الخميس 28/مارس/2024

حماس وحصاد عام في السلطة

حماس وحصاد عام في السلطة

صحيفة البيان الإماراتية

فور تزكية الناخبين لحركة حماس في الانتخابات التشريعية الفلسطينية يوم 25/1/2006 بادرت قوى كثيرة، معنية بما بعد هذه النتيجة، بوضع شروط تعجيزية يفترض أن تلتزم بها هذه الحركة وهي بصدد تشكيل حكومة السلطة لأجل قبول التعامل معها والانفتاح عليها. حدث ذلك من جانب “إسرائيل” والرباعية الدولية وبعض العرب والفلسطينيين حتى قبل أن تُعلن حماس الكيفية التي تفضل بها هذا التشكيل. وهكذا بدا الأمر أقرب إلى مفهوم الحرب الاستباقية ولكن بطبيعة سياسية ظاهرة هذه المرة .

ويبدو أن حماس أخذت هذه الإشارة التهديدية بالجدية اللازمة. هذا ما يفهم من عرضها المبكر بتأليف حكومة وحدة وطنية مع آخرين في المجلس التشريعي الجديد، رغم أهليتها للانفراد بمؤسسة الحكومة بلا شركاء قد يناكفونها ويزعجون برامجها وسياساتها. لكن معرفتها بحجم معسكر المتربصين بها والمصدومين بمكانتها الجديدة في الداخل والخارج، جعلها تُقِدمُ على هذا الخيار النادر .

على أن حماس لم تكن وحدها المهجوسة بهذه المعرفة. هناك ما يؤكد أن بقية شركائها في النظام قد أرقهم الهاجس ذاته، ولذا فإنهم استقبلوا دعوتها بمزاج راوح بين الفتور والتبلد والرفض لأسباب يمكن تخطيها لو صدقت النيات. وكان التصور الذي حفز معظم هؤلاء أنه لا حكمة في التحالف مع حركةٍ لن تصمد حكومتها طويلاً أمام خصوم يكيدون لها في الداخل وأعداء يقاطعونها في الخارج. وأن الأسلم لهم أن يكتفوا بمراقبة تجربتها (قصيرة العمر) عن بعد، بدلاً من حرق أصابعهم معها .

في ضوء هذه البيئة والمواقف الضاغطة شكلت حماس حكومة السلطة. ولأن موازين القوى كانت، ولعلها ما زالت، مُختلة بشدة لغير صالح حماس وحكومتها، فقد قيل إن هذه التجربة لن تعمر أكثر من ثلاثة أشهر. كيف لا وقد زج خصوم هذه الحكومة وأعداؤها بكل أسلحتهم وعتادهم في الحرب :

المقاطعة المالية والاقتصادية والسياسية؛ التضييق القانوني وسحب الاختصاصات إلى مؤسسات أخرى تشبه الحكومة الموازية؛ عدم تقيد الأجهزة البيروقراطية والأمنية بالتوجيهات الحكومية؛ الحملات الإعلامية الدعائية المضادة للحكومة بل والتهكم عليها؛ استثارة قطاعات وظيفية للاحتجاج على الحكومة بصفتها مسؤولة عن حجب الرواتب والمخصصات؛ إشاعة الفوضى والفلتان الأمني بوتيرة متصاعدة.. هذا ونحوه إلى جانب الضغوط والاعتداءات المسلحة الدموية التي طالت كل شيء فلسطيني وتكفلت بها “إسرائيل” بغطاء خارجي أميركي وأوروبي .

نقول، كان التوقع أن تنهار «حكومة حماس» تحت وطأة هذا الهجوم متعدد المحاور قبل نهاية ربيع 2006. هذا أو تستسلم هذه الحكومة لشروط «المجتمع الدولي»: الاعتراف بـ”سرائيل” وبالاتفاقات الفلسطينية الإسرائيلية السابقة ونبذ الإرهاب (المقاومة المسلحة)!. لكن الحكومة لم تسقط ولم تخضع لهذه الشروط. ومع أن أحداثاً جساماً وقعت بالجوار في غضون هذا العام، إلا أن جدل صعود حكومة حماس ومحاولات إسقاطها أو إفشالها بالتي هي أسوأ، ظل منافساً لما عداه كالحرب الإسرائيلية على لبنان وتعقد المسألة العراقية .

ونحسب أن الذي امتحن خلال هذا العام ليس فقط مستوى مهنية حماس وقدرتها على الحكم والسياسة في أجواء مأزومة، وإنما امتحنت أيضاً طاقة الشعب الفلسطيني على تحمل الحصار المطبق، وصدقية دعوى الديمقراطية لدى كل المنشغلين بالشأن الفلسطيني وبخاصة على الصعيد الدولي .

ومستوى انصياع النظام العربي للضغوط الأميركية والأوروبية، ومرادات المانحين الدوليين الحقيقية من وراء دعمهم للسلطة الفلسطينية وشعبها. ومن قراءة الواقع والأدبيات التي أشبعت هذه الاختبارات تحرياً على مدار العام، نجتهد بالتالي :

أولاً: يجترئ على الإنصاف من يدفع بأن حماس فشلت تماماً في إدارة هموم النظام الفلسطيني. إذ لم تتهيأ لهذه الحركة ولا لحكومتها البيئة المواتية ولا الموارد المناسبة كي يقال إنهما نجحا أو أخفقا على الصعيدين الداخلي والخارجي. ولعل غير حماس في غير ظروفها الاستثنائية ما كان له أن يفلح في موقعه فيما لو قدر له الوقوع في أحابيل ما وقعت فيه هذه الحركة .

ثانياً: حماس، كالآخرين، فوجئت بثقة الناخبين الفائضة والمسؤولية الملقاة عليها على حين غرة. لكن ذلك لا يكفي كذريعة لتلعثمها الواضح في الوفاء باستحقاقات هذه المسؤولية. فمن يخض الانتخابات عليه أن يتوقع الظفر ويتأهب مسبقاً لتداعياته، لا أن يهرول لاحقاً إلى «أدوات تجريبية» لتذليل ما يواجهه من صعوبات، محملاً شعبه أعباء كبيرة .

ثالثاً: حاولت حماس توكيد أهليتها للمكانة الجديدة بكل ما أوتيت من وسيلة.. وهى نازلت مناوئيها الكثيرين والأقوياء على أكثر من جبهة، الأمر الذي أنهكها وربما يكون أجبرها على الانصراف عن مسار المقاومة المسلحة. ولأنها لم تقبل على علاتها شريكاً كاملاً على مسار التسوية السياسية، فإنها بدت بعيدة عن المقاومة والمفاوضة معاً. الأمر الذي ربما أضر صورتها وشعبيتها .

رابعاً: رغم وطأة الحصار الذي ضرب على حماس وشعبها، لم يفقد سواد الفلسطينيين ثقتهم في أن حماس وحكومتها ليسا المسؤولين مباشرة عن تجويعهم وأن المقصود هو تركيعهم سياسياً. وجراء الحصار، انفضحت عورات الوضع المالي والاقتصادي للسلطة وأطلت دعوات البحث عن أسباب هذه الاعتمادية المفرطة على المانحين الدوليين وكيفية درء مخاطرها .

خامساً: لا صحة للادعاء بأن منهجية حماس وبرنامجها الحكومي ثبطا عملية التسوية الفلسطينية. فقد كانت هذه العملية متعثرة أصلاً، كما مر عام بكامله على رئاسة محمود عباس الموصوف بالاعتدال والمرونة قبل تشكيل حكومة حماس ولم تتحرك التسوية قيد أنملة. ومن ثم، لا مسوغات معقولة للزعم بأن “إسرائيل” كانت بصدد تشغيل مفاوضات جادة مع الطرف الفلسطيني فيما لو أصغت هذه الحكومة للشروط متعددة المصادر .

سادساً: استئناف البعض ضد نتائج «انتخابات 2006» عبر الاستفتاء أو الانتخابات المبكرة لن يشفي الحالة الفلسطينية المأزومة، بل ربما كان العكس هو الأصح. فالاختراقات القانونية والأخطاء السياسية المترتبة على هكذا طرق التفافية، قد تفاقم الوضع الفلسطيني إلى هاوية الاقتتال الداخلي غير المنضبط. ولا توجد ضمانة يقينية بأن إزاحة حماس سيتلوها انتعاش قضية التسوية .

وعليه، يبقى خيار الوحدة الوطنية أكثر مأمونية للسلم الأهلي داخلياً وتمتين البيت الفلسطيني في مواجهة الاستقواء الإسرائيلي خارجياً .

كاتب وأكاديمي فلسطيني

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات