الخميس 28/مارس/2024

من بلاط الشهداء إلى شهداء بلاطة

من بلاط الشهداء إلى شهداء بلاطة

إذا كان شارون هو المحرقة فإن شلالات دم شهداء بلاطة ورام الله ستطفئ لهيب ناره إلى الأبد بإذن الله ، كما لم تكن بلاط الشهداء هي الأخيرة وجاءت بعدها حطين وعين جالوت وفتح القسطنطينية ، فإن معركة بلاطة ورام الله لن تكون الأخيرة وإن فجر شعبنا وشمس أمتنا ستسطع بإذن الله .

بلاط الشهداء هي تلك المعركة الفاصلة في التاريخ الإسلامي عموما وفي الأندلس خصوصا ، والتي دارت رحاها داخل الأراضي الفرنسية عام 114 هـ / 732م ، بلاط الشهداء تلك المعركة التي كان قائد جيش المسلمين فيها القائد الفذ اليمني الأصل عبد الرحمن الغافقي ، بينما كان قائد جيش الفرنجة الذين تجمعوا من كل أنحاء أوروبا شارل مارتل .

عبد الرحمن الغافقي قائد رشحه إيمانه وإمكاناته القيادية وعبقريته الحربية للقيادة ، ولكن الظروف لم تتكافأ مع عبقريته العسكرية ، عبد الرحمن رشحته عبقريته الحربية للإمارة ولم يرشحه حسب أو نسب ، وستبقى سيرته وسيبقى ذكره في الخالدين مع الذين {…صدقوا ما عاهدوا الله عليه …} هذا ما قاله فيه الأديب الكبير  شوقي أبو خليل ، والذي يضيف قائلا في كتابه بلاط الشهداء : “ولو إنه انتصر في بلاط الشهداء لعمت شهرته الخافقين ولأصبحت الدنيا منذ ذلك الحين مسلمة ، ويكفي الغافقي فخراً أنه بالإسلام وحده أوصل جيوش المسلمين إلى ضواحي باريس ويكفي السلام فخراً أنه أوصل العربية والعروبة إلى قلب فرنسا ”

هذا عبد الرحمن الغافقي القائد ، أما بلاط الشهداء المعركة فيقول فيها المؤرخ  الشهير ” رينو” : ” إنه بلغت حماسة المسلمين في تلك الغزوة أن بعض المؤرخين شبههم بريح صرصر تقتلع كل ما جاء أمامها ، أو بسيف ماضٍ يقطع كل ما يصادفه ” ، أما المؤرخ ” جيبون ” فقد قال في كتابه ( أوروبا في العصور الوسطى) :” لو انتصر في بواتييه لتُلي القرآن وفسر في اكسفورد وكمبردج ” وبواتييه هو الاسم الأوروبي لمعركة بلاط الشهداء الخالدة ، أما المؤرخ الأوروبي الشهير ” انتول فراس ” فيقول :” إن أهم تاريخ في حياة فرنسا هو معركة بواتييه حين هزم شارل مارتل الفرسان العرب في بواتييه سنة 732م ، ففي ذلك التاريخ بدأ تراجع الحضارة العربية أمام الهمجية والبربرية الأوروبية “!!!

في بلاط الشهداء  إذن استشهد القائد عبد الرحمن الغافقي ، وفي بلاط الشهداء إذن استشهد عشرات الألوف من المقاتلين المسلمين ، والذين كان هدفهم وغايتهم ليس فتح فرنسا بعد إذ فتحوا إسبانيا ، بل إن غايتهم كانت فتح القسطنطينية في عملية فتح تشمل كل حوض البحر الأبيض المتوسط كما كانت خطة عثمان بن عفان رضي الله عنه حين قال في وصيته المشهورة لعبد الله بن عبد القيس وعبد الله بن نافع قائدي الأسطول البحري حين أمرهما بالتوجه إلى الأندلس عبر شمال أفريقيا قائلا :” إن القسطنطينية تفتح من قبل الأندلس وإنكم إن فتحتم ما أنتم بسبيله تكونون شركاء لمن يفتح القسطنطينية في الأجر ” .

ومع استشهاد عشرات ألوف المقاتلين ومع استشهاد سيد المقاتلين عبد الرحمن الغافقي في بلاط الشهداء على يد شارل مارتل الذي كان يلقب بالمطرقة ، حيث نال هذا اللقب لشدة لؤمه وما أنزل بالكنيسة الكاثوليكية من صارم الضربات التي استلزمها فساد رجال الدين في عصره كما تذكر كتب التاريخ ، إلا أن التاريخ يشهد ويؤكد أن بلاط الشهداء لم تكن آخر المشوار ولم يتوقف تاريخنا المجيد عند توقف جنود المسلمين هناك عند سهول بواتييه وعلى سفوح جبال البرانس على حدود فرنسا مع الأندلس ، فلقد جاءت بعد بلاط الشهداء حطين وجاءت عين جالوت ، وجاء فتح القسطنطينية ، وجاء فتح بلغراد ، وجاء حصار فينا ، وجاء فتح الهند ، ووصل الفتح الإسلامي إلى سور الصين العظيم ، والى السهول القريبة من مدينة بطرسبرغ التي عرفت بعد ذلك باسم ليننغراد داخل العمق الروسي ، وجاء بعد عبد الرحمن الغافقي من الأبطال والأشاوس ما أكد للدنيا أن أرحام نسائنا لن تصبح عاقراً وإنها ستظل تلد كل بطل جسور ، وقد ولدت بعد الغافقي نور الدين زنكي وصلاح الدين الأيوبي والظاهر بيبرس وقتيبة بن مسلم ومحمد بن مسلمة ومحمد الفاتح والسلطان عبد الحميد وعز الدين القسام وعمر المختار وعبد القادر الجزائري وعبد القادر الحسيني وحسن البنا وغيرهم وغيرهم .

بفارق زمني عمره ثلاثة عشر قرنا من الزمان بين معركة بلاد الشهداء التي وقعت أحداثها على أطراف الأندلس وبين معارك كثيرة يسقط فيها الشهداء كل يوم في رفح وخانيونس وجباليا ورام الله ومخيم جنين ومخيم بلاطة وفي كل أطراف ونواحي فلسطين ، إلا أن نزيف الدم ودفء الأنفاس والمشاعر بين بلاط الشهداء وشهداء بلاطة ورام الله وقلقيلية وخانيونس وجباليا قد اختصر تلك القرون الثلاثة عشر ليجعل ذاكرة الزمان ومفكرة الأيام تسجل الأمس كأنه اليوم ، واليوم كأنه الأمس القريب .

ألا كلُ خليلٍ خاللته           ما ترك الله له واضحة

كلهم أروغُ من ثعلبٍ         ما أشبه الليلةَ بالبارحة

ها هم شهداء بلاطة ومخيم جنين ورام الله يواجهون أعتى جلاوزة العصر ممن لا يحملون إلى الدنيا إلا رسائل الموت والدمار وهم لا يخجلون على أنفسهم وهم يحركون أسلحتهم الثقيلة والفتاكة لمقاتلة شعب أعزل إلا من عدالة قضيته ، حيث غابت معايير الأخلاق والأعراف ، لا بل غابت معايير موازين القوة عددا وعدة .

إن تاريخ فروسية العرب في القتال يشير إلى أن الفارس العربي المسلم لما كان ينزل لمبارزة الفارس من الفرس أو الروم أو الفرنجة وجها لوجه فإنه كان إذا عقر فرس ذلك الفارس لم يعد يقاتل إلا مترجلا ، فإن الفارس العربي المسلم كانت تأبى عليه نخوته ورجولته أن يقاتل راكبا والأخر مترجلا لانعدام التوازن في الإمكانات ، فإنه كان يترجل عن فرسه ويقاتل مترجلا مثله مع إنها الفرصة المواتية لقتله ، ألا يخجل على أنفسهم من يتحصنون داخل دباباتهم ومجنـزراتهم وحصونهم من الجنود الصهاينة وهم يقنصون ويغتالون عابري السبيل والأبرياء أو من لا يحملون إلا أسلحتهم الخفيفة من المقاتلين الفلسطينيين ، ثم هم بعد ذلك يدعون الانتصار والسيطرة وحسم المعركة ؟!

إن الشهداء في بلاط الشهداء ، وإن شهداء بلاطة ورام الله وقلقيلية وجباليا قد انطلقوا وهم لا يسعون إلى أقل من الحرية والعيش الكريم ، إن شهداء بلاطة وكل شهداء فلسطين قد عرفوا أن الشكوى والتباكي لن يردا حقوقا ، ولن يسمعوا أمواتا ،ممن ينادى عليهم من أصحاب الفخامة والجلالة والسيادة والسمو والمعالي ، إنهم انطلقوا من خلال ذلك الفهم السليم للعيش الكريم الذي عناه الشاعر لما قال :

برئ الإسلام من شاكٍ مضيم       لا يراه غير صوم وصلاةْ

ذروة الدين جهاد في الصميم       فنجاهد أو لتلفظنا الحياةْ

هذا القول الموجز والحكم الأخير في حالة المسلمين اليوم في جميع أقطار العروبة والإسلام ، فأما أن يتعاهدوا على عيش كريم و إرخاص قطرات الدم و إما أن تلفظهم الحياة ويستبدل الله تعالى بهم قوما آخرين ، وإن لسان حال المدافعين عن رام الله وبلاطة و جباليا من الشهداء أو من الشرفاء الذين ما بدلوا تبديلا وهم يدافعون عن بيوتهم وأعراضهم وأطفالهم من همجية ووحشية جنود الاحتلال المختبئين  في جحورهم داخل مجنزراتهم ويقذفون بحمم الموت ، ها هم لسان حالهم يقول ما قاله أسلافهم من أبطال بلاط الشهداء من قبل لما قال أحدهم : ” إن قطرة الدم لا زالت غالية على المسلمين ، وما دامت قطرة الدم غالية فإنهم لن يصلوا إلى أي شيء لأن ثمن العزة والحرية قطرة الدم فقط “، إنه يفضل بذل الروح ولو كلف ذلك أن يموت هو في سبيل حرية أمته .

إن انتصار الفرنجة بقيادة شارل مارتل ( المطرقة ) في بلاط الشهداء على المسلمين وقتل قائدهم ورمزهم الفذ عبد الرحمن الغافقي لم يكن نهاية المشوار أبدا لأن عبد الرحمن كان يحمل رسالة نور ورحمة لأهل أوروبا يومها ، ولقد قال في ذلك الأديب الفذ شوقي أبو خليل :” وانهزام المسلمين في بلاط الشهداء ( بواتييه ) لم يكن هو الذي أوقف تقدمهم لأنهم كانوا إذ ذاك قوما مجاهدين ، الموت أحب إليهم من الحياة ” ، كانت الهزائم لا تعني في حسابهم شيئا وقد رأيناهم ينهزمون المرة تلو المرة في شمال أفريقيا أيام عقبة بن نافع فلم يمنعهم ذلك من العودة والإصرار على الفتح .

إن شارل مارتل قد زعم أنه قاتل الظلام وأنه نصير الثقافة اللاتينية مع إن كل مؤرخ منصف يعرف أن الفرنجة لم يكونوا يعرفون من اللاتينية شيئاً ، بل إن شارل ” المطرقة ” لم يكن يكتب اسمه لا بأحرف لاتينية ولا بغيرها بل كان يبصم بصبعه كما ذكر ذلك المؤرخ ” ديوربي” في كتابه ص 294 ، وليس هذا فحسب ، بل إنه لم يكن نصير المسيحية ، فكنائس ورهبان فرنسا تشهد ويشهدون على ظلمه ولؤمه ، وإن عبد الرحمن الغافقي ورجاله كانوا يعرفون عن المسيح والمسيحية أكثر مما كان يعرفه شارل المطرقة ورجال مملكته ، لذلك كانت معركة بلاط الشهداء صراعا بين حضارة وجاهلية  ، وبين نظام وفوضى ، وبين إنسانية وهمجية على المدى البعيد ، ولان كانت صورتها صراعا بين الإسلام وبين الفرنجة.

ذاك هو شارل المطرقة ، أما شارون المحرقة أو ” البلدوزر ” كما يحب أن يسميه كثيرون من المعجبين به من الصهاينة ، إن شارون هذا تشهد على لؤمه وأحقاده مجازره في حرب 1948 وقتله الأسرى المصريين بالآلاف بعد حرب 1967 ، وما مجزرة صبرا و شاتيلا بالتي تذكر إلا ويذكر معها شارون ، إن شارون  صاحب سياسة هدم الأحياء كاملة في مخيمات رفح وجباليا وخانيونس ، وشارون صاحب سياسة هدم جدران بيوت مخيم بلاطة للوصول منها إلى البيت الآخر ، شارون ” البلدوزر ” هو الذي تبسم وهو يرى البلدوزرات والدبابات تهدم أسوار مقر السلطة الفلسطينية في رام الله ، إن شارون المحرقة الذي حرق البنايات والبيوت في رام الله ، شارون الذي حرق كل أوراق اتفاقيات أوسلو ، بل إن شارون الذي بأفعاله الهمجية فانه يشعل كل الشرق الأوسط ليحرق بذلك الأخضر واليابس ليكون شارون رام الله هو نيرون روما .

إن شارل المطرقة وهو يفعل أفعاله فإنه كان يدعي الدفاع عن اللاتينية وعن أوروبا من قوى الظلام ( الإسلام ) ولأن شارون المحرقة وهو يفعل أفعاله فإنه يدعي الدفاع عن الحضارة الغربية والعالم الحر من الإرهاب الإسلامي الذي يعتبر الفلسطينيين جزءا منه ، ناسياً أو متناسيا أنه هو رمز الإرهاب وعنوان عصابات القتل والمرشد الموهوب في فن قتل النساء والأطفال والأسرى .

لقد كان انتصار شارل مؤقتا في بلاط الشهداء ، فلقد جاءت بعد بلاط الشهداء حطين وجاء فتح القسطنطينية وفتح بلغراد وحصار فينا ، و إذا كان شارل قد مات ولم يعرف ماذا حصل بعده فإن لويس التاسع والثامن عشر – ملوك فرنسا – وريتشارد قلب الأسد من بريطانيا عندهم الخبر اليقين ، إذا كان شارل

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات