الجمعة 26/أبريل/2024

ثقافة القتل الإسرائيلي المتعمد

ثقافة القتل الإسرائيلي المتعمد

أصبح معروفا تاريخيا قيام “إسرائيل” بقتل متعمد، ومجازر مريعة ضد المدنيين العرب، من فلسطينيين ولبنانيين وغيرهم. وفي كل هذه العمليات يجري القتل المتعمد بدم بارد، ويمكن الاشارة الى كثير من هذه العمليات،على غرار مذبحة دير ياسين ومذبحة كفر قاسم، ومذبحة جنين ومذبحتي اللد والرملة ومذبحتي قانا ومروحين في لبنان ومذبحة الحرم الابراهيمي في الخليل التي قام بها السفاح باروخ جولدشتاين، والمذابح التي ترتكب يوميا في قطاع غزة.

ففي الحرب على لبنان ارتكبت “اسرائيل” جرائم نقلتها وسائل الاعلام المرئية، وكانت شاهدا حيا على ذلك. فقد كانت “اسرائيل” تطلب من سكان القرى الخروج من قراهم لأنها تريد ان تدمرها، ومن ثم تقوم الطائرات “الاسرائيلية” بقتل متعمد لجموع النازحين منها.

وكذلك نقلت وسائل الاعلام مذبحة قانا الثانية، والمنازل التي هدمت على من فيها، وصور الاطفال الذين انتشلوا جثثا هامدة أو أعضاء متفرقة، وحيث النساء والرجال المسنين الذين حصدتهم الطائرات “الاسرائيلية” وهم يحاولون النزوح.

ولا يستطيع الانسان إلا أن يتساءل عن الاسباب والعوامل النفسية التي تدفع الشخص الى القيام بمثل هذه الجرائم من دون ان يتحرك ضميره الانساني.

ويقول علماء النفس، ان وصول الانسان الى هذه المرحلة من الجمود الحسي والاخلاقي، يحتاج الى عوامل تفوق انسانيته، على غرار التطرف العقائدي أو الخلل العقلي، بغض النظر عما إذا كانت هذه العقائد نابعة من ايديولوجية سياسية معينة، أو ثقافة دينية متطرفة، أو حقد أعمى، يدفع الانسان الى ارتكاب جرائم، بحق الغير، وأحيانا بحق نفسه عن طريق الانتحار.

وأريد هنا ان اتطرق الى تصرفات “اسرائيل” على مدى نصف قرن ونيف من وجودها، حيث واكبنا اخلاقياتها الاجرامية التي تبررها، ويقبلها العالم على أساس ان اليهود ذبحوا على أيدي النازية، ويحق لهم الدفاع عن أنفسهم بكل وسيلة. ولكن الموضوع اعمق من ذلك، لأن له بعدا ثقافيا مبنيا على اجتهادات دينية. فالديانات السماوية جميعها، تدعو الى احترام حياة الانسان، ولكن بعض الاجتهادات تتخطى ذلك. والموضوع اليهودي موضوع حساس، له بعد عاطفي خصوصا لدى الشعوب الاوروبية التي انبتت الايديولوجيات العنصرية، وقامت بعديد من المذابح، كان آخرها الايديولوجية النازية.

والتاريخ يشير الى ضعف الاقليات اليهودية عندما كانت منتشرة في العالم، وخضوعها للمذابح النازية خير دليل على ذلك. ولكن عندما وجدت لها القوة العسكرية والسياسية، كما هو الحال في “اسرائيل” اليوم، خرجت الثقافة اليهودية المتطرفة من قمقمها، وظهر وجهها الاجرامي القبيح الذي عبرت عنه، ليس في الدفاع عن نفسها، وهو أمر مقبول، بل بالمجازر المستمرة ضد العرب وبسرقة الأراضي.

هذا التصرف له أسس عميقة داخل الثقافة اليهودية، والتي يتحاشى الكثيرون الخوض فيها لأسباب كثيرة، في مقدمتها الخوف من التعرض لحملة مسعورة تشنها المنظمات اليهودية الصهيونية، والمسيحية الصهيونية، والتي تعتبر ان: “اليهودي هو بؤبؤ عيني الله. لا أعتقد أنه في وسع أمريكا ان تدير ظهرها لشعب “اسرائيل” في عالم الوجود، والرب يتعامل مع الشعوب بقدر ما تتعامل هذه الشعوب مع اليهود” (القس جيري فالويل، زعيم إحدى أهم المنظمات المسيحية الصهيونية في امريكيا، في حديث تلفزيوني، نقلا عن بيان من جمعية التجديد الثقافية الاجتماعية 26/7/2006.

وقام عدد من المفكرين اليهود بتحمل مسؤولية كتابة حقائق عن هذه الأخلاقيات، على غرار البروفيسور اسرائيل شاحاك والحاخام اولمير برجير والبروفيسور نعوم تشومسكي والبروفيسور نورمان فينكلستاين وغيرهم.

فعندما قام مردخاي جولدشتاين بمذبحة الحرم الابراهيمي، وقتل العشرات من المصلين في المسجد، قالوا إنه مجنون. إلا ان اتباعه أقاموا له نصبا تذكاريا وسوقوا نبيذا يحمل صورته واسمه.

وإبان حرب عام ،1967 وبعد ان سفكت الكثير من الدماء العربية، خرجت القيادة الدينية اليهودية في “اسرائيل” بفتوى تبرر هذا القتل على أساس أنه “قتل العمالقة”، الذين جاء ذكرهم في التوراة، على أساس ان الله سبحانه وتعالى حلل ذبحهم.

وعندما وقعت مجزرة دير ياسين في عام ،1947 برروا ذلك بأنها فترة حرب. وعندما وقعت مجزرة كفر قاسم، عام ،1956 برروها بأنها عملية أمنية، وهكذا تأتي التبريرات. ولكن هناك الكثير من المجازر التي وقعت ولم تستطع “اسرائيل” ايجاد تبريرات لها.

ففي حرب لبنان الأخيرة، وبعد المجازر التي وقعت هناك نادى بعض قادة “اسرائيل” بقتل المدنيين غير اليهود، من جملتهم عضو الكنيست عن الحزب القومي الديني، آفي ايتان، حيث قال: “مسموح قتل عشرات الآلاف من المدنيين الأعداء”، وذلك في مقابلة من صحيفة “معاريف” يوم 15/9/2006.

ولكن لا يمكن اعتبار هذا الشخص بأنه مجنون، بل إنه يمثل شريحة كبيرة من سكان الكيان. وثقافته الدينية تسمح له التفوه بمثل هذا الكلام عن قناعة تامة، طالما ان القتل ينال غير اليهود. وكان هذا الشخص نفسه قد طالب قبل أيام عدة من مقابلته هذه بطرد الفلسطينيين من الأراضي المحتلة، واعتبر فلسطينيي 1948 بأنهم طابور خامس (يدعوت أحرونوت 9/11/2006).

وفي 26/9/،2006 نشر “مركز الشرق الأوسط الدولي خبرا يقول ان الحاخام يوسف فلاي، الذي يقطن في مستعمرة “يتسهار” اليهودية في الضفة الغربية، وجه نداء عبر مقال نشره في صحيفة المستعمرين اليهود “طرق في الحرب”، الى الحكومة “الاسرائيلية” يطالبها: “بقتل كل الذكور في الشعب الفلسطيني الذين يرفضون ترك الاراضي (المحتلة)”.

ولكي نفهم هذه الذهنية والثقافة التي تدفع بزعيم “اسرائيلي” التحدث بهذه اللغة من دون وجل، يجب ان نعود الى ثقافته الدينية، وأفضل مصدر لذلك هي الكتب التي كتبها البروفيسور “اسرائيل” شاحاك، ونشرت بلغات عدة. وسوف اقتبس بعض ما جاء في كتابه الذي صدر باللغة العبرية عام ،1966 بعنوان: “من أجل يهودية صادقة: معاملة اليهودي لغير اليهودي”. وبعد ذلك بسنوات عدة نشر بالانجليزية: “التاريخ اليهودي والدين اليهودي”.

يقول شاحاك: “الغوييم (أي غير اليهودي) حسب الهالاخاه اليهودية (وهي النظام القانوني الكلاسيكي للتعاليم اليهودية التي وردت في كتاب التلمود) فإن الكلمة: انسان، تشير الى اليهود فقط: أنتم تسمون بني آدم، وأمم العالم لا تسمى ببني آدم” (اقتبسها شاحاك من دائرة المعارف اليهودية). واقتباس آخر: “اليهودي الذي يقتل “غوييم” يحاكم في السماء فقط، والذي يقتل “غوييم” بشكل غير مباشر لا يحاكم على ذلك حتى ولا في السماء”. (اقتبسها شاحاك عن دائرة المعارف اليهودية، وعن الكاتب راميام في فصل عنوانه القتل).

كما يخبرنا شاحاك عن معاملة اليهودي لغير اليهودي، من جملتها: “ممنوع لليهودي انقاذ غير اليهودي من الموت” (المصدر السابق صفحة 16). كما أنه من تعاليم التلمود، وقوانين الهالاخاه يظهر ان: “لحم الانسان غير اليهودي هو لحم حمير.. في اشارة الى الغوييم”. “اقتبسها شاحاك عن دائرة المعارف للتلمود اليهودي من فصل “الغوييم”. كما ان الغوييم لا روح له.

والواقع أننا نستطيع الاسترسال في مثل هذه الاقتباسات، بكل ما يتعلق بحياة الانسان غير اليهودي ومعاملة اليهودي له، هناك أشياء قد لا يستوعبها عقل الانسان. ويمكن العودة لكتب شاحاك، والحاخام الاصلاحي اولمير بيرجير، وغيرهما لدراسة هذه المواضيع.

ان القتل المتعمد للمدنيين الأبرياء، نابع من ثقافة عميقة، تمنح فاعليها راحة نفسية، ولا تحملهم شعورا بالذنب، أو تخطي مفهوم البعد الانساني للآخر.

فمن هذا المنطلق يجب ان ننظر الى المذابح التي تقوم بها “اسرائيل” ضد غير اليهود، والقتل المتعمد الذي تمارسه ضدهم، والتصريحات التي تنادي بتبرير القتل الجماعي. وإذا كان الذين يتحدثون عن ذلك يعتبرون من المتطرفين، أو المجانين، فكيف يمكن ان نفهم نفسيات الذين يعطون الأوامر والذين ينفذونها؟

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات