرييل شارون من عزل رئيس السلطة الفلسطينية ياسر عرفات. وبالتالي لمعركته الانتخابية في وجه خصومه، وبخاصة منهم زعيم حزب «العمل» عمرام ميستناع.

إغلاق متعمد

والتطابق في المواقف بين بوش وشارون قديم ومعروف، كما أنه لجهة «خريطة الطريق» ليس جديداً بدوره. فقد سقاها هذا الأخير السم مرتين خلال الشهور الماضية، أولاً برفضها من خلال إبداء تحفظات قاتلة على العديد من بنودها، ثم ثانياً بقبولها ولكن عبر نصب شرك لها، كما قال عكيفا الدار في «هآرتس» تعليقاً على ما وصف بأنه موافقة عليها. ثم إن بوش عمد إلى التخلي عنها، وفق تعبير السفير الأميركي السابق في “إسرائيل” مارتن انديك، عندما قرر فجأة وضعها في يد أحد أعتى المؤيدين لشارون في إدارته بتعيين ايليوت ابرامز مديراً لمكتب الشرق الأوسط في مجلس الأمن القومي الأميركي.

«يبدو أن الإدارة قررت التراجع عن الخطة. إذ لو كانت تستعد لدفع» خريطة الطريق «إلى الأمام، فمثل هذا التعيين سيكون غير طبيعي»، هذا ما قاله انديك عن تعيين ابرامز، اليهودي مثله ولكن الأكثر تطرفاً منه، في هذا المنصب. ففي كتاب لهذا الأخير بعنوان «إيمان أو خوف: كيف يستطيع اليهود أن يعيشوا في أميركا المسيحية»، لم ينتقد ابرامز الزواج المختلط بين اليهود والمسيحيين الأميركيين فقط وإنما دعا يهود الولايات المتحدة لبناء ما وصفه بقضية مشتركة بينهم وبين المسيحيين الانجيليين تقوم على دعم “إسرائيل”.

ولعل هذا ما تجسده بوضوح في هذه المرحلة مواقف «المسيحية اليهودية» الأميركية التي تقول بعض صحف الولايات المتحدة الآن إن بوش الأبن جزء منها، أو أنه ليس بعيداً عنها على الأقل.

كيف قتل شارون «خريطة الطريق» حتى من قبل أن ترى النور، وكيف أطلق عليها بوش «رصاصة الرحمة» في المدة الأخيرة ؟!.

في خطابه في هرتسيليا نهاية شهر نوفمبر الماضي، والذي اعتبر «أول قبول علني من شارون بإقامة الدولة الفلسطينية»، أطلق رئيس الوزراء الإسرائيلي أوصافاً على «خريطة الطريق» تلغي منها الجدول الزمني، على عمومية هذا الجدول الذي يتحدث عن أعوام تنتهي العام 2005 حيث يتم إعلان الدولة الفلسطينية التي تبدأ عندها مفاوضات مع “إسرائيل” حول حدودها النهائية. كما أنها تلغي نقطتي الانسحاب إلى ما كان عليه الوضع قبل بدء الانتفاضة في العام 2000، وتجميد الاستيطان الذي لم يتوقف أبداً طيلة الفترة الماضية. وعموماً فإن أوصاف شارون لـ«خريطة الطريق» تجعل مصيرها -كما قالت صحف إسرائيلية- مثل مصير خطة ميتشيل وتفاهمات تينيت وتوصيات زيني. أي مجرد حروف سوداء على ورق أبيض.

وقبل الخطاب وبعده، كان شارون يصعد اعتداءاته العسكرية في الأراضي المحتلة، فيهدم المنازل جماعيا،ً ويجرف الأراضي الزراعية عشوائياً، ويصادر بعضها بدعوى بناء الجدار الواقي «جدار برلين الجديد»، كما يواصل اغتيال كوادر المنظمات الفلسطينية ونشطائها وحصاره الاقتصادي للمنطقة. فيمنع بالتالي أية إمكانية لإجراء انتخابات فلسطينية، رئاسية وتشريعية، كانت مقررة في يناير الحالي. حتى إذا أعلنت السلطة تعذر إجراء الانتخابات في ظل مثل هذا الاحتلال، واضطرارها بالتالي إلى تأجيلها إلى ما بعد انتهائه، قامت القيامة مجدداً -قيامة شارون وبوش معاً- بطلب الإصلاح السياسي والإداري المفقود وبضرورة إجراء انتخابات رئاسية وتشريعية تسفران عن قيادتين جديدتين، يمكن الاتفاق معهما على «خريطة الطريق» الموهومة.

في هذه الأثناء كان بوش يوفد مساعد وزير خارجيته وليم بيرنز في رحلات مكوكية إلى دول المنطقة، وإلى الأطراف الأخرى في اللجنة الرباعية «الاتحاد الأوروبي وروسيا والأمم المتحدة»، محاولاً اقناعها بادخال تعديلات على المسودة الأولى للخريطة تكون متوافقة مع رغبات شارون، سواء في حملته الانتخابية الراهنة أو في مسعاه المقبل لتشكيل حكومة، ستكون حتماً من اليمين واليمين المتطرف، من أجل مواصلة ما بدأته الحكومة السابقة.

الرهان المقبل.. ماذا في هذه التعديلات ؟!.

ما كشفته السلطة الفلسطينية عن التعديلات يؤكد الحقيقة السالفة الذكر بوضوح بالغ:

فهي تغفل تماماً ما ورد في المسودة الأولى عن تجميد الاستيطان، علماً أن التجميد كما ورد كان يغفل تماماً أيضاً ماذا سيكون عليه وضع المستوطنات القائمة التي تجعل الأراضي المحتلة عبارة عن كانتونات معزولة إحداها عن الأخرى بشكل كامل.

وهي تتشدد في مطالبها من الفلسطينيين، في ما يتعلق بالأمن الإسرائيلي والعمليات الفدائية والإصلاح الإداري والسياسي، بينما لا تطالب “إسرائيل” إلا بالعمل على تخفيف المعاناة الاقتصادية للشعب الفلسطيني عبر الافراج عن الأموال العائدة له من استيفاء الرسوم والجمارك والمقدرة بعشرات الملايين من الدولارات.

وهي تؤيد عزل عرفات من رئاسة السلطة الفلسطينية، كما يريد شارون، بينما كانت المسودة الأولى تكتفي بالحديث العام عن إجراء إصلاحات سياسية وإدارية وأمنية في السلطة الفلسطينية.

الجديد الوحيد في التعديلات «ويبدو أن هدفه تهدئة بعض المواقف العربية» يتمثل في النص، ولأول مرة، على اعتبار مبادرة السلام العربية التي تبنتها قمة بيروت في مارس الماضي إحدى مرجعيات «خريطة الطريق»، إلى جانب مؤتمر مدريد وقرارات الشرعية الدولية ومبدأ الأرض في مقابل السلام، هذا «الجديد» هو الهدف الأميركي في كل حال وكان هدف خريطة الطريق في الأصل من أجل تمرير الحرب المنتظرة ضد العراق في الأسابيع المقبلة -في فبراير كما يقال- بأقل ضجة عربية ممكنة. بل إن الأميركيين أنفسهم لا ينكرون ذلك، عندما يتحدثون عن «صيغة نهائية» للخريطة فقط بعد انتهاء الانتخابات في “إسرائيل”، في الموعد ذاته تقريباً، لكي يكون بعد ذلك ما تشاء واشنطن وتل أبيب أن يكون !!.

يصب في هذا السياق مباشرة، وللغاية ذاتها طبعاً، التحرك المفاجئ لحكومة توني بلير في بريطانيا -الشريك الكامل للولايات المتحدة في حربها على العراق- لدعوة الفلسطينيين والإسرائيليين، وكذلك السعوديين والمصريين وربما غيرهم أيضاً، إلى لندن للبحث في الخطوة التالية على طريق التسوية. وعملياً فعندما يأتي هذا التحرك البريطاني بعد بروز خلاف بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي حول «خريطة الطريق»، عبر عنه وزير خارجية الدانمرك التي ترأس الاتحاد الأوروبي حالياً بعد الاجتماع بين اللجنة الرباعية وبوش، فإن توقيت التحرك يعطيه بعض معناه.

وعندما يرحب عرفات بالدعوة البريطانية، فتسارع لندن إلى إعلان أن هدف الدعوة هو البحث في الإصلاحات المطلوب ادخالها على السلطة الفلسطينية «أي عزل عرفات»، فإن المضمون بدوره يعطي هذا التحرك بعض معناه الآخر.

وهذا المعنى، مرة أخرى، لا يخرج عن الهدف الأميركي إياه: تمرير الحرب على العراق بموافقة عربية، أو أقله من دون اعتراض جدي عليها، لكن حتى من دون أي التزام بما سيكون بعدها على مستوى عملية التسوية.

وهكذا فالمشهد السياسي للمنطقة العربية الآن، هذا المشهد الذي صاغه بوش وشارون معاً وبتوافق كلي، يقول ما يأتي:

1- حرب أميركية مؤكدة على العراق، بكل مخاطر هذه الحرب سواء على خريطة المنطقة أو على قضاياها أو على مستقبلها.

2 – انتخابات رئاسية أو تشريعية فلسطينية، وبالتالي لا إصلاحات سياسية وإدارية وأمنية، بسبب استمرار احتلال “إسرائيل” للأراضي الفلسطينية وممارساتها القمعية فيها.

3 – لا خطة جدية للتسوية، أميركية أو بريطانية أو على صعيد اللجنة الرباعية، ما بقيت الإصلاحات الفلسطينية المطلوبة إسرائيلياً وأميركياً في الغيب.

4 – المطروح فقط هو صيغة معلقة في الهواء لـ «خريطة طريق» معلقة بدورها، أو هي ميتة نظرياً وعملياً، تنتظر تغييراً شاملاً في المنطقة ـ يؤدي إلى القبول بما ليس مقبولاً حتى الآن ـ بعد أن يحدث التغيير المطلوب في العراق.

تعرف الولايات المتحدة جيداً، وكذلك “إسرائيل”، مدى الوهن الذي حل بالأمة العربية بعد حرب الخليج الثانية. وهما لا تراهنان الآن إلا على المزيد منه، أي على الاستسلام العربي الكامل، بعد الحرب المقبلة.

والصيغة النهائية لـ «خريطة الطريق»، المؤجلة إلى ما بعد الانتخابات الإسرائيلية والحرب ضد العراق، لن تطلب من العرب أقل من ذلك.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات

الاحتلال يشن حملة دهم واعتقالات في الضفة

الاحتلال يشن حملة دهم واعتقالات في الضفة

الضفة الغربية - المركز الفلسطيني للإعلام اعتقلت قوات الاحتلال الصهيوني - فجر الجمعة- عددًا من المواطنين خلال حملة دهم نفذتها في أرجاء متفرقة من...