الخميس 25/أبريل/2024

إسرائيل في انتظار أهود الأول

إسرائيل في انتظار أهود الأول

“يحتمل أن أكون وصلت في وقت مبكر جدا لمنصب رئيس الوزراء، أخطأت غير قليل، وانعدام تجربتي كان في صالحي، أما اليوم فإني أعرف أنه لا توجد مختصرات للطرق وبالتأكيد في الحياة العامة السياسية والقيادة هي تكليف مشترك وليس مهمة للفرد، لا يكفي للمرء أن ينجح وحده وعلى أي حال فإن العقل السليم والإرادة والكفاءة وحدها لا تكفي لقيادة دولة”.

برسالة الغفران السابقة أعلن رئيس الوزراء الاسرائيلي السابق أهود باراك عن عودته رسميا للحياة السياسية وعن تنافسه على لزعامة وقيادة حزب العمل في الانتخابات التي ستجري أواخر أيار / مايو القادم والتي تعتبر كذلك منافسة وصراعا على منصب وزير الدفاع الذي يتولاه الآن زعيم الحزب الحالي عمير بيريتس.

لماذا قرر باراك العودة الآن إلى الساحة السياسية والحزبية؟ ولماذا استقبل بترحاب هذه المرة بعكس المرة السابقة أي منذ عامين تقريبا عندما استعملت مصطلحات مثل خطوة متعجرفة ووقحة وغير أخلاقية ردا على رغبة باراك في العودة عن اعتزاله العمل السياسي في نهاية تشرين الثاني من العام 2004.

قبل الإجابة على السؤال السابق لا بد من إلقاء نظرة موجزة على تاريخ أو سيرة نابليون الاسرائيلي كما كان يوصف في جيش الاحتلال الذي خدم فيه باراك قرابة الثلاثين عاما حيث حاز على عدد من الأوسمة والنياشين لم يسبق أن حصل عليه أي من القادة أو الضباط العسكريين الاسرائيليين.

أهود باراك أو اهود الأول كما اطلق عليه أحد المعلقين الاسرائيليين قضى معظم خدمته العسكرية في دورية رئاسة الأركان سيرت متكال التي تعتبر وحدة النخبة في الجيش الاسرائيلي وهو أشرف قبلا على عملية فردان الشهيرة والتي قام باراك شخصيا فيها بتصفية ثلاث من قادة الثورة الفلسطينية، العملية التي طالما تباهى بها نابليون الاسرائيلي لدرجة أنه قال بالحرف الواحد أثناء الحملة الانتخابية لمنصب رئاسة الوزراء العام 1999 “رأيت بياض عيونهم يتطاير على قبعتي” وبدءا من العام 1981 ترقى باراك سريعا في جيش الاحتلال عبر تسلمه حزمة من المناصب الرفيعة بدأت بتسلمه رئاسة قسم التخطيط في العام 1981 ثم وحدة الاستخبارات فقيادة المنطقة الوسطى فمنصب نائب رئيس الأركان ورئيس وحدة العمليات إلى أن عين رئيسا للأركان في العام 1999 ليكون رئيس الأركان الرابع عشر في تاريخ جيش الاحتلال الاسرائيلي.
 
في العام 1995 ترك الجيش ليدخل المعترك السياسي مباشرة حيث تولى منصب وزير الداخلية في حكومة الجنرال اسحق رابين الذي تعاطى مع أهود باراك كخليفته ووريثه السياسي سواء في حزب العمل أو رئاسة الحكومة، بعد ذلك تدرج باراك سريعا في المناصب السياسية فتولى وزارة الخارجية في تشرين الثاني نوفمبر 1995 بعد مقتل اسحق رابين ثم وفي 1997 وصل إلى قيادة الحزب بعد اكتساحه لمعظم قادة الحزب آنذاك من أمثال يوسي بيلين وشلوموين عامي وأفرايم سنيه حيث حاز أكثر من نصف الأصوات وفي أيار من العام1995 وصل إلى منصب رئاسة الوزراء بعد فوزه الساحق على خصمه بنيامين نتنياهو إلى أن فقد السلطة والمنصب بطريقة مماثلة ومشابهة في مارس آذار من العام 2001 أمام الجنرال العجوز آرئيل شارون.

سياسيا صنف باراك دائما ضمن الصقور وهو تبنى مواقف يمينية طوال مسيرته السياسية حيث امتنع عن التصويت في العام 1995 على اتفاق أوسلو “ب” واصفا الاتفاق بقطعة الجبنة السويسرية كثيرة الثقوب وعندما تولى رئاسة الوزراء أزاح المسار الفلسطيني عن جدول الأعمال معطيا الأولوية للمسار السوري – اللبناني ليس بحثا عن السلام ولكن على اعتبار أن التسوية على هذا المسار لا تستلزم دفع مقابل أو أثمان باهظة وفي نفس الوقت قد تسمح بدفع المسار الفلسطيني وتجميده إلى أجل غير مسمى وبعد فشل المحادثات مع سوريا التي أشرف عليها وقادها باراك شخصيا وقام بتوريط الادارة الأمريكية في محاولته الحثيثة لإجبار سوريا على التخلي عن بعض الأراضي في هضبة الجولان وإلا تحمل التبعات والمسؤولية عن فشل وتعثر المفاوضات رفع الجنرال الاسرائيلي فكرة أو مفهوم فك الارتباط بالانسحاب الأحادي من لبنان ليس من أجل السلام والرغبة في التهدئة وانما من أجل عزل وحصار سوريا عبر نزع الورقة اللبنانية من اياديها حسب التعبير الاسرائيلي الدارج ومن ثم تقمص دور رجل السلام والتسويات والتنازلات والتوجه للمسار الفلسطيني المنتظر بأرجحية أخلاقية ومعنوية وبتجربة تبين قدرته على تحمل الصعاب وإجبار الجيش الاسرائيلي والساحة السياسية عموما على تقبل الانسحاب من أراض عربية محتلة وهذا ما تم بالفعل بعد فشل المسار السوري في أوائل العام 2000 أجبر باراك الرئيس الأمريكي على عقد قمة كامب دايفيد في الصيف من نفس العام بحجة انه سيطرح على الفلسطينيين صفقة لا يمكنهم رفضها وأن الرئيس بيل كلينتون سيدخل التاريخ من الباب العريض بوصفه الرجل الذي أخرج الحل النهائي للصراع الفلسطيني الاسرائيلي إلى حيز الوجود، وللأمانة فإن الرئيس الشهيد ياسر عرفات كان متيقظا ومتحسبا لهذه النقطة وهو حاول إقناع بيل كلينتون بأن الحل النهائي يحتاج إلى مزيد من الوقت والجهد والحوار والمفاوضات وعندما أصر هذا الأخير على عقد القمة انتزع منه الرئيس عرفات وعدا – لم ينفذ فيما بعد – بعدم تحميل الجانب الفلسطيني المسؤولية والتبعات في حال فشل المفاوضات وهو الأمر الي حدث فعلا حيث رفض باراك طوال اسبوعين تقريبا الجلوس والتفاوض مباشرة مع الرئيس عرفات والوفد الفلسطيني وقدم كل الاقتراحات عن طريق الوفد الأمريكي وحتى هذه كانت مجتزأة وناقصة ولم تكن مرفقة بخرائط وتصورات واضحة المعالم وتضمنت دولة فلسطينية مجزأة غير متواصلة على أكثر قليلا من نصف الضفة الغربية وسيطرة شكلية على الحرم القدس الشريف مقابل التنازل عن حق العودة والتوقيع على صك الحل النهائي للصراع في فلسطين.

الرئيس عرفات رفض الصفقة الملغومة واستثمر باراك هذا الأمر للقيام بحملة إعلامية غير مسبوقة من الأكاذيب والتشهير بحق الرئيس عرفات والفلسطينيين بشكل عام وحين تحدث عن عدم وجود شريك تفاوضي فلسطيني وعن رفعه للقناع عن وجه الرئيس عرفات وفضح مواقفه الحقيقة التي لا تقبل بالحل الوسط وتصر على التدمير الكامل لدولة اسرائيل، الحملة الإعلامية المكثفة تمخضت عن مواقف أو مفاهيم سياسية مستجدة ابتدعها باراك وتمثلت بضرورة فك الارتباط النهائي عن الفلسطينيين وفق مقولة هم هناك ونحن هنا عبر بناء جدار فاصل في الضفة الغربية وتجميع 80 إلى 85% من المستوطنين في كتل استيطانية كبيرة خلف الجدار الفاصل والانسحاب من بقية الضفة الغربية – يديعوت أحرونوت 2004/11/12 – بحجة أن الظروف غير مهيأة وأن ليس من قيادة فلسطينية قادرة على التوصل إلى اتفاق للصراع مع الفلسطينيين وحتى لو وجدت هذه القيادة فإن الشعب الفلسطيني غير مهيأ أو جاهز معنويا ونفسيا لتقبل فكرة الحل النهائي للصراع مع اسرائيل والقبول بها كدولة طبيعية في المنطقة.

بعد فشل مفاوضات كامب دايفيد وبعد حملة الأكاذيب الاسرائيلية وزيارة زعيم المعارضة ارئيل شارون للمسجد الأقصى اندلعت انتفاضة الأقصى التي أعلنت رسميا عن وفاة عملية التسوية بعدما كانت ماتت اكلينيكيا وسريريا في كامب دايفيد، باراك رد بقسوة على الانتفاضة وأطلق يد جيش الاحتلال في مواجهتها بحيث استخدم هذا الجيش مليون رصاصة فقط في الأسابيع الثلاثة الأول من عمر الانتفاضة وحدثت سلسلة من التطورات السياسية في اسرائيل بدأت بانهيار الائتلاف الحاكم بزعامة باراك وانتهت مع هزيمته الساحقة أمام الجنرال أرئيل شارون بعد عجزه عن تحقيق أي من أهدافه وشعاراته المعلنة بالسلام مع السوريين والفلسطينيين خلال خمسة عشر شهرا بل إن وسائل الإعلام تحدثت عن تمهيد باراك التربة امام فوز اليمين عبر تبنيه الحجة اليمينية الأساسية بعدم استعداد الفلسطينيين للسلام والتسوية وسعيهم الدؤوب لتدمير دولة اسرائيل ومع تقبل باراك لحجة ومزاعم اليمين بشكل فعلي اختار الجمهور الاسرائيلي شارون كزعيم وقائد لتنفيذ سياسة اليمين التي أقر باراك واعترف بصوابيتها محطما ما يوصف بمعسكر السلام أو التسوية لدرجة أن أرئيل شارون غالبا ما يقوم بإطراء باراك والثناء عليه مستخدما عبارة “إنه رجل عظيم، ما أروع الأشياء التي قام بها لقد استلقى على الجدار من أجلنا”.

بعد هزيمته قرر باراك اعتزال الحياة السياسية والتفرغ لحياته العملية والخاصة وإلقاء المحاضرات المربحة جدا في الولايات المتحدة وأوروبا عن تجربته العسكرية والسياسية وعندما فكر في العودة للعمل السياسي والحزبي قبل سنتين تقريبا فتحت عليه جبهة النار من كل الاتجاهات ما اضطره سريعا للانسحاب والانزواء غير أن الأمر يبدو مختلفا هذه المرة حيث تنهال عليه عبارات الترحيب سواء داخل حزب العمل أو حتى الساحة الحزبية والإعلامية واعتباره بمثابة المنقذ أو على الأقل أحد المنقذين لإسرائيل من الواقع المزري الذي تتخبط فيه على مستويات عدة وأسباب الترحيب بعودة باراك هذه يمكن إيجازها على النحو التالي:

–  أولا: الفراغ القيادي الذي تعاني منه اسرائيل بعد غياب أرئيل شارون القسري عن سدة الحكم بحيث أن الجلطة لم تصب شارون وإنما أصابت دولة اسرائيل ككل وبعد فشل أهود أولمرت الذريع خلال السنة الماضية تضطر اسرائيل إلى استجداء الأمل والمساعدة أبرزمن قائدين وزعيمين من الجيل الثاني والثالث هما بنيامين نتنياهو وأهود باراك والشعب الاسرائيلي مستعد في ظل الضائقة التي يعانيها لإعطاء الفرصة مرة أخرى للزعيمين الذين لم يعودا شابين ويفترض أن يكونا قد تعلما من أخطائهما وعثراتهما هو الأمر الذي انتبه إليه باراك جدا كما يتضح من رسالة الغفران التي وحهها لأعضاء حزب العمل ضمن خطاب ترشحه للانتخابات القادمة على زعامة الحزب.

–  ثانيا: انهيار مفهوم فك الارتباط أو الخطوات الأحادية بعد تجربتي غزة ولبنان هذا المفهوم الذي كان باراك أحد مخترعيه ومبتدعيه يحتاج إلى تحديث وإعادة انتاج أو ابتداع مفاهيم وبدائل جديدة للمأزق الاسرائيلي في مواجهة المقاومة الفلسطينية وهو الأمر الذي يبدو أهود الثاني أو أهود أولمرت أعجز وأقصر قامة عن القيام به.

–  ثالثا: حرب لبنان التي كشفت ضعف اسرائيل كدولة وكيان وضعف جيش الاحتلال ومكامن الخلل البنوية الهائلة فيه بحيث عجز عن تحقيق الانتصار على تنظيم صغير لا يقارن عدة وعتادا مع الجيش الاسرائيلي، وجدول الأعمال الاسرائيلي العامة تتصدره مهمة إعادة بناء الجيش اوفق أسس مهنية وتنظيمية سليمة هي المهمة التي يرى أعضاء حزب العمل كما عموم الاسرائيليين أن باراك هو الجدير بالقيام بها سواء كرئيس وزراء أو حتى كوزير دفاع وفي الاستطلاع الأخير الذي أجرته يديعوت أحرونوت في صفوف أعضاء حزب العمل ونشرته بتاريخ 2007/6/1 فإن 66% أيدوا تنحي عمير بيريتس عن وزارة الدفاع ورأت أغلبية واضحة بلغت 45% أن باراك هو المرشح الأنسب لهذا المنصب مقابل نسبة اعتقدت أن بيريتس هو الشخص الملائم.

–  رابعا: عجز حزب العمل عن العودة للسلطة منذ هزيمة باراك أمام شارون في العام 2001 وبعد غياب شارون عن المسرح السياسي وسوء أداء أولمرت فإن العديد من أعضاء الحزب كما الاسرائيليين يرون أن الا

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات