عاجل

الثلاثاء 23/أبريل/2024

برلمانيونا وغزة

برلمانيونا وغزة

صحيفة الخليج الإماراتية

زيارة وفد البرلمان الأوروبي لمقر المجلس التشريعي في قطاع غزة المحاصر تحمل أكثر من مغزى وأكبر من دلالة وأعمق من معنى. التحرك البرلماني الدارج بين المجالس الممثلة للشعوب في خطوط موازية لسياسات الحكومة. هي ليست مجرد بداية للعلاقة الحقيقية بين البرلمانين الأوروبي والفلسطيني، كما قيل، وليست قليلة الأهمية بوصفها جاءت مؤخراً كما قال العدميون وقطاع الرزق. فالوفد عبر عن استيائه إزاء الأوضاع المتدهورة في القطاع جراء الحصار المضروب عليه، وأن تصدر كلمة استياء أوروبية من “إسرائيل”، مبادرة جريئة لا يوازيها سوى فرض عقوبات على إحدى الدول “الغلبانة” التي تستحق العقوبات توطئة للغزو إذا تجرأت على تخصيب كلمة “لا” في مفاعلاتها السياسية، لأن هذه الكلمة لها ترجمة خاصة في القاموس الأمريكي وهوامشه الأوروبية، ومعناها “محور الشر”، ولا تنسوا أن مصطلح “الشر” ذا البعد الديني كان من نصيب الاتحاد السوفييتي، ونحن، بسذاجة، صدقنا وانتظرنا نزول الخير مع هطول المطر عندما انهار، إذ هل يبقى سوى الخير عندما ينهار الشر؟ لكن المطر بقي موسمياً بينما الخير المنتظر لم يأت، وهطل منه شر مطلق لم يجد بعد الاتحاد الراحل من يرده ويشهر الحذاء في وجهه.

ولأن هذا الزمن هو غير ذاك الزمن، فإن من عدم اللياقة أن نقلل من شأن زيارة الوفد البرلماني الأوروبي لبقعة محاصرة ظلماً ويجوع أهلها من دون ذنب ارتكبوه اللهم إلا إذا اعتبرت التعبير الحر عن الذات أمام صناديق الاقتراع ذنباً لا يغتفر ويدخل صاحبه جحيم الحصار. رئيس الوفد كريك كارييكوس قال إنه سيحمل رسالة إلى الاتحاد الأوروبي تطالب برفع الحصار وتمكين الشعب الفلسطيني من العيش بسلام. شيء رائع، لكن هل يعرف كارييكوس أن السلطة التنفيذية للاتحاد لن تقدم على خطوة كهذه من دون استشارة “إسرائيل”؟ ومن اللافت أن كارييكوس طالب الآخرين أن يخطوا خطوات مماثلة لرفع هذا الحصار، وذكر من يهمه الأمر أنه “لا يمكن القبول بحصار شعب لخياره الديمقراطي فقط”، فهل يحل هذا التوضيح فزورة “الآخرين” الذين يطالبهم بالعمل على رفع الحصار؟. من هم الآخرون؟ وهل يجرؤ على أن يعني دوله الأوروبية ولا يقصد زملاءه البرلمانيين العرب الذين ملأوا أدراجهم ببيانات الشجب والاستنكار والتنديد والإعراب عن الأسف الضحل والعميق ظناً منهم أن طحن البيانات ربما ينتج الدقيق لجوعى غزة؟ أحد الظرفاء علق باختصار جازم حاسم قاصم “كل واحد يقلع شوكه بيده”. عظيم هذا الوضوح، لكن الأعظم منه البناء عليه، فإذا كان الأمر كذلك، لا داعي لمصطلح “العرب” اللفظي الذي فقد ترجمته المادية ولنفكك الجامعة العربية ونضع نقطة في آخر سطر القمم العربية، ولنحول لهجاتنا إلى لغات محلية.

هذا الكلام همس بأذن بعض القلة من “الظرفاء”، لكنه يستفز سواد الأمة من دون أن يقوض إيمانها بعروبتها وقوميتها، وإن فتن المفتنون وكره المحبطون. لكننا من حقنا أن ندس موازين الحرارة في أفواه البرلمانيين العرب الذين رأوا الناطقين بكل اللغات باستثناء الضاد يلاطمون أمواج البحر وتهديدات “إسرائيل” لكسر حصار غزة وهم لا يكتفون بالبيانات التي تعفنت في أدراجها. متى نتعلم أن الأسلوب المجرب مرتين من دون جدوى لا يصلح ثالثة؟ ماذا سيحصل لو ركب وزراء الخارجية العرب حافلة مكيفة وعقدوا العزم على عقد اجتماعهم في منزل الراحل ياسر عرفات في غزة؟ ستمنعهم “إسرائيل” من اجتياز معبر رفح، حسناً فليعتصموا ساعة عند المعبر ويعودوا أدراجهم، وليكن ذلك أحد الملفات الجديدة الذي يقدمونه للعالم.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات