الخميس 25/أبريل/2024

غبار العراق وأفق فلسطين

غبار العراق وأفق فلسطين

صحيفة الحياة اللندنية

هنيئاً لوزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس التمتع بنعمة المعرفة، وهي تتذكر كم قرأت حين كانت أستاذة جامعية، عن المساعي السلمية لتسوية «المسألة الإسرائيلية – الفلسطينية». أما العِبرة التي استنتجتها فلا تجعل فلسطينياً يهنأ أو يأمل بضوء في نهاية النفق الطويل. فـ «الزخم» الذي دفع الرئيس جورج بوش إلى إيفاد الوزيرة إلى المنطقة، إنما يعطي العراق واحتلاله أولوية على كل الملفات، في مرحلة أوجزتها رايس تحت عنوان «لجم المتطرفين»، ومواجهة «النفوذ الإيراني – السوري».

“إسرائيل”، المحطة الأولى في جولة وزيرة الخارجية، تتمنى «لجم» ذاك النفوذ لدى «حماس» و«حزب الله»، والأهم أنها تعتبر مصالحها ضمن توازن القوى في المنطقة، مهددة بالخريطة التي سيستقر عليها «العراق الجديد» ما بعد الانسحاب الأميركي من هذا البلد، أو إعادة البنتاغون تموضع قواته فيه بعد أسابيع قليلة. بالتالي فإن عراقاً إيراني «الهوى» في توجهاته السياسية وعلاقاته مع الخارج، يقلق الدولة العبرية أكثر مما أزعجها في عهد «البعث»، ولعلها تتوجس احتمالات أي صفقة قد تقدم عليها إدارة بوش مع إيران، تحت ستار غبار التصعيد. وهذا أيضاً سيتطلب أسابيع لتبيّن رجحان كفته، خصوصاً أن طهران لن تتخلى ببساطة عن حلفاء عراقيين «زرعتهم» على مدى سنوات وأمدتهم بكل عناصر القوة، لربط بلاد الرافدين بفلكها.

مع ذلك، لم تعنِ رايس بـ «لجم المتطرفين» الميليشيات الشيعية الحليفة لإيران وحدها، ولم تبرئ «حماس» مما تعتبره واشنطن «محور التطرف»، وترى أنه كله في ركاب طهران. لكن لكل دوره، ولا تعني استراتيجية بوش «الجديدة» في كل الأحوال مواجهة شاملة، بدليل تجديد الوزيرة عرض التفاوض مع الجمهورية الإسلامية بشرط وحيد، هو التخلي عن البرنامج النووي.

وبعيداً من تمني واشنطن تفكيك تحالف إيران وسورية و«حزب الله» و«حماس» في المرحلة الجديدة، ومن إشارات أطلقتها دمشق (تأكيد استعدادها للتفاوض مع “إسرائيل” بلا شروط، واعتراف خالد مشعل من العاصمة السورية بالدولة العبرية كأمر واقع)… يبدو نصيب الفلسطينيين «السلمي» من التحرك الأميركي هزيلاً، إن لم يقارب صفراً.

رايس، مثلاً، مقتنعة بأهمية «تسريع» خريطة الطريق، لكأنها حققت أي إنجاز حال دون موت «عملية السلام» الأميركية. وإذ تفتعل الوزيرة دور المحايد النزيه، لا تبيع الفلسطينيين سوى مزيد من الأوهام: لن تفرض خطة «صنعت» في أميركا (أين صنعت خريطة الطريق؟) ولن تفرض سلاماً على طرفي الصراع. كل ما عنته بيع المنطقة وعوداً جديدة – قديمة تحت لافتة السلام، فيما “إسرائيل” تقبض تعهداً بـ «مواجهة قوى متطرفة». وبلغة ديبلوماسية، تجني الوزيرة عِبرة مما قرأت: «فلنبدأ بفهم أي أفق سياسي محتمل للدولة الفلسطينية»!

لم يكن مفاجئاً أن يرفض الرئيس الفلسطيني محمود عباس العرض الإسرائيلي الذي حملته إليه رايس مجدداً، أي قبول دولة بحدود مؤقتة، مثلما لم يكن غريباً رفض الوزيرة الأميركية توسيع اللجنة الرباعية التي لعبت دور الحاضنة الفاشلة لخريطة الطريق. وبديهي أن تجديد ذاك العرض، مهما قيل عن «ترغيب» “إسرائيل” ببحث مصير القدس، لن يعني سوى ترك الفلسطينيين لمسارهم: صراع على مفاوضات سلام لن تبدأ، ومزيد من المحاولات لإبقاء نار الاقتتال بينهم مشتعلة.

حسناً فعل «أبو مازن» برفض العرض، وهو لم يبدّل موقفه الذي يذكّر بتشبث ياسر عرفات بالقدس وحقوق اللاجئين. وحسناً فعل رئيس الوزراء الفلسطيني إسماعيل هنية، إذ مد يده مجدداً للحوار مع «فتح» ووقف «الصدام الداخلي» لتفادي الشرك الأميركي – الإسرائيلي. لكن الرهان الحقيقي الذي يجنّب الفلسطينيين السقوط في هذا الشرك، يبقى أن تأخذ «حماس» و«فتح» العبرة من مصير حوار يستنسخ هواجس وقلقاً من الشقيق، أكبر من الريبة في العدو.

وبصرف النظر عما يبدو تجاذباً سورياً – أردنياً في خلفية الحوار (لقاء مستعصٍ بين أبو مازن وهنية في عمان، وآخر مؤجل بين أبو مازن ومشعل في دمشق)، الأمل الوحيد إذ يدرك الفلسطينيون أن طريق السلام طويل، ألا يستسلموا لإغراءات السلطة فيحوّلون الصراع التاريخي إلى حروب زواريب… إذ ذاك تصدُق «رؤية» رايس حين تتساءل عن الأفق السياسي لمشروع الدولة.

العراق أولاً، الأميركي يقرأ، مَن يفهم؟

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات