الخميس 25/أبريل/2024

الجدل حول كتاب كارتر

الجدل حول كتاب كارتر

صحيفة أخبار الخليج البحرينية

لقد ألف الرئيس الأسبق جيمي كارتر كتاباً صغيراً عن الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، كتاباً صغيراً أحدث عاصفة كبيرة. في معرض حديثه عن كتابه، قال كارتر إنه سعى إلى تحقيق هدفين أساسيين: يتمثل الهدف الأول في جمع مذكراته الشخصية وملاحظاته المبنية على سنواته الأولى مفاوضاً للسلام ثم مراقباً لاحقاً لثلاثة انتخابات فلسطينية متعاقبة .

أما الهدف الثاني فهو يتمثل في فتح الباب في الولايات المتحدة الأمريكية أمام مناقشة المسائل التي يتعين معالجتها حتى يتحقق السلام الدائم بين “إسرائيل” والفلسطينيين. يبدو أن كتاب: «فلسطين: سلام لا عنصرية» قد نجح إلى حد كبير في تحقيق هذين الهدفين.

لقد برع كارتر في سرد هذه القصص وعرضها في شكل حواري ممتع. إن هذا الكتاب يسجل أرقام مبيعات مهمة، كما أنه سهل القراءة إذ أن حجمه لا يتجاوز مائتي صفحة. فخلال الأسابيع الستة الأخيرة ظل كتاب «فلسطين: سلام لا عنصرية» مدرجاً على قائمة نيويورك تايمز للكتاب الأكثر مبيعاً بأكثر من 350 ألف نسخة.

لقد أذكى هذا الكتاب أيضاً جدلاً واسعاً رغم أنه لم يكن دائماً عقلانياً أو جدياً مثلما كان جيمي كارتر يأمل أن يرتقي إلى مستوى جدية الموضوع الجدير بالاهتمام. قبل نشر كتاب: «فلسطين: سلام لا عنصرية» ارتفعت أصوات المناوئين والخصوم التي تركزت اعتراضاتهم في مسألتين اثنتين:

1- عنوان الكتاب الذي يصف الخيارات التي تواجه “إسرائيل” وهي تواصل سياساتها الراهنة. في الحوار الذي أجرته معه شبكة التلفزيون الكندية قال جيمي كارتر: «عندما تحتل “إسرائيل” أرضاً في عمق الضفة الغربية وتربط مائتين أو أكثر من المستوطنات بعضها ببعض بطريق، ثم تمنع الفلسطينيين من استخدام هذا الطريق أو حتى عبوره في الكثير من الحالات فإن هذا يكرس واقعاً أسوأ حتى من الفصل العنصري، أسوأ من ذلك الواقع الذي شهدناه في جنوب إفريقيا».

2- لعل ما زاد من تأجيج الانتقادات الغاضبة ما ذكره جيمي كارتر في خاتمة كتابه عندما كتب يقول: «خلاصة الأمر، لن تنعم “إسرائيل” أو الشرق الأوسط بالسلام ما لم تبد الحكومة الإسرائيلية استعدادها للانصياع للقانون الدولي وخريطة الطريق والسياسة الرسمية الأمريكية وأماني ورغبات أغلب سكانها، وتفي أيضاً بالتزاماتها السابقة عبر القبول بحدودها القانونية.

يجب على كل الجيران العرب أن يتعهدوا بالإيفاء بحق “إسرائيل” في العيش في كنف السلام في ظل هذه الشروط. إنها ستكون مأساة حقيقية – للإسرائيليين والفلسطينيين وكل العالم – إذا رفض السلام وقام نظام قمعي وتم تكريس الفصل العنصري وسادت أعمال العنف».

الملاحظتان اللتان ساقهما جيمي كارتر في آخر كتابه عندما كتب يقول: «تشهد “إسرائيل” دائماً جدلاً إعلامياً وسياسياً قوياً متواصلاً حول السياسات الإسرائيلية ذاتها في الضفة الغربية. وبالمقابل فإنه نادراً ما تدان قرارات الحكومة الإسرائيلية أو يتم التشكيك فيها أو وضعها موضع التساؤل وذلك بسبب القوى السياسية والاقتصادية والدينية ذات النفوذ داخل الولايات المتحدة الأمريكية. هناك أصوات وأطراف في القدس تهيمن على إعلامنا الأمريكي كما أن أغلب المواطنين الأمريكيين لا يدركون حقيقة الظروف الراهنة في الأراضي المحتلة».

إن كلتا الملاحظتين اللتين ساقهما جيمي كارتر في كتابه انبنت على أسس قوية، ذلك أنها تعتبر عصارة تجربة في التعامل مع الصراع الإسرائيلي الفلسطيني على مدى ثلاثة عقود كاملة. عندما كان رئيسا ساهم جيمي كارتر في التفاوض على إبرام اتفاقيات كامب ديفيد. كانت حكومة حزب الليكود بقيادة رئيس الوزراء آنذاك مناحيم بيجن في المراحل الأولى لتنفيذ مشروع استيطان طموح في الضفة الغربية. في ذلك الوقت كان هناك 50 ألف مستوطن إسرائيلي فقط في الأراضي المحتلة وكان أغلبهم يعيشون على طول «الخط الأخضر» (الحدود التي تعود إلى سنة 1967 والتي تفصل “إسرائيل” عن الضفة الغربية إضافة إلى المنطقة المحيطة بالقدس).

استناداً إلى مبادرة الليكود لسنة 1978 فإن الهدف كان يتمثل في تكريس الحق في بناء «دولة “إسرائيل” الكبرى وتحويله إلى واقع» وذلك ببناء المستوطنات ومد الطرقات حول مستوطنات الأقلية (أي الفلسطينيين) إضافة إلى ربط المستوطنات بهدف حرمان الفلسطينيين من أي أمل في التواصل الجغرافي بين أراضيهم.

لقد صوتت الولايات المتحدة الأمريكية للقرار الصادر عن مجلس الأمن الدولي التابع لمنظمة الأمم المتحدة الذي أدان هذه السياسات واعتبرها انتهاكاً صارخاً للقانون الدولي والسياسة الأمريكية أيضاً.

لقد أعاد جيمي كارتر طباعة هذا القرار الدولي بالكامل. لم ترتدع “إسرائيل”، فقد ظلت تصادر المزيد من الأراضي الفلسطينية وتبني المزيد من المستوطنات فحتى خلال فترة أوسلو التي دامت عقداً كاملاً «عقد أوسلو» ظلت المستوطنات اليهودية تزداد ويتضاعف حجمها إضافة لربط هذه المستوطنات ب”إسرائيل” وفرض مزيد من القيود على حرية الفلسطينيين في الحركة.

هناك اليوم قرابة نصف مليون مستوطن في الضفة الغربية والقدس الشرقية. على عكس غزة فإن أكثر عروض السلام الإسرائيلية سخاء أو كرما تشدد على ضم الجزء الأكبر من المشاريع السكنية الإسرائيلية في الضفة الغربية، باعتبارها «واقعاً ميدانياً لا رجعة فيه». أما الجدار (أو «الحاجز» كما يفضل الإسرائيليون تسميته) فقد صمم من أجل إغلاق هذه المستوطنات والطرقات والأراضي المحيطة بها وإلحاقها ب”إسرائيل”.

انطلاقاً من الطبيعة الطوبوغرافية للضفة الغربية وتأثير الجدار في الحياة اليومية الفلسطينية، فقد أوضح جيمي كارتر في كتابه «فلسطين: سلام لا عنصرية» أنه لو استمرت “إسرائيل” في تنفيذ خطتها الراهنة فإن النتيجة النهائية ستكون أشبه ما تكون بإقامة بانتوستان غير ذي أهمية، أو أسوأ من ذلك بكثير.. سيكون الأمر أيضاً أشبه بمراكز الاعتقال التي سيسجن بداخلها الفلسطينيون ويعيشون حياة الفقر واليأس والغضب محرومين من حرية بناء اقتصادهم وتنميته حتى من حرية السفر من مكان إلى آخر.

هذا ما سماه جيمي كارتر الفصل العنصري. إذا كان الوصف الذي قدمه جيمي كارتر للنهاية المنطقية للسياسة الإسرائيلية قد أزعج منتقديه، فإن ما أثار سخطهم العارم قوله: إنه لا يمكن التعرض بكل حرية للسياسة الإسرائيلية ومناقشتها في الولايات المتحدة الأمريكية.

إن الغضب الشديد الذي رد به هؤلاء المنتقدون الفعل قد أكد هذه الفكرة التي عبر عنها جيمي كارتر في كتابه. قبل صدور الكتاب راح الزعماء السياسيون ينأون بأنفسهم عن الرئيس الأسبق جيمي كارتر. أما أغلب الجماعات والقادة الموالين ل”إسرائيل” فقد أصدروا بيانات نددوا فيها بشدة باستخدام عبارات عنيفة ومخجلة وذلك في محاولة منهم للاستهزاء بجيمي كارتر والحط من شأنه والتحقير به. فقد اعتبر جيمي كارتر وكتابه «غير لائقين» و«مشينين» و«معاديين للسامية» و«مخجلين ولا مسئولين» و«مثيرين للشفقة» و«جارحين للمشاعر». لم يتم بطبيعة الحال التخطيط لكل هذا كي يكون جزءاً من الجدل، بل إنه كان محاولة صارمة لإسكات أي نقاش للكتاب وعزل جيمي كارتر عن الخطاب السياسي الطاغي.

إن الحقيقة المرة التي تنبثق من كل هذا هي أنه في الوقت الذي تريد فيه “إسرائيل” السلام بشروطها، وتحدد «خطوطها الحمراء» غير القابلة للتفاوض وتستبعد كل شيء آخر، فإنه يبدو أن أنصارها ينسجون أيضاً على منوالها نفسه ولا يسمحون بالنقاش السياسي للصراع إلا وفق الشروط التي يعدونها مقبولة. كنتيجة لذلك فإن حالة الإحباط والاستقطاب تتفاقم سواء في منطقة الشرق الأوسط، أو هنا داخل الولايات المتحدة الأمريكية .

* رئيس المعهد العربي الأمريكي

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات

مقررة أممية تدعو لفرض عقوبات على إسرائيل

مقررة أممية تدعو لفرض عقوبات على إسرائيل

عمان – المركز الفلسطيني للإعلام  أكدت مقررة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان المعنية بالأوضاع في الأراضي الفلسطينية المحتلة، فرانشيسكا ألبانيز، أن...