الخميس 25/أبريل/2024

مدريد وشلل السلام النصفي

مدريد وشلل السلام النصفي

صحيفة الدستور الأردنية

بلغ مؤتمر مدريد الخامسة عشرة من عمره وهو أشبه بالوليد الذي يعاني من شلل نصفي منذ انزلق من رحم حرب وصفت بأنها عالمية وثالثة، رغم إصرار البعض على إدراجها في خانة الحروب الموضعية التي تستمد شرعيتها ولو بأثر رجعي من القانون الدولي.

منذ ذلك المؤتمر، والعالم يزداد اشتعالاً، أما وعوده في وضع نهاية سعيدة للصراع العربي الصهيوني، فقد أصبحت في مهب عواصف الدخان والغبار التي حجبت الآفاق، لا في العراق وحده.. بل في المنطقة بأسرها، خمسة عشر عاماً، والاحتلال، لم يتزحزح بل أضاف إلى تضاريسه الحمراء بلداً عربياً بكامله.

كان مؤتمر مدريد نقطة فاصلة في التاريخ المعاصر، على الأقل من حيث كسر الحواجز الرسمية لا النفسية أو الثقافية بين طرفين راهن كل منهما على إخضاع الآخر وفرض الأمر الواقع عليه، لكن ما أنتجه مدريد هو الاتفاقيات الثنائية، حيث أنجزت معاهدتان هما وادي عربة وأوسلو، ثم تخثر الدم في شرايينه، فبقيت الجولان محتلة، وكذلك مزارع شبعا، أما أوسلو فقد كان ضحية حرب إسرائيلية رابعة، أعادت الاحتلال، وكرست الاستيطان، وانتهى المشهد إلى ما هو عليه الآن، وكان الطرح متواصلاً على الصعيدين الدولي والإقليمي لتكرار مؤتمر مدريد لكن الشلل الذي أصاب المؤتمر الأول، خلق لدى بعض الأطراف المتشائمة ما يشبه الفوبيا المدريدية، ما دام الأمر لا يتخطى المصافحات الدبلوماسية والمتلفزة والتطبيع المجاني، لقد أراد بوش الأب الذي أراد من مدريد أن يكون النصف الآخر لموقفه من العرب بعد إلغاء ضمانات القروض للدولة العبرية ومكافأتها على صمتها وعدم ردها على صواريخ بغداد، لكن مثل هذا التوازن سرعان ما انتهى، لصالح تل أبيب، التي تقاضت ثمن صمتها مثلما تتقاضى الآن وفي عهد الرئيس الابن ثمن صواريخها ومجازرها.

إن الأوضاع في العالم وفي هذه المنطقة بالتحديد هي الآن أشد سوءاً مما كانت عليه قبل خمسة عشر عاماً، وما كان مجرد سجال وحروب كلامية، تحول إلى حروب أهلية تتراوح بين حروب باردة، وأخرى في ذروة تفجراتها الثأرية، لهذا لا يحتفل أبطال مدريد وكومبارسه أيضاً بهذه الذكرى، في مناطق محررة من الاحتلال بل يشعرون بأن مدريد في حقيقته ليس سوى فعالية دبلوماسية، إن لم تكن سياحية لكن بالمعنى الجديد للسياحة، بعد أن أصبحت المؤتمرات مجرد جرعات من التخدير، تماماً كالهدنات الموسمية التي لا تعيش أكثر من أسبوع واحد، ذلك لأن ما يعالج ليس جذور القضايا بل ما يطفو على سطحها من إفرازات وبإمكان المؤرخ الذي يتجرد من تأثير اكسسوارات المؤتمرات، وبريق التلفزة، وبلاغة التسويف أن يكتب بلا تردد أن الدولة الصهيونية هي المستفيد الوحيد من ذلك المؤتمر، ليس فقط بسبب حصولها على اعتراف مجاني، بل لأنها حولت ذلك المكسب السياسي إلى رافعة، استخدمتها مراراً لتعزيز احتلالها، والتلويح بالمزيد من السطو، ونحن لا ننسى بأن مؤتمراً من هذا الطراز يتيح لمن يقرأونه أفقياً ومن السطح أن يزعموا بأن الحصى برتقال أو أن التطبيع المجاني أجهض حروباً في مهودها، لكن ما حدث خلال هذه الأعوام الخمسة عشر يقدم تكذيباً صريحاً لأي تفاؤل، ويكفي لمن يريد التأكد من أن الفارق محذوف أحياناً بين المؤتمر والمؤامرة أن يحصي ما سال من دماء .. لا في غزة والضفة الغربية فقط، بل في لبنان والعراق أيضاً، والبقية تأتي !!

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات