الأربعاء 08/مايو/2024

أصل القضية (2 نوفمبر 1917م)

أصل القضية (2 نوفمبر 1917م)

المصريون

في ذكرى وعد بلفور المشئوم الحادية والتسعين التي تُظلِّلنا ذكراه هذه الأيام، يجدر بنا أن نتذكَّر أصل القضية الفلسطينية بعد المتاهات التي أوصلتنا إليها النظم والحكومات العربية، والتي انفصلت عن تمثيل شعوبها أو التعبير عن أمانيها وأحلامها، فضلاً من تحقيق الحد الأدنى من العيش الكريم لها.

ولماذا نتذكر الآن أصل القضية؟.. لأننا نعيش مرحلةً حرجةً يريد البعض منا -من بني جلدتنا- من قادة الشعب الفلسطيني المُبتَلى بهم أن يسلم للعدو الصهيوني بأكثر من أحلامه وأمانيه، وأن يسوِّق الوهم لنا نحن.

ولأننا مُقبلِون على حوار المصارحة والمصالحة بين الفصائل الفلسطينية، والذي تحتضنه القاهرة، وتريد أن تُمليَ فيه (كما يروِّج فريق رام الله في منظمة فتح) أجندةً إلزاميةً على ممثلي الشعب الفلسطيني، ويبدو فيه النظام المصري منقسماً على نفسه بين تصريحات أبو الغيط المستفزِّة لحركة حماس وللشعب الفلسطيني في غزة، وجهود عمر سليمان الحثيثة للتقريب بين وجهات النظر والوقوف على الحياد.

وفي هذا الصدد يبدو الموقف المصري مريباً؛ فقد يفقد آخر أوراقه الإقليمية إن استمرَّ على هذا التصعيد ضد حماس في الإعلام، والاستمرار في حصار غزة وتجويع أهلها بمنع كل صور التضامن معها؛ ففي الوقت الذي تصل فيه سفينة الأمل لتكسر الحصار الظالم على غزة، وعليها هذه المرة عربٌ وفلسطينيون من الضفة والشتات، تمنع أجهزة الأمن المصرية، بالقوة والاعتقال والتعذيب، عشرات ومئات المصريين المسالمين الذين يريدون كسر الحصار سلمًا من خلال التوجه إلى رفح المصرية، فهل يريد النظام من القوى الوطنية أن تكرِّر تجربتها مع الفلسطينيين فتذهب على المراكب والسفن إلى غزة من خلال المياه الوطنية، وإن تعذَّر ذلك عليها فلتذهب إلى قبرص لتكون الفضيحة المصرية مدويةً بين الأمم والشعوب؟!!

وعندما يصل الأمر بالرئيس المصري إلى أن يصرِّح بأن الجهود المصرية لإطلاق سراح الجندي الصهيوني “شاليط” مستمرة ولكنها ستتأخر بسبب الانتخابات الصهيونية، ثم يقوم الإعلام المصري بتعديلات على التصريح ليكون: إن الجهود المصرية لإطلاق سراح الأسرى الفلسطينيين ستتأخر، ويطمئن الرئيس أسرة “شاليط” بأنها ستتلقى عن طريق مصر رسالة من ابنها الأسير؛ وذلك بعد أن سبق وسيط فرنسي بتسليم رسالة من الجندي توضِّح أن الجهود الصهيونية والفلسطينية قد بدأت بالفعل في البحث عن وسيط جاد ومحايد وحريص على إطلاق سراح الأسرى جميعاً؛ فهذا يدل على مدى التخبط الذي وصلت إليه السياسة المصرية في ملفٍّ إستراتيجي هو آخر ما يملكه النظام بعد أن تبخَّرت بقية الملفات من بين يديه؛ من العراق التي أصبحت في الحوزة الإيرانية والتركية، ودارفور بالسودان التي لم يعد لنا فيها تأثير يذكر، ودخلت قطر على الخط، ولبنان التي وصلت فيها فضائحنا إلى استقبال القاتلين المُدانين، ونُحجِم عن الاتصال بالمقاومين الشرفاء، وغيرها من الملفات الخطيرة.

هذا في الوقت الذي أدرك فيه الأردن (ملكًا وحكومةً واستخباراتٍ) خطورة الانقطاع عن الاتصال بحركة حماس، وبدأ الدفء يدب في العلاقات، وانعكس ذلك على تخفيف التوتر مع الحركة الإسلامية الأردنية.

فهل يكون الموقف العصبي والعنيف والاستئصالي ضد الإخوان المسلمين سبباً في كل ذلك الاضطراب في ملفٍّ بخطورة الملف الفلسطيني والوقوف ضد أطماع العدد الصهيوني؟ وهل يصل الأمر إلى معاداة أهل الوطن والبلاد من أجل علاقات متميزة منبطحة مع العدو الصهيوني؟ ولأي هدف يكون ذلك؟ أمن أجل التوريث والانتقال الآمن للسلطة الذي يدرك البعض صعوبته أو استحالته بسبب الرفض الشعبي المتواصل والمتصاعد ضده؟

ونتذكر معاً أصل القضية الفلسطينية مع تعاظم المخاطر التي تحيق بالمسجد الأقصى الشريف الذي تركناه- ويا للأسف- لفلسطينيي الأرض المحتلة عام 1948م بقيادة شيخ الأقصى “رائد صلاح” الذي يطارده العدو ويغلق مؤسساته لحماية الأقصى ويمنع رحلاته الأسبوعية للصلاة في الحرم المقدسي، ويخطط لإقامة الكنس اليهودية في قلب الحرم وأسفله، ويصادر المقابر الإسلامية التاريخية ليسلمها للجمعيات الصهيونية المتطرفة.

ونعيش معاً أصل القضية مع تنامي الروح العنصرية الصهيونية والتطرف اليهودي الذي لا يهاجمه أحد ولا يتصدى له أحد، ضد أهلنا في الأرض المحتلة في عكا، والذي سينتقل إلى حيفا ويافا وعسقلان وغيرها بذرائع واهية، مثل انتهاك حرمة السبت، بينما ينتهك المتطرفون اليهود حرمة الأقصى وحرمة الحرم الخليلي بالخليل، وحرمة الدماء الفلسطينية والعربية، ويقتلون الأطفال ويحرقون المزارع ويمنعون المزارعين الفلسطينيين في الضفة الغربية من جَنْي محصول الزيتون؛ مما يهدد بتهجير قسري جديد (ترانسفير) في إطار الخطط التي يتبنَّاها محمود عباس وفريقه المفاوض الذي يعيش “الحياة مفاوضات” لتبادل الأراضي وتبادل السكان.

إن أصل القضية بدأ مع وعد بلفور الذي حقَّق أحلام الحركة الصهيونية بإقامة وطن قومي لليهود الذين عانوا في أوروبا من تعصب المسيحيين الغربيين، وكانت البدائل أمام الحركة الصهيونية عديدة؛ من الأرجنتين، إلى أوغندا، إلى فلسطين، لكن للبعد الديني والبعد الاستعماري والبعد الوظيفي الذي أرادته الدولة الاستعمارية في ذلك الوقت، اختارت فلسطين لتكون أسطورة “أرض الميعاد” و”لن أنساك يا أورشليم” هي المحفِّز لهجرة آلاف اليهود من غير الصهاينة، وتلاقت أهداف الحركة الصهيونية مع أهداف الحركة الاستعمارية لتستوليَ على أرض فلسطين وتشرِّد شعبها تحت وهم “أرض بلا شعب لشعب بلا وطن”، في الوقت الذي لم يَقُمْ فيه العرب والمسلمون والمسيحيون الشرقيون بأي اضطهاد ضد اليهود، بل تعاملوا معهم بتسامح كما يأمرهم الإسلام والمسيحية.

وكان ضحية المؤامرة الخبيثة الإمبراطورية العثمانية، وتقسيم الوطن العربي وتسليم الحكم لنخب متغربة معزولة منفصلة عن شعوبها وحضارتها وتراثها، ثم تعويق أية مسيرة ديمقراطية بانقلابات عسكرية ونظم ثورية اشتراكية فشلت في تحقيق التنمية والعدالة الاجتماعية، وعندما أدركت الشعوب العربية والشعب الفلسطيني أن الإسلام هو الحل، وأن ذلك يبدأ بإدراك أصل القضية وتحرير الإرادة العربية والإسلامية وإسقاط وَهْم التغريب والتحديث والنهضة على النمط الغربي الأوروبي أو الأمريكي، كانت المؤامرات المتواصلة ضد الحريات العامة وضد الانتخابات الحرة وضد الحركة الإسلامية، واستدراج فصائل منها للتطرف والغلو والعنف وإلصاق ذلك الاتهام الظالم بكل المسلمين ووصف الإسلام نفسه بالإرهاب.

وبدأت الحرب على الإرهاب، واستمرَّت طوال 7 سنوات عجاف، وقد آذنت بانتهاءٍ وفشلٍ، وها نحن نرى طالبان تسيطر على ثلثي أفغانستان وبوش الابن يغادر البيت الأبيض مُكلَّلاً بالفشل، ويتهيَّأ البيت لأول رئيس أسود في التاريخ الأمريكي الذي لا ندري هل ينجح وهل يمر وهل يستطيع تغيير أمريكا لتعود إلى الاتزان بعد حقبة التعصب والعنصرية والأصولية المسيحية التي بدأت مع ريجان، ووصلت ذروتها مع بوش الابن.

لنتذكَّر أصل القضية لنعرف ثوابت المطالب الفلسطينية والحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، فلا نفرِّط فيها، بينما يصل إدراك العدو إلى استحالة إقامة مشروع الصهيوني على أرض فلسطين، وعندما يخرج العدو من غزة ثم يدرك استحالة السيطرة على الضفة الغربية فنحن أمام متحولات تاريخية لا يجوز معها التفريط في الحقوق الفلسطينية على يد نظمٍ لا تمثِّل شعوبها ولا تملك التنازل عن الحق الثابت.

لئن انهزمت النظم والحكومات أمام الأعداء؛ وذلك بسبب الهزيمة النفسية أساساً، ودخلت في محاورة لخدمة مخططات العدو الصهيوني، فإن الشعوب ما زالت حيةً وتفيض بالمقاومين والشهداء، وسنبقى ندرِّس لأولادنا وأحفادنا أصل القضية.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات