السبت 20/أبريل/2024

تاريخ الانتفاضات الفلسطينية

تاريخ الانتفاضات الفلسطينية

 

يمكن اعتبار الجغرافية السياسية التي نشأت وفقا لقانون إعادة تقسيم العالم ضمن مصالح المشروع الإمبريالي قبل الحرب العالمية الأولى أساس تشكيل الدول القطرية المتعددة ، بدلا من الدولة العربية التي كان العرب يطمحون إلى الحصول عليها ، من خلال الاتفاق المبرم ما بين الشريف حسين و مكماهون .

وتبعا لذلك ، ستكون فلسطين دولة تفصل مصر عن بلاد الشام ، من جهة ، وسوراّ للدفاع عن أوربا في آسيا،و قلعة للحضارة الغربية ، لمواجهة البربرية ، “والكلام لهرتزل”.

و بصدور وعد بلفور تحولت فلسطين إلى ارض لمشروع الوطن القومي للشعب اليهودي، و أشير إلى السكان العرب بعبارة : الطوائف غير اليهودية ، وأخذت حكومة الجلالة على عاتقها ، أنها لن تسمح بعمل سيئ ، يغير الحقوق الدينية و المدنية لها0

“وعد بلفور”ما كادت الحرب العالمية الأولى تنتهي بانتصار معسكر النظام الرأسمالي حتىبادرالمستعمرون إلى الكشف عن نياتهم و إلى الإعلان عن خططهم .

فقد أعلن القاضي بلنددايس مستشار الرئيس الأمريكي ولسن ” إن القصد من طلب اليهود تسهيل هجرتهم الى فلسطين هو أن يصبحوا أكثرية فيها ، و على العرب أن يرحلوا منها إلى الصحراء “

كما أعلن وايزمن حقيقة الوعد بقوله :

إننا اتفقنا مع الحكومة البريطانية على تسليم فلسطين لليهود خالية من سكانها العرب !

وهكذا ارتقت نظرة الاستعماريين إلى خطتهم من مرتبة الحلم و التخطيط إلى مركز الحقيقة و التنفيذ. و ارتفعت أماني الصهيونيين في دولتهم الموعودة من مرتبة الخيال إلى مرحلة الواقع و التخطيط .

و نتيجة لهذا التوافق ، اكتشف كل من المشروعين الإمبريالي و الصهيوني ، آلياته الداخلية لإنتاج ذاته في المشروع الآخر ، و هكذا نشأت بنية واحدة ، لمشروع واحد ، بوظائف قد تكون مختلفة في مرحلة أو أخرى .

أنيط ببريطانيا بوصفها الدولة العظمى في العالم الدور الحاضن للمشروع و قد عملت المؤتمرات التي عقدت في فرساي 28 حزيران 1919 ، و سان ريمو 25/4/ 1920 ، سيفر 10/8/ 1920 ، و لوزان 24/ 7/1923 لإصدار النصوص و القرارات المؤيدة لهذا الدور ، كما عملت على إنشاء صلة تاريخية ، بحسب الصيغة المدونة ، تربط كل يهود العالم بفلسطين .

و بحلول عام 1925 كان التسلل الصهيوني بلغ مداه ، حيث مكّن لأكثر من سبعين ألف يهودي من تملك و استيطان أكثر من ستمائة ألف دونم من أخصب الأراضي الزراعية في فلسطين ( السهول الساحلية و الوسط و الحوله ) و السيطرة على نقط ارتكاز مؤثرة مثل الموارد المائية و المرافق الاستراتيجية .

إذن نحن أمام التأسيس لمشروع استيطاني صهيوني ، قام على استحضار مجموعات من المهاجرين ، من مجتمعات و ثقافات و لغات و قوميات مختلفة و استطاع إلحاق الهزيمة بشعبنا المتجذر لغة و ثقافة و حضارة و تاريخا .

من هنا شرعية السؤال :

أين كانت المقاومة الفلسطينية لهذا المشروع ؟
وإذا كانت المقاومة غائبة، هل يمكن الحديث عن ” تاريخ الانتفاضات الفلسطينية ” ؟
وللإجابة على هذه الأسئلة لا بدّ أولا من التفتيش و البحث في الحقل السياسي الفلسطيني عن عنصر المقاومة فيه ثم الانتفاضة ثانياً و أسباب تعثرهما !

 أرخ نشاط الحركة الصهيونية الاستيطاني في فلسطين في القرن الماضي لظهور حقل سياسي فلسطيني خاص ، تشكل حول مشروع إقامة كيان وطني تبلور في المطالبة بإقامة دولة فلسطينية مستقلة على أرض فلسطين الانتدابية باعتبار أن المشروع الاستيطاني الصهيوني كان قد حاز قصب السبق و أصبح يملك إمكان التحقق بعد اكتسابه الشرعية من النظام الرأسمالي الإمبريالي ، للأسباب الآتية :

أولا : توزعت أرض فلسطين ( الانتداب ) على متصرفيات متعددة تخضع لنظام الالتزام المستقل ، و تتبع لولايتين منفصلتين دمشق و بيروت ، بينما بقيت متصرفية القدس تحت إشراف الحكومة المركزية في الآستانة .

ثانيا : لم تخضع فلسطين تبعا لذلك لزعامة أو قيادة واحدة  ، إنما توزعتها الزعامات المحلية التي تتشكل ، نتيجة انتخابها لمجلس المبعوثان أو الامتيازات العسكرية أو السلطوية ، إضافة إ لى الإقطاع العائلي ، و إقطاعيات الأراضي  وأخطرهاكون معظم الإقطاعيين خارج أرض فلسطين الانتداب .

ثالثاً : لم يتوحد الحقل السياسي العربي حول مشروع عربي نهضوي حيث الخلاف على أشده  ، حول الولاء للدولة العثمانية ومسألة العلاقة العربية العثمانية .

رابعاً : كان لوصول الاتحاديين إلى الحكم عام 1908 ، والدور المركزي الذي قامت به الصهيونية لدفع الهجرة اليهودية إلى فلسطين ومن ثم التأخر في صعود الاتجاه القومي داخل الحركة العربية ، دور كبير في تأخر تشكل الحقل السياسي الفلسطيني باعتباره تابعاً له .

خامساً : غياب حركة السياسة والقيادات المركزية التي تحدد الأهداف والاستراتيجيات .

حركات الاحتجاج والانتفاضات خلال مرحلة التأسيس للمشروع الاستيطاني الصهيوني

انحصرت المقاومة الفلسطينية للمشروع الصهيوني حول إغلاق أبواب الهجرة اليهودية انطلاقاّ من رفض قبول أي حق سياسي أو أخلاقي لليهود في فلسطين وتوضحت بالأمور التالية :

1-مذكرات وعرائض و برقيات : تعتبر المذكرة التي تقدم بها وجهاء القدس بتاريخ 1891 أول عمل عربي منظم احتجاجاً على الهجرة وبيع الأراضي .

2-نبه المفكرون على خطورة ما يحدث ، وتعتبر الدراسة التي أعدها روحي الخالدي عضو مجلس المبعوثان ” في أخطار الصهيونية ” ، في العقد الأول من القرن الماضي من أهم ما كتب . كذلك أبحاث هنري لامنس اليسوعي   في مجلة المشرق 1899 وما تنبأ به نجيب عازوري عام 1905 بحتمية وقوع صراع محتمل بين القومية العربية والصهيونية ، هي دراسات في هذا السبيل .

3-مقالات في الصحف الصادرة في فلسطين والقاهرة وبيروت ودمشق ويمكن الرجوع إليها بتفصيل واسع في البحث المعمق الذي أعدته الدكتورة خيرية قاسمية بعنوان ” النشأة الصهيونية في الشرق العربي وصداه ما بين 1908 – 1918 “.

4- سلسلة من الاشتباكات المحلية يمكن تلخيصها فيما يلي :

– اشتباكات في عام 1910 في مناطق الجليل وطبريا ويافا .

– الهجوم علىمستعمرة مرحافيا ( الفولة ) سنة 1911

– اشتباكات في حيفا لإنشاء “المدرسة التقنية ” سنة 1911

– اشتباكات في طبريا والجليل ويافا  سنة 1913 .

-اشتباكات بين عرب قرية  غابة الجركس ومستوطني الخضيرة سنة 1914 .
5- الانتفاضة الأولى أواخر 1917 : فوجئت الجماهير العربية ، بالوطن العربي يقسم إلى مناطق تحكمها إدارات عسكرية ، بادرت الجماهير إلى التعبير عن رفضها بإعلان الانتفاضة . فسارعت القوى الاستعمارية  إلىتطويق الانتفاضة عبر الاتصال بالملك حسين والأمير فيصل كما ساهم خطاب الرئيس ولسن في إعادة ثقة العرب بمؤتمر الصلح .
6- الانتفاضة الثانية  سنة 1919 :بصدور قرارات مؤتمر فرساي ووضع دول الوطن العربي تحت الانتداب واعتراف بريطانيا بالوكالة اليهودية داخل حكومة الانتداب على فلسطين  ، واشتراكها معها في الإدارة التشريعية والمعارف والبدء بتهجير اليهود من كل أنحاء العالم ودفعهم للاستيطان في فلسطين ، اندلعت الانتفاضة شاملة المدن والقرى كافة ، إثر ذلك سارعت السلطات البريطانية إلى إجهاضها واعتقال القائمين عليها . مع التظاهر بالبحث عن أمس الحلول والإصرار ضمناً على تنفيذ مخططات التهويد  . بالرغم من الإحباطات التي أصابت الجماهير نتيجة إخفاق انتفاضتها فإنها بقيت وفية لقضيتها ، وكانت تعبر عن لحظات توهج كلما أتيح لها ذلك .ولما جاء بلفور عام 1924 لحضور افتتاح الجامعة العبرية طلب من المندوب السامي هربرت صموئيل أن يرتب له زيارة للحرم الشريف في القدس . أقفلت الجماهير أبواب الحرم ، ووقفت أمام المتاريس ، فعاد بخفي حنين . وفي طريق عودته عرج على دمشق ،  ونزل في فندق خوام . هاجت دمشق ،  لما علمت بالأمر ، فأحرقت الفندق وهي غاضبة منادية بسقوطه ، فخاف عليه الفرنسيون فأخرجوه من الباب الخلفي وأركبوه سيارة مخفورة إلى بيروت.

برزت خلال هذه المرحلة ، زعامات محلية عائلية ، وإقطاعية ورأسمالية سيطرت على لجان المدن وهيئاتها  ، فلجان المدن كانت إطار العمل السياسي في هذه المرحلة و كانت الأساس في الاحتجاج على وعد بلفور   والتنديد بالهجرة اليهودية دون أن تتعرض للاحتلال البريطاني أو لبنية المشروع الصهيوني ذاته .ومما يثير فعلا أن الوفود التي تشكلت لعرض القضية الفلسطينية ، لم تتعد هذا السقف ، و بقيت الآمال معلقة على العدالة البريطانية .

وفي البيان الذي أصدره السيد جمال الحسيني ، سكرتير اللجنة التنفيذية للمؤتمرالفلسطيني الرابع ، في تشرين الثاني 1921 يشير إلى هذا الأمر ، بقوله :
إن الآمال مقصورة على الأمة البريطانية النبيلة ، و إن إنكلترا هي إنكلترا و إنها لا تزال آهلة بذلك الشعب العادل .

لقد كان موقف الحكومة البريطانية واضحا منذ البداية فالمشروع الصهيوني هو مشروعها، ألم تلتزم بتسليم فلسطين إلى الدولة اليهودية خالية من السكان العرب ؟

لذلك فقد أجاب وزير المستعمرات تشرتل في مطلع نيسان 1921 على مذكرة رئيس مؤتمر حيفا موسى كاظم باشا ، بأنه لا يستطيع إلغاء تصريح بلفور و لا يستطيع إيقاف الهجرة اليهودية .و مما يثير الدهشة ، أنه رغم التهميش الذي لحق بالشريف حسين وخروجه صفر اليدين إلا أن الآمال بقيت معلقة عليه ، فقد ابرق السيد محمد مراد –مفتي حيفا – باسم الحركة الوطنية في حيفا و الجمعية الإسلامية فيها شاكيا للشريف حسين ، نكث بريطانيا بعهودها !…

فرد عليه الملك حسين ملك الحجاز:

” ليس ما أبديه في هذا إلا الأسى و الحزن “

من استعراض ما سبق ،نجد الجواب على السؤال الم

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات