السبت 27/أبريل/2024

إسرائيل وجواسيسها

إسرائيل وجواسيسها

ربما يظن العربي المتتبع لضغط “إسرائيل” على مصر من أجل الإفراج عن الجاسوس عزام عزام أنها تحترم من يتعاون معها من العرب وتبقى وفية لالتزاماتها نحوهم. هذا ظن في غير محله لأن “إسرائيل” تعمل دائماً على إلقاء جواسيسها في حاوية النفايات بعد أن تكون قد استنفدتهم تماماً وباتت متأكدة أنهم لا يصلحون لخدمة أغراضها. ولنا في التاريخ الفلسطيني والعربي أمثلة كثيرة تدل على ذلك.

 

بداية أرى أنه من الضروري التمييز بين ثلاثة أصناف من المتعاونين مع “إسرائيل”: المخبرون والجواسيس والعملاء.

 

المخبرون هم الذين يتطوعون بنقل معلومة للعدو طمعاً في تحقيق مصلحة معينة، وهم لا يجهدون أنفسهم في البحث عن المعلومة، وإنما قد تصلهم عرضاً فلا يبخلون بها على العدو.

 

أما الجواسيس فهم المكلفون بالبحث عن المعلومات الخاصة بنشاط معين مثل العمل الوطني ضد قوات الاحتلال. هؤلاء ينشطون في المؤسسات والتجمعات والفصائل والأحزاب وبين الناس عموماً ليتمكنوا من الحصول على المعلومات الدقيقة، ويتقاضون أجراً قد يكون على شكل راتب أو مكافآت متناسبة مع أهمية المعلومة وحجمها. هؤلاء عبارة عن وشاة يتتبعون أفراداً أو جماعات.

 

أما العملاء فهم كبار الخدم الذين يقومون على تنفيذ سياسة العدو من خلال تقبل سياسات عامة سواء كانت اقتصادية أو اجتماعية أو سياسية أو غير ذلك. إنهم لا يشون بأحد معين ولا يتتبعون النشاطات السرية لمجموعات أو أحزاب أو فصائل، وإنما يعملون على فتح الطريق من أجل تطبيق سياسة معينة للعدو أو تشجيعها وحث الناس على قبولها تحت ذرائع من التوجهات الوطنية والقومية والدينية. هؤلاء هم الذين يكثرون من الحديث عن المصلحة الوطنية تستراً على مصلحة العدو، وهم الأخطر من بين الفئات الثلاث لأنهم يقودون الناس جميعاً إلى الهاوية وليس شخصاً بعينه أو مجموعة أشخاص.

 

كان لبريطانيا قبل عام 1948 جواسيس وعملاء قدموا خدمات كبيرة للصهيونية حتى قيام الدولة. لم تحترم “إسرائيل” هؤلاء الجواسيس والعملاء إطلاقاً وطردتهم من فلسطين من دون تعويضات كما طردت الآخرين. لم نشهد جاسوساً قد تم تكريمه من قبل “إسرائيل” أو منحه هبة كبيرة يتمكن من خلالها العيش بنوع من الكرامة الظاهرية.

لكن “إسرائيل” حافظت على مكانة عملائها خارج الدولة التي قامت عام 1948 بخاصة في غزة والضفة الغربية وشرقي الأردن ذلك لأن أدوارهم لم تنته. استمر عدد من هؤلاء العملاء في تقديم الخدمات لـ”إسرائيل” لقاء امتيازات مثل المنح المالية وتسهيل المعاملات التجارية وتجاوز المتطلبات الضريبية وتسهيل المرور عبر الحدود والحواجز. أما من انتهت مهمته فألقت به على قارعة الطريق لا يهمها كيف يموت.

 

اعتمدت سياسة “إسرائيل” الأمنية دائماً على تجنيد الجواسيس والعملاء بخاصة داخل فلسطين. إنها تجند أناساً في كل فلسطين بشقيها المحتل/1948 والمحتل/1967، وكذلك في الجولان وجنوب لبنان؛ هذا ناهيك عن نشاطها الأمني في كل البلاد العربية. في سيرتها الأمنية هذه عبرة لمن يعتبر بخاصة مما حصل في جنوب لبنان. خدم الجواسيس والعملاء اللحديون “إسرائيل” بطريقة لا سابق لها، لكنها هربت من جنوب لبنان دون إبلاغهم. سمع اللحديون عن هروب “إسرائيل” من وسائل الإعلام ففزعوا جرياً وراء أسيادهم. وعلى الرغم من ذلك، ندم أغلبهم على اللحاق بجيش “إسرائيل” وتمنوا لو بقوا في لبنان تحت طائلة المحاكمة من شدة ما لاقوا من إهانة وسوء معاملة. لم تقم “إسرائيل” بأي إجراء حيوي من شأنه أن يكافئ الخونة على ما قدموه من خدمات وعلى حساب شعبهم. عدد من نساء هؤلاء وجدن أنه لا مفر من العمل كبائعات هوى لليهود من أجل مساعدة الأزواج على تغطية نفقات المعيشة.

 

أما في الضفة الغربية وغزة فكان الأمر كالتالي: أصرت “إسرائيل” في مفاوضاتها مع قيادة منظمة التحرير على حماية المتعاونين معها وعدم مساءلتهم أو تقديمهم للمحاكمة. وقد تم لها ذلك من خلال التعاون الأمني مع السلطة ومن خلال نصوص واضحة في الاتفاقات بخاصة اتفاقية طابا لعام 1995، لكن من المسار العملي للتطبيق كان واضحاً أن “إسرائيل” لم تكن مهتمة كثيراً بصغار الجواسيس وإنما بالكبار منهم وبالعملاء. فمثلا غضت “إسرائيل” الطرف عن إجراءات خفيفة مثل السجن المؤقت للجواسيس الصغار، ولم تتحرك بجد لحماية بعض من أعدموا منهم.

لكن “إسرائيل” لم تسمح بالمساس بتجار الأراضي الذين خدموها في شراء بعض القطع ولا بالعملاء من المتنفذين الذين ينفذون سياسات عامة تلحق الأذى بعموم الشعب الفلسطيني والعرب.

 

أما الجواسيس الذين تم اكتشافهم وتمت ملاحقتهم من الجماهير أو المقاومين الفلسطينيين فلم يكن حالهم أفضل من حال اللحديين أو الهاربين من الجولان.

 

المعنى أن “إسرائيل” لا تكترث إلا بمصالحها، وإن اهتمامها بقضية عزام عزام ليس من أجل عزام وذويه وإنما لحاجة في نفسها ضد مصر وتمويه على الوسط الدرزي في فلسطين. وإذا كان لأحد شك في ذلك فلينظر إلى حال القرى الدرزية في فلسطين وأوضاع سكانها المزرية. يعاني الدروز كما يعاني كل العرب من التمييز والاضطهاد والاستغلال والملاحقة، وتتم معاملتهم بطريقة دونية كما تتم معاملة الناس من مختلف المذاهب.

 

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات