الجمعة 29/مارس/2024

مباريات بالأصوات الحية

مباريات بالأصوات الحية

صحيفة الخليج الإماراتية

عندما كان العالم كله منهمكاً في متابعة المباراة الأمريكية الكبرى بالأصوات الحية، كان الفلسطينيون في غزة ينهمكون في شيء آخر تماماً، هو دفن ستة شهداء سقطوا في ربع الساعة الأخير من تلك المباراة وفي هزيع الليل العربي الذي لا تلوح له نهاية.

لقد قتل الفلسطينيون وشردوا في زمان جمهوري وآخر ديمقراطي، وأثناء حكم حزب العمل وأثناء تولي الليكود قيادة الدولة العبرية، يموتون بالجملة أو بالتقسيط تحت كل العناوين والشعارات، لم يسعفهم الديمقراطي كلينتون عندما زارهم ورأى بأم العين دمهم يسيل في الشوارع، ولم يحرك الجمهوري بوش ساكناً عندما رأى بالعين المجردة الجريمة بكامل عناصرها على الأرض.

إن ما نعنيه هنا وقبيل إعلان النتائج للانتخابات الأمريكية ليس خلطاً للأوراق، أو مساواة بين مرشحين يمثل كل منهما اتجاهاً في التاريخ والثقافة والجذر، لكن الرهان على أي مخلّص أو سلفادور بلغة أهل أمريكا اللاتينية يأتي من واشنطن هو بمثابة الاغتسال في السراب، أو انتظار العسل من الذباب أو الغراب.

فالمصالح الكبرى هي ما يحرك الدمى على المسرح، يميناً ويساراً، ومن كل الجهات خصوصاً إذا كان الغرماء الأمريكيون يختلفون حول كل شيء إلا حول الانحياز للدولة الصهيونية، والتبشير بتهويد القدس وتوحيدها عاصمة أبدية لليهود.

المفارقة هي أن العرب الذين يعيشون في هذه الأيام مواسم انتخابية يشيحون بوجوههم وأسمائهم عن كل ما له صلة بالأخبار المحلية، وكأن الانتخابات في أريزونا وكاليفورنيا والينوي وفلوريدا هي التعبير الأدق عن الانتخابات العربية كلها من الماء إلى الماء.

قد يقول البعض إن من سيفوز لحكم أمريكا هو من سيفوز في حكم هذا الكوكب لهذا يتم تهميش كل ما هو خارج ذلك المدار الأمريكي، وحقيقة الأمر أن العرب لا ينظرون إلى تجاربهم الانتخابية بجدية، وها هو الاستخفاف يصل ذروته في لحظة المفاضلة بين متابعة ما يحدث في عالمنا العربي وما يحدث وراء البحار.

والمفارقة الأخرى هي أن هناك من يرون بأن فوز ماكين أو أوباما سيبقى أمراً ثانوياً إزاء حدث أهم، هو مغادرة جورج بوش للمسرح السياسي، فالسنوات الثماني التي تحولت إلى سلسلة من الكوابيس بدأت بالدم وانتهت بالمال وأزمات الأعاصير من مختلف الأشكال بلغت نهايتها الآن.

لهذا يستحق الأمريكيون الشكر والعرفان على شيء وحيد فعلوه هو ألا يكون لرئيس من طراز جورج بوش الابن فترة رئاسة ثالثة أو سادسة.

الفلسطينيون الستة الذين استشهدوا في الهزيع الأخير من ليل العرب، ومن ليل الانتخابات الأمريكية، لم يظفروا بأكثر من نبأ غير عاجل في أسفل الشاشات وبالخط الذي تحتاج قراءته إلى مجهر.

إن لهذا الكرنفال الأمريكي بعداً آخر وما يحدث خارج الشاشات أخطر وأهم مما تعرضه هذه الشاشات التي تبحث عن أية مناسبة دولية تنقذها من البطالة.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات