الأربعاء 24/أبريل/2024

نحو حلّ قومي عربي لمسألة اللاجئين

نحو حلّ قومي عربي لمسألة اللاجئين

لم تكن جريمة الصهيونية في أنها اغتصبت أرض فلسطين فحسب، بل في أنها شردت وبددت كيان الشعب الفلسطيني البشري في الآفاق، حين حملته – بالقوة المسلحة العمياء – على اللجوء الاضطراري: إلى بلدان الجوار العربي لفلسطين، وإلى مختلف أصقاع العالم.

ولعلنا لسنا نبالغ في القول إن مأساة القسم اللاجئ من شعب فلسطين أعظم هولاً وفداحة – في النتائج السياسية والنفسية – من مأساة القسم المقيم منه على أرضه المحتلة في عام 1948م. نعم، يخضع هذا القسم الأخير لسلطة صهيونية عنصرية مسخت اسم وطنه، وزورت تاريخه، وهمشته في أرضه، وانتهكت حقوقه…إلخ؛ ويخضع القسم الباقي في أراضي الضفة والقطاع لاحتلال عسكري غاشم تجدد في التاسع والعشرين من آذار (مارس) 2002م بعد أن “جلا” مؤقتاً عن بعض المناطق المحتلة في 67 بمقتضى اتفاق “أسلو”. ومع ذلك، يظل لهذا الجزء من شعب فلسطين بعض الامتياز، هو أنه ما زال مقيماً في أرضه المحتلة (في أعوام 1948م، و1967، و2002م) مع ما في أوضاعه فيها من مآس. أما القسم اللاجئ من هذا الشعب، فمحروم من حقه في وجوده على أرضه حتى وهي مغتصبة ومحتلة، ناهيك عن حرمانه المضاعف من أبسط حقوقه الإنسانية في بعض مناطق اللجوء!

على أن مشكلة اللاجئين الفلسطينيين ليست مشكلة فلسطينية فحسب، وإنما هي مشكلة عربية أيضاً، وذلك بمعنيين: بمعنى قومي، حيث للفلسطينيين على العرب حق النصرة والحماية والعون من أجل تمكينهم من العودة إلى أرضهم وديارهم وممتلكاتهم التي حرموا منها بالتهجير؛ ثم بمعنى قطري ضيق، حيث يشكل اللاجئون في نظر بعض السياسات العربية – للأسف – “عبئاً” على دول الاستقبال العربية، وعاملاً من عوامل الضغط على التوازن الأهلي فيها؛ وحيث ترفض تلك الدول – عن حق لا غبار عليه – توطينهم في أراضيها: وهو الرفض الذي شاطرها إياه اللاجئون الفلسطينيون الذين لا يرضون بديلاً عن حقهم الشرعي والمقدس في العودة إلى الوطن.

تتزايد – اليوم – أهمية فتح ملف اللاجئين أمام النظر والتحليل في ضوء ثلاث حقائق ضاغطة:

أولها: أن تجربة التفاوض على مسألة اللاجئين في “واشنطن”، وفي “اتفاق أسلو”، وفي مفاوضات “كامب ديفيد الثانية”، كشفت عن أن أطر هذا التفاوض غير قابلة لأن تضع حق العودة كاملاً على جدول أعمالها؛ وأن قصارى ما يمكن أن تتسع له هو البحث في مسائل ثلاث على علاقة بحواشي موضوع حق العودة لا بجوهره، وهي: التعويض للاجئين، وعودة من يريد منهم العودة إلى أراضي الـ 67 حصراً، والسماح بعودة محدودة لعدد قليل من اللاجئين إلى فلسطين 48 في إطار ما يسميه مسؤولو الدولة اليهودية بـ “لم شمل العائلات”. ويتصل بهذا كله ما بدأ يروج في الدوائر الأمريكية والصهيونية عن إمكانية تعليق البحث في موضوع اللاجئين إلى ما بعد قيام دولة فلسطينية؛ وهو ما قد يكون اسماً حركياً لترحيل الموضوع إلى ما لا نهاية حتى يسقط بالتقادم!

وثانيها: أن السياسة الأمريكية حيال مسألة اللاجئين الفلسطينيين باتت صريحة في انحيازها إلى موقف الدولة الصهيونية على حساب القرارات الدولية ذات الصلة، ومنها – في المقام الأول – القرار 194 الذي صوتت عليه الولايات المتحدة في حينه، بل ساهمت في صياغته. ولعل من أمارات ذلك الانحياز الأكثر دلالة، في هذا الباب، بداية الحديث في دوائر صنع القرار الأمريكي – كما في بعض الدوائر الغربية الأخرى – عن مشروعات لتوطين اللاجئين الفلسطينيين في بلدان عربية كالعراق، والأردن، وبعض بلدان الخليج العربي، وفي بلدان غربية مثل كندا وبعض البلدان الاسكندنافية…، و – من ثمة – إسقاط حق العودة!

وثالثها: أن أوضاع اللاجئين الفلسطينيين في الشتات، وخاصة في الجوار العربي، تعاني من تدهور وسوء في المعاملة خطيرين. فإلى كونهم لا يتمتعون بحقوق المواطنة إلا في الأردن (وهي لا تلغي مواطنتهم الفلسطينية وليست بديلاً منها)، ولا يتمتعون بحقوقهم السياسية والمدنية – دون الحق في المواطنة – إلا في سوريا…، لا يتمتعون بأبسط الحقوق الإنسانية في بلدان عربية أخرى: من الحق في العمل، إلى الحق في السفر، إلى الحق في ترميم البيت في المخيم! وإذا كانت هذه الأوضاع المزرية تضاعف من مأساة القسم اللاجئ من شعبنا الفلسطيني، فهي تنتهك حقوق اللجوء وتجافي أعراف التعامل مع اللاجئين، فكيف إذا كان هؤلاء اللاجئون عرباً؟! إن الخشية من التوطين لا تبرر استمرار أوضاع البؤس والحرمان تلك، خاصة وأن المشمولين بتلك الأوضاع أحرص الناس جميعاً على رفض التوطين، وعلى التمسك الثابت بحق العودة.

في سياق هذه الحقائق، وعلى قاعدة الحق الثابت للاجئين الفلسطينيين في العودة إلى أرضهم وديارهم وممتلكاتهم – وهو الحق الذي أقره المجتمع الدولي من خلال القرار الأممي 194 – هناك حاجة إلى فتح ملف اللاجئين للرد على السياسات التي تنتقص من هذا الحق: باسم التعويض، أو باسم العودة إلى الضفة وغزة، أو باسم العودة المحدودة في إطار برنامج”لم الشمل”؛ وللرد على السياسات التي تنتهك الحقوق المدنية والسياسية للاجئين الفلسطينيين.

أما الهدف من إعادة طرح مسألة اللاجئين أمام التفكير، فهو الوصول إلى صوغ استراتيجية قومية عربية حيال وسائل تحقيق هدفين، هما: صون حقوق اللاجئين في مناطق اللجوء، وتمكينهم من العودة إلى وطنهم. وربما سيكون من المفيد – في هذا المعرض – أن يجري تناول الموضوع، من زوايا ثلاث:

من زاوية الحق القانوني في العودة: الذي أقره المجتمع الدولي واعترف بشرعيته في القرار 194، بل الذي ربط عضوية الدولة الصهيونية في الأمم المتحدة بتنفيذ مقتضياته. وهنا سيكون مطلوباً البحث في جملة مسائل مثل السبل المطلوبة لممارسة ضغط عربي وعالمي فعال من أجل تطبيق القرار 194 وإنفاذ أحكامه، والآليات التي يمكن إحداثها من أجل تفعيل ذلك الضغط، ودور جامعة الدول العربية والمنظمات الإقليمية والدولية والمنظمات غير الحكومية في إطار سياسة الضغط تلك، وإمكانية قيام الدول العربية بإعادة رسم علاقاتها السياسية والاقتصادية بدول العالم (خاصة أوروبا وأمريكا) في ضوء موقف هذه من حق اللاجئين في العودة، وسعيها مادياً في تنفيذه ومن زاوية مركزية مسألة اللاجئين في إطار الصراع العربي – الصهيوني، ودورها في تمديد هذا الصراع حتى بعد احتمال قيام تسويات فلسطينية وعربية مع الكيان الصهيوني حول الأرض والحدود. وفي هذا الإطار، تنطرح أسئلة من نوع:

هل يستطيع لبنان وسوريا – في حال أية تسوية بينهما وبين الدولة اليهودية – أن يقبلا بتسوية منحصرة في قضايا الأرض والمياه والحدود فقط، ويتجاهلا قضية اللاجئين كما فعل الأردن في “اتفاق وادي عربة”. وهل هناك ما يبرر استمرار رهان بعض العرب على “المفاوضات متعددة الأطراف” التي تعزل قضايا اللاجئين والمياه والتسلح عن قضية احتلال الأرض؟ ثم إذا لم تكن قضية اللاجئين موضع مساومة من دول الاستقبال العربية، فما الذي يحول دون تبلور استراتيجية عربية موحدة، وموقف سياسي موحد، في هذا الشأن: على الأقل بين دول الاستقبال الثلاث الرئيسة (لبنان، سوريا، الأردن)، وبينها وبين الدول التي يهددها مشروع التوطين (العراق، دول الخليج) ثم ألا توجد حاجة ضاغطة – اليوم – إلى التشديد على أن مسألة اللاجئين – وحقهم المقدس في العودة – هي أيضاً جوهر قضية فلسطين؛ و- بالتالي – ألا ينبغي أن يكون رفض المساومة على حق العودة رديفاً ومرادفاً لرفض المساومة على القدس؟ وأخيراً، أليست هناك حاجة إلى إنشاء لجنة خاصة باللاجئين أسوة بـ “لجنة القدس” التابعة لـ “منظمة المؤتمر الإسلامي”؟

ثم من زاوية حقوق اللاجئين في الجوار العربي المضيف، حيث يمثل صونها وحمايتها مساهمة عربية في تمكين هؤلاء اللاجئين من حق النضال من أجل عودتهم إلى أرضهم وديارهم وممتلكاتهم. وفي هذا الإطار، ثمة حاجة إلى البحث في أسئلة من نوع:

هل الخوف من التوطين يبرر حرمان اللاجئين من الحقوق الإنسانية الطبيعية التي تتمتع بها العمالة الآسيوية في بلادنا العربية مثل؟ا

وأليس التشبث الفلسطيني بحق العودة هو ما منع اللاجئين الفلسطينيين في سوريا والأردن من الاندماج الكامل؟ خاصة في الأردن الذي يتمتعون فيه بحقوق المواطنة كاملة.

ثم أليس ذلك مما يمكن أن يطمئن بلداناً عربية أخرى على أن تحسين أوضاع اللاجئين في ديارها، وتمتيعهم بالحد الأدنى من حقوقهم المدنية والسياسية، ليس مدعاة للخوف من التوطين؟

ثم أليست هناك حاجة إلى حوار سياسي صريح بين دول الاستقبال العربية وبين منظمة التحرير الفلسطينية – بحسبانها الممثل الشرعي للشعب الفلسطيني – حول تنظيم أوضاع اللاجئين في ديارها، وتصحيح العلاقات بينهم وبين تلك الدول التي تؤويهم؟.

هذه هي المداخل المطلوبة اليوم للدخول في بحث جدي في قضية اللاجئين، قصد بناء استراتيجية قومية عربية لحلها.

 

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات

الاحتلال يشن حملة دهم واعتقالات في الضفة

الاحتلال يشن حملة دهم واعتقالات في الضفة

الضفة الغربية - المركز الفلسطيني للإعلام شنت قوات الاحتلال الإسرائيلي - فجر الأربعاء- حملة دهم في أرجاء متفرقة من الضفة الغربية واقتحمت العديد من...