الأربعاء 24/أبريل/2024

بيكر.. ماذا فعلت بالصهاينة؟

بيكر.. ماذا فعلت بالصهاينة؟

صحيفة الشرق القطرية

معروف تاريخياً عن الأمريكان أنهم لا عهد لهم!! فالفلسفة البرجماتية التي أسسها وليم جيمس وجون ديوي ومن شايعهما نبعت من داخل المجتمع الأمريكي، وعبرت عنه أحسن تعبير، وهي تتلخص في كلمة واحدة: «المصلحة» أولاً .

فإلى عهد قريب كان برويز مشرف في نظر الأمريكان شيطاناً غاصباً للسلطة من نواز شريف، وكانت باكستان مهداً للإرهاب، وبعد التسهيلات التي قدمها مشرف للقوات الأمريكية لدخول أفغانستان، تحول مشرف – بقدرة قادر!! – إلى منبع من منابع الديمقراطية، ورمز من رموزها، وتغير وصف باكستان من دولة راعية للإرهاب إلى دولة من رعاة البقر !!

وقد جاء تقرير لجنة بيكر – هاملتون هذه الأيام، منقذاً للسياسة الأمريكية من المستنقع العراقي، حيث تبنى التقرير سياسة بوش الأب التي كان جيمس بيكر أحد صناعها أواخر الثمانينيات وأوائل التسعينيات من القرن العشرين، وهي السياسة التي كانت ترد كل مشكلات المنطقة العربية إلى جوهرها وهو: الاحتلال الصهيوني للأراضي العربية .

ومن هنا نفهم سر هذا الانزعاج الصهيوني الصارخ من تقرير لجنة بيكر – هاملتون الأخير كما ظهر في صحافة الصهاينة .

فقد كتب ناحوم برنباع المحلل الرئيس في صحيفة «يديعوت أحرونوت» يوم 8/12/2006 يقول: «إسرائيل استمتعت باهتمام دافئ ودلال مفرط طوال 14 عاماً في ظل كلينتون وبوش. والآن، على خلفية الكارثة في العراق، يسعى بيكر وهاملتون إلى إعادتنا إلى حجمنا النسبي الطبيعي» .

جرجيان «67 عاماً» – عضو لجنة بيكر – كان بين 1989 – 1991 سفيراً للولايات المتحدة في دمشق. وفي 1993 كان سفيراً في تل أبيب. وبين هذا وذاك كان أيضاً مساعداً لوزير الخارجية الأمريكي بيكر لشؤون الشرق الأدنى. عندما كان سفيراً في تل أبيب عرض عليه بيكر عرضاً لم يرغب في رفضه: إقامة وإدارة «مركز بيكر للسياسات العامة» في جامعة رايس في بوسطن – تكساس .

ومنذئذ أصبح هذان المتعاكسان معاً: بيكر التكساسي، المحامي البارد والصلب، وجرجيان الأرمني مشرق الوجه الدافئ والمعانق. ربما كان الانطباع مضللاً: الاثنان يكملان بعضهما البعض بصورة جيدة. كلاهما وفق أسلوبهما يمثلان نقيضاً لسياسة بوش الخارجية. بوش قسم العالم إلى أخيار وأشرار، أما بيكر وجرجيان فيعتقدان أن لكل دولة ثمنها .

المركز الذي يترأسه جرجيان هو واحد من مركزين قاما برعاية عمل اللجنة «الثاني هو المعهد الأمريكي للسلام». كلمته كانت حاسمة في كل ما كُتب عن “إسرائيل” وسوريا والفلسطينيين .

ومن وجهة النظر الصهيونية، كما يبدو من مقال برنباع، فإن التقرير يظهر “إسرائيل” كدولة تابعة للولايات المتحدة. ليست لديها إرادة خاصة بها، وأفكار خاصة بها وضرورات خصوصية. والجهاز السياسي في “إسرائيل” – كما يقول برنباع – لن يرتاح لذلك .

وقد قال جرجيان بوضوح «أنا أعرف أن رد الفعل الأول سيكون قلقاً» وأضاف: ولكنني اقرأ الاستطلاعات، ويبدو لي أن أغلبية الإسرائيليين يدركون الآن أنه لا يوجد حل عسكري للصراع. ف”إسرائيل” برغم قوتها العسكرية الكبيرة ليست قادرة على حسم الأمور، وأعداؤها ليسوا قادرين على إبادتها.

الحل سياسي

والحل الذي تبناه بيكر قبل 15 سنة – كما قلنا في مطلع المقال – هو حل «الأرض مقابل السلام والعودة إلى حدود 1967 مقابل تسوية شاملة». وهذا الحل لم يولد في الفشل الأمريكي العراقي وإنما التحق به .

شموئيل روزنر الكاتب في صحيفة هآرتس يوم 8/12/2006 متحسراً على ما سببه التقرير المذكور من اضطراب على كافة الأصعدة في واشنطن فقال: لجنة بيكر – هاملتون قالت لبوش: لقد فشلت. وإليك ما يتوجب فعله حتى تخرج من هذه الورطة، إذا كان من الممكن أصلاً الخروج منها. كما قالوا له: ليس أمامك خيار، عليك أن تتبنى كل التوصيات، وإذا كان هناك خطأ ارتكبته هذه اللجنة فهو يكمن في هذا البند وفي حقيقة أنها أوصت بما لا يقل عن 79 توصية .

ولو كانت توصياتها أربعاً فقط، وقام بوش برفض اثنتين منها، لافترسته الانتقادات لأنه رفض نصف التوصيات. أما الآن فإذا رفض 39 من الـ 79 فسيكون بإمكانه الادعاء أنه قام بتطبيق 40 توصية، وهذا ليس بالعدد القليل .

ومن الممكن أن نضع توصيات لجنة بيكر ـ هاملتون على موازين من كافة الأصناف، كما أن الآراء حول بيكر نفسه منقسمة. أنا لا اعتقد أنه ضد “إسرائيل”، قال مسؤول إسرائيلي رفيع كان قد التقى بيكر في أكثر من مرة: من الواضح أن بيكر قد بحث عن “إسرائيل”. قال مسؤول آخر في نفس المرتبة وفي نفس الوزارة الحكومية .

غير أن الكاتب الصهيوني لا يقف عند حد إشعال نار الفتنة بين الفرقاء من صناع السياسة الخارجية الأمريكية، بل يذهب إلى أبعد من ذلك فهو يتهم بيكر اتهاماً شخصياً مباشراً بأنه من المعادين ل”إسرائيل” فيقول بلا مواربة: من يقم بالتعمق في تاريخ بيكر سيضبطه في عدة مفترقات عمل فيها ضد حكومة “إسرائيل”. إلا أن السؤال يبقى على حاله: هل يكره “إسرائيل” أم سياسة الحكومات الإسرائيلية التي وقف ضدها. المجابهة المعروفة كانت بينه وبين حكومة إسحق شامير حول المستوطنات والضمانات وهي قابلة للتفسير، أما بعض تصريحاته الشهيرة مثل فليذهب اليهود إلى الجحيم، فهم لا يصوتون لنا أصلاً، من الممكن أنه تم تضخيمها وأُخرجت عن سياقها. أشخاص أقوياء على شاكلة بيكر يقولون أحياناً في الغرف المغلقة أموراً لا تتلاءم مع قواعد اللياقة والعادات المتبعة .

ولكن ها هو تقليد جديد يتبلور منذ الآن. لدى بيكر دائماً تعليلات جيدة، ولكنها تبقى دائماً في الجانب الآخر من المفترق. بحث عن العراق فوجد “إسرائيل”. كان بإمكانه أيضاً أن يختار شيئاً آخر، ذلك لأنه وإن ساد السلام بين “إسرائيل” والفلسطينيين لأجيال، فإن قوات الولايات المتحدة ستبقى رغم ذلك عالقة تحت نيران الإرهابيين في العراق .

ولكن القضية التي طرحها بيكر في تقريره، الذي كان المسؤول الرئيسي عن مضمونه، جديرة بالتعمق – ومن ثم بالنظر إليها من جديد. إدارة بوش لن تكون أول من يعلق في هذه المسألة. إلى أي مدى يوجد الصراع الإسرائيلي – العربي في مركز الحمام الشرق أوسطي؟ خلال المباحثات التي أجراها كبار المسؤولين في الإدارة الأمريكية أيضاً في الأسابيع الأخيرة وفي الدول العربية سمعوا اللحن الذي يعرفونه من السابق: فلتُبدوا الاهتمام وتتدخلوا في معالجة الصراع الإسرائيلي الفلسطيني. هناك بينهم من يعتقد أن الوقت قد حان فعلاً للفعل، أو على الأقل للظهور في مظهر من يفعل شيئاً .

أمس الأول، مع نشر التقرير، أُلقيت في الهواء مرة أخرى أسماء المبعوثين المحتملين والوسطاء الذين سيحلقون بين العواصم والزعماء. بذلك يقومون بنشر أجواء من التقدم حتى وإن لم تكن ناجعة بالمرة. ربما يكون هذا الوسيط هو بيكر نفسه أو كولين باول أو بيل كلينتون .

بيكر سيفرح بالتأكيد إذا كُلف بهذا المنصب، ولكن من المشكوك فيه أن ترغب وزيرة الخارجية رايس في خطوة تحولها من شخص مركزي إلى هامشي. باول، كما تأكد حتى خلال شغله لوزارة الخارجية لا يفهم شيئاً أو نصف شيء في شؤون الشرق الأوسط. ولكن ماذا عن كلينتون؟ أحد المسؤولين في وزارة الخارجية الأمريكية ضحك عندما سُئل عن ذلك. أولاً، هو لا يفترض أن بوش سيعين سلفه لقيادة مثل هذه العملية، وثانياً، هو لا يعتقد أن هيلاري كلينتون ستسمح لزوجها بشغل منصب حساس كهذا عشية الانتخابات التي تنوي خوضها، وعدا عن ذلك كلينتون لم يعد نفس الشخص الذي قد توسط وفشل في السابق .

ويضيف شموئيل روزنر :

هذه ليست المرة الأولى التي يدفع فيها جيمس بيكر رئيساً أمريكياً لسحب قوات الولايات المتحدة من دولة شرق أوسطية. في عام 1983 بعد أن قُتل 240 جندي مارينز في انفجار هائل في لبنان، كان على رأس من حثوا رونالد ريغان على طي العلم الأمريكي والانسحاب .

وزير الخارجية جورج شولتس وريغان نفسه عارضا هذه الخطوة، إلا أن يد الائتلاف الذي كان في مواجهتهما، بما فيه بيكر ووزير الدفاع كاسبر واينبرغر وبعض أعضاء الكونغرس «ومن ضمنهم بيكر آخر وهو زعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ، هوارد بيكر»، تغلبت في نهاية المطاف .

وريغان، مثل جورج بوش اليوم، اعتبر هذا الانسحاب خضوعاً للإرهاب، إلا أنه اضطر لقبول الواقع والتسليم به. الانتصار الأمريكي المضحك في غرانادا الذي نجح في تكنيس الانطباع الصعب الذي تركته الأحداث في الشرق الأوسط حول الحرب المرة إلى حلوة المذاق، وسمح لريغان بالتوجه المريح نحو انتخابات 1984 من دون أن تطارده ظلال القتلى في لبنان .

ولا يستطيع أحد – في ظل هذا التوجس الصهيوني – أن يتنبأ بما ستؤول إليه توصيات لجنة بيكر – هاملتون! هل ستكتفي واشنطن باعتبارها غطاء مناسباً لانسحاب أمريكي من جحيم العراق؟ أم ستأخذ موضوع إقامة دولتين مأخذ الجد لوضع حد نهائي للتوترات المتجددة في الشرق الأوسط؟!! لا أحد يستطيع التنبؤ !!

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات

جامايكا تعلن الاعتراف بدولة فلسطين

جامايكا تعلن الاعتراف بدولة فلسطين

كينجستون – المركز الفلسطيني للإعلام أعلنت وزيرة الخارجية والتجارة الخارجية في دولة جامايكا، اليوم الأربعاء، أن دولتها اعترفت رسميًا بدولة فلسطين....