الخميس 28/مارس/2024

كشف الحقائق والصمت عنها

كشف الحقائق والصمت عنها

كتبت منذ أسبوعين، في هذا المكان، عن حصيلة شهر واحد من الاعتداءات الإسرائيلية على المواطنين الفلسطينيين، وبيوتهم وأراضيهم وسياراتهم ومصانعهم وتجاراتهم وزراعاتهم العتيقة ومساجدهم وكنائسهم وحتى على خيامهم التي يقيم فيها البدو من أهل فلسطين، أو التي يقيمها من تهدم بيوتهم -أو تقام لهم- لكي يبقوا ما استطاعوا البقاء، في أراضيهم التي يملكونها منذ كانت فلسطين وكان فيها شعبها العربي البطل.

 

يوم نشرت تلك الحصيلة اتصل بي صديق من كبار رجال القضاء المصري، وسألني: هل فيما نشرت بعض المبالغة؟ فأجبته بالنفي.. وأخبرته أنني نقلت الأرقام التي ذكرتها كلها من تقرير رسمي أصدرته حركة حماس عما جرى من اعتداءات صهيونية منذ إعلان هدنة المقاومة والعمل بها في 29/6/2003، وأن النص الكامل للتقرير تحت يدي.

 

قال لي القاضي الجليل: إذاً هذه دير ياسين جديدة، بل كل شهر هناك دير ياسين جديدة؟! قلت نعم، وربما أكثر من دير ياسين الأولى (1948). فقال إن هذا الحجم من العدوان المستمر يجب أن يكشف عن حقائقه، وأن تتداوله أجهزة الإعلام العربية كافة، وأن تنبه شعوبنا إلى ما يجري على أرض فلسطين حتى لا يخدع الناس بأوهام السلام الأميركي. ووافقته على ذلك كله.

 

بعد يوم واحد من تلك المكالمة الهاتفية كنت أحدث الأستاذ الجليل المستشار طارق البشري، فقال لي: إن تقرير حماس الذي كتبت عنه يجب أن ينشر كاملاً بكل وسيلة متاحة. وإن الحديث عن العدوان الصهيوني يجب ألا يتوقف. وإن فضح جرائم الصهيونية ضروري لئلا تبقى في أذهان بعض الناس عبارات الإرهاب والقتل والتدمير التي توصف بها أعمال المقاومة عندما تعود إلى نشاطها بعد نكث الصهاينة بعهدهم وإخلافهم الوعد الذي قطعه رئيس وزرائهم في اجتماع العقبة مع جورج بوش ومحمود عباس.

 

وقد حاولت أن أصنع شيئاً لنشر هذا التقرير الصادق كل حرف فيه، فأخفقت.

 

وجربت أن أقنع بعض القائمين على بعض القنوات الفضائية بمناقشته مع بعض أعضاء حماس، فلم أنجح. والعدوان الصهيوني مستمر كل يوم، قتلاً للناس، وهدماً للبيوت، وتجريفاً للأرض الزراعية، واقتلاعاً للأشجار وحرقاً لها -حتى لا يستفيد أصحابها بأخشابها الميتة- وهو عدوان لا يستثنى منه أحد ولا يفلت منه شيء من نبات أو جماد أو حيوان. والعالم صامت، صمتاً مطبقاً. كأنه ليس هناك شعب تجري محاولة إبادته، واقتصاد يتم تخريبه عمداً، وأراض تغتصب كل يوم.

 

فلما وقعت عملية فدائية بطولية في تل أبيب الأسبوع الماضي، قامت قيامة الخلق كلهم، عربهم وفرنجتهم، لا ضد المعتدي الغاصب المحتل، ولكن ضد المقاوم البطل الشاب الذي لم يستطع الصبر على ما يجري على قومه من جرائم يومية، فأراد أن ينبه الصهاينة إلى أن شعب فلسطين لا يزال حياً مقاوماً، وصابراً مرابطاً.

 

العرب: قالوا -بلسان كبرائهم وسادتهم- إنهم ضد كل عملية يصاب فيها المدنيون. والمدنيون عند هؤلاء السادة والكبراء لفظ لا يوصف به إلا الصهاينة المحتلون. وكل ذي عقل أو أذن أو عين يعلم أنه ليس في هؤلاء مدني، رجلاً كان أم امرأة. فكلهم جنود مقاتلون مسلحون.

 

والأقل من السادة والكبراء درجة قالوا: إن “إسرائيل” مسؤولة عن تدهور الأوضاع في الأراضي الفلسطينية، وهو تعبير غامض -غموض طبيعة الخُنْثى المُشكِل في الفقه الإسلامي- لا يعرف ما يراد به على وجه التحديد ويطول شرح وجهات النظر المتباينة حوله، ثم لا يكون لهذا الشرح جدوى لأن “إسرائيل”، بدعم أميركي وعالمي مستمر، تصنع ما تريد.

 

والفرنجة من الأميركيين والأوروبيين -السادة والكبراء- تحركوا بسرعة البرق إعلامياً وديبلوماسياً، وانتقل بعضهم من عاصمة إلى أخرى، يحذرون الفلسطينيين من توالي العنف(!) ومن عودة رجالهم ونسائهم إلى طريق الإرهاب(!) ومن ظن أن الولايات المتحدة ستقف مكتوفة الأيدي عن مقاومته(!)

 

والذين دون السادة والكبراء قالوا: إن هذه العملية الإرهابية(!) لن تؤثر على مسيرة السلام، وإن الولايات المتحدة بالتعاون مع “إسرائيل” قادرتان على فرض السلام ولو بالقوة على هؤلاء الإرهابيين(!)

 

وأرادت “إسرائيل” الإيحاء بقوتها وقدرتها حيث تشاء استخدامها فاغتالت أحد أبطال حزب الله في بيروت، ثم أسرعت تشكو لبنان إلى مجلس الأمن لأن حزب الله حاول الانتقام لشهيده وعقاب اليد الآثمة التي اغتالته، وهددت سوريا بأنها لن تسكت عن حمايتها لـحزب الله وقواته في جنوب لبنان. وأيدت ذلك كله صديقة العرب وراعية سلامه: الولايات المتحدة الأميركي!

 

إن الذي بيننا وبين الصهاينة هو الحرب المستمرة حتى يكتب لنا النصر عندما يقدر الله -سبحانه- استحقاقنا له. وكل الذين يتحدثون عن غير ذلك واهمون. بعضهم واهم حقيقة ويصدق أوهامه، وبعضهم يتصنع الوهم ويفتعله، ويختلق المناسبات ليقنع الناس بصدقه. والفريقان جميعاً ينظران إلى: ﴿سراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئاً، ووجد الله عنده فوفاه حسابه والله سريع الحساب﴾ (النور:39). وأقل حساب هؤلاء أن يدخلوا في قول الله سبحانه.. ﴿فلما كتب عليهم القتال إذا فريق منهم يخشون الناس كخشية الله أو أشد خشية، وقالوا ربنا لم كتبت علينا القتال، لولا أخرتنا إلى أجل قريب، قل متاع الدنيا قليل والآخرة خير لمن اتقى ولا تظلمون فتيلا. أينما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم في بروج مشيدة…﴾ (النساء 77-78).

 

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات

عباس يصدق على تشكيلة حكومة محمد مصطفى

عباس يصدق على تشكيلة حكومة محمد مصطفى

رام الله - المركز الفلسطيني للإعلام صدق رئيس السلطة محمود عباس على منح الثقة لحكومة محمد مصطفى، وسط استمرار تجاهل موقف الفصائل الفلسطينية التي...