الجمعة 19/أبريل/2024

جدلية الصواريخ والمحارق

جدلية الصواريخ والمحارق

صحيفة البيان الإماراتية

المؤسف أن “إسرائيل” نجحت إلى حد كبير في صناعة “قصة الصواريخ الفلسطينية” وكأنها هي المشكلة والمفتاح لكل شيء، فالجدل الفلسطيني والعربي معه، إلى جانب الغطاء السياسي والإعلامي الدولي لـ “إسرائيل” بمنحها “حق الدفاع عن النفس” في مواجهة الصواريخ الفلسطينية، بات هو الذي يتسيد عملياً المشهد السياسي الفلسطيني – الإسرائيلي برمته، والمؤسف أن بعض الفلسطينيين والعرب أيضاً أوقعوا أنفسهم عن عمد ووعي أو عن غير عمد في مأزق الصواريخ، وأصبحوا يتعاملون معها بالمنطق الإسرائيلي ذاته.

ولكن مع مفارقة عجيبة، فبينما تعتبر “إسرائيل” أن الصواريخ فعالة وإرهابية وتشكل تهديداً وتخلق توازن رعب بين الطرفين، يقول الفلسطينيون والعرب المعارضون لها إنها “صواريخ عبثية” ليس لها أي تأثير حقيقي على “إسرائيل” وأنها إنما تشكل ذريعة ل”إسرائيل” لمواصلة اجتياحاتها واغتيالاتها ومحارقها، فهل الأمر كذلك يا ترى؟ وهل تحتاج “إسرائيل” حقاً إلى ذرائع؟!

الكاتب الإسرائيلي المعروف “ب. ميخائيل” وصف مبررات “المحرقة” الإسرائيلية في يديعوت أحرونوت 28/2/2008 ب “الوقاحة الإسرائيلية في أبهى صورها”، بينما تحدث الكاتب الإسرائيلي تسفي بارئيل في هآرتس العبرية 3/3/2008 حول ذريعة “الصواريخ” وعن دور العرب والمثقفين العرب في تسويغ “محرقة إسرائيل” ضد الفلسطينيين فيقول: “إن الصمت العربي الرسمي وتعليقات بعض المثقفين العرب على الحملة الإسرائيلية في قطاع غزة ينظر إليه في “إسرائيل” على أنه “قبول عربي” بتلك الحملة وكأنها تستهدف حركة المقاومة الإسلامية “حماس” وليس كافة سكان غزة.

ولفت بارئيل الانتباه إلى تحميل وزير الإعلام الفلسطيني رياض المالكي حركة حماس المسؤولية عن توفير المسوغات ل”إسرائيل” من أجل شن حملتها العسكرية على غزة، وأكد بارئيل “أن مثل هذه التصريحات فسرت في “إسرائيل” على أنهما “دعم فلسطيني لما تقوم به “إسرائيل” ضد الفلسطينيين في غزة”، إلى ذلك لنقرأ ابرز ما يقولون هم أنفسهم حول نواياهم وأهدافهم الحقيقية:

فها هو رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت يعلنها صراحة “إن القوات الإسرائيلية ستواصل شن العمليات العسكرية في قطاع غزة” مشيراً إلى “أن الحملة العسكرية التي انتهت فجر 1/3/2008 ليست الأخيرة”، مؤكداً: “أن الحملات العسكرية تهدف إلى زعزعة سلطة حماس كي لا تتمكن من إدارة الشؤون اليومية في قطاع غزة”، و”أن كل شيء على طاولة المباحثات، عمليات برية، وجوية وعمليات خاصة” المصادر العبرية” 3/3/2008″.

أما حاييم رامون نائب أولمرت في الحكومة فيعلنها بدوره: “لا سلام خلال العام 2008” و”حكم حماس سيسقط خلال أشهر11/2/2008″، في حين يقر وزير الدفاع الإسرائيلي أيهود باراك لأول مرة بشكل علني “أن هدف العمليات العسكرية هو إسقاط حكومة حماس 2/3/2008”.

وعلى نحو مكمل ذكرت القناة التلفزيونية الإسرائيلية العاشرة مساء الأربعاء 5/3/2008 “أن وزير الدفاع إيهود باراك يدرس حالياً خطة عسكرية تشمل إخلاء سكان شمال قطاع غزة ونزوحهم جنوباً”، وأضافت “أن باراك طلب استشارة قانونية تمكنه من إخلاء السكان من المناطق التي يتم منها إطلاق الصواريخ ليتسنى على ما يبدو اجتياح تلك المناطق”.

وكذلك وزير الدفاع زعيم حزب العمل السابق عمير بيرتس المفترض عندهم أنه أقصى اليسار الذي نقلت إذاعة صوت “إسرائيل” يوم 4/3/2008 عنه قوله “يجب اعتبار المنازل الفلسطينية منشآت عسكرية ومهاجمتها إذا سمح سكانها بتحويل المنازل إلى مختبرات لإنتاج الصواريخ أو مستودعات للذخائر”.

ولكن – رغم كل هذه المعلومات والأدبيات السياسية والحربية يصر بعض الفلسطينيين والعرب وتصر الإدارة الأميركية وبعض الدول الأوروبية على أن “الصواريخ الفلسطينية” هي سبب التصعيد والاغتيالات والاجتياحات و”المحرقة” الصهيونية المفتوحة ضد غزة بنسائها وأطفالها وشيوخها وشيبها وشبانها، وكأن “إسرائيل” ليست دولة احتلال.

وكأن غزة والضفة ليستا أراض محتلة منذ عام 1967، وكأن غزة دولة مستقلة تعامل بالند مع دولة الاحتلال والإجرام، وكأن المحرقة والمجازر الإسرائيلية بدأت مع أول صاروخ فلسطيني يطلق على “إسرائيل” عام 2000 ، وكأنه ليس من حق شعب فلسطين الذي احتلت “إسرائيل” أرضه ووطنه واغتصبت حقوقه وشردته ولجأته ونفته إلى أصقاع العالم أن يتحرك للدفاع عن نفسه.

وكأن الضفة الغربية أيضاً تعج بالصواريخ التي تبرر لتلك الدولة بجيشها ومستعمريها مواصلة “السور الواقي” والاجتياحات والاغتيالات والاعتقالات الجماعية في نابلس وجنين وغيرها، وتبرر لها تقطيع أوصال الضفة إلى جيوب ومعازل وكانتونات وتحولها إلى معسكرات اعتقال جماعية لحوالي مليونين ونصف وأكثر من النساء والأطفال والشيوخ..!

لذلك نقول ونستغرب ونستنكر ونتساءل:

– لماذا يتعامى كل أولئك الذين يحملون الصواريخ الفلسطينية مسؤولية “المحرقة الصهيونية” ضد شعب بكامله احتلت أرضه واغتصب وطنه وسلبت حقوقه على أيدي تلك الدولة المافيا، الم تقترف وتواصل تلك الدولة محارقها ومجازرها منذ ما قبل النكبة الكبرى الأولى عام 1948؟ ألسنا في الحقيقة أمام موسوعة مفتوحة من المحارق الصهيونية ضد فلسطين وأهلها؟

ثم والأهم من كل ذلك نريد أن نتساءل بمنتهى البراءة هل حقاً أن “الصواريخ العبثية” هي سبب الاجتياحات والاغتيالات والمحارق؟ إذن لو توقفت هذه الصواريخ التي لم تقتل سوى 14 إسرائيلياً منذ ثماني سنوات كاملة- فهل يا ترى ستتوقف دولة “إسرائيل” المسكينة عن حروبها ومحارقها؟ وهل ستنسحب من الضفة الغربية وغزة مثلاً؟

فالقصة بالتالي في الخلاصة المكثفة ليست قصة “اختطاف الجندي “الذهبي” شليط في حينه، أو قصة “الصواريخ الفلسطينية العبثية” أو الفعالة التي باتت تشكل تهديداً لنحو نصف مليون إسرائيلي، وإنما قصة خطط ونوايا وأجندات مبيتة تهدف إلى إعادة صياغة مشروع الاحتلال من جديد وفقاً لموازين ومعادلات القوى والأحوال العربية والإقليمية والدولية.

ولذلك لا سبيل إلى ردع وتعطيل مشاريع الاحتلال في الاجتياحات والمجازر والاستيطان والجدران وجرائم الحرب الشاملة إلا بإعادة صياغة السياسات والمواقف الفلسطينية والعربية، لصالح الحوار والوحدة الفلسطينية أولاً، ثم لصالح تنسيق عربي حقيقي ولصالح جملة عربية واحدة مفيدة ومؤثرة في القمة العربية القريبة على أقل تقدير.

كاتب فلسطيني

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات