الخميس 25/أبريل/2024

المقاومة تنتصر لذلك جاء كارتر!!

المقاومة تنتصر لذلك جاء كارتر!!
صحيفة الشرق القطرية
 
تابعت جولة الرئيس الأمريكي الأسبق جيمي كارتر في المنطقة بقدر من الوعي بالتاريخ وبعين ناقدة، فأنا لا أشك لحظة في أن الرجل متحيز لإسرائيل، وأنه قد استطاع أن يحقق لها أكبر انتصار في تاريخها حين أجبر السادات على توقيع اتفاقيات كامب ديفيد، وأخرج مصر واقعيا من الصراع مع إسرائيل، وكسر بذلك الإجماع العربي على رفض الاعتراف بإسرائيل، والإصرار على استعادة الحقوق العربية، وانسحاب إسرائيل من الأراضي التي احتلتها عام 1967، وأنا أعتقد ان جيمي كارتر هو أذكى رئيس أمريكي، وأكثر ساسة أمريكا دهاء، وأنه رجل يجيد الدبلوماسية العامة والحديث لوسائل الإعلام، وتحقيق أهداف أمريكا بأسلوب ناعم أثبت أنه أفضل كثيراً من الحروب التي شنها بوش والتي ستؤدي الى الكثير من الكوارث على أمريكا.

تحسين صورة أمريكا

لا أستطيع أن أنكر إعجابي بالرجل خاصة أنني أستخدمه كنموذج للنجاح في الدبلوماسية الإعلامية، وأعترف أنه يتميز بقدر كبير من الحكمة، تجعله عدوا عاقلا، ولذلك فهو خير من صديق جاهل.
ومع ذلك فإنني أشعر بالخطر من تحركات الرجل التي أتابعها بقدر من الحذر، وبالطبع فإنني لا يمكن أن أنسى ما فعله في كامب ديفيد، كما أن تلك الدبلوماسية الناعمة هي أخطر بكثير من الحروب، وربما تحقق أهدافا تعجز الجيوش عن تحقيقها خاصة في عصر ثورة الاتصال.

ومن المؤكد ان من أهم أهداف كارتر تحسين صورة أمريكا التي نجح بوش في تشويهها، لذلك فقد ظهر ليصلح ما أفسده الجيش الأمريكي، وليقلل من اتساع الحرائق التي أشعلها بوش واليمين المسيحي المحافظ.
واستطيع أن أؤكد أن الرجل قد حقق نجاحا في هذا الهدف، فلقد بدا في مؤتمره الصحفي الذي نقلته وسائل الإعلام في صورة الرجل الحكيم الذي جاء يبحث عن السلام، ويبذل كل جهده لتحقيقه باسم أمريكا، وأنه يمثل الوجه الآخر لأمريكا الذي يختلف عن ذلك الوجه العدواني الذي يمثله بوش وتشيني ورامسفيلد.. هناك الكثير من الناس في الوطن العربي الذين يريدون أن يصدقوا كارتر، ويتمنون أن تصبح أمريكا داعمة للسلام، وأن تسعى لإطفاء الحرائق التي أشعلتها في الحضارة الإنسانية.. ولكن هل كانت تلك هي الحقيقة؟!

لست وسيطا!!

ولكن لا يلزم كارتر نفسه بشيء، فلقد أصر على أنه لم يأت كوسيط، وإنما جاء ليستمع للآراء المختلفة، ولأغراض التمويه والتضليل فقد ادعت إسرائيل الغضب من كارتر لأنه قابل خالد مشعل، وكذلك فعلت أمريكا، وهنا تذكرت موقفا لأمير الشعراء أحمد شوقي الذي كان لا يجيد إلقاء الشعر، ولذلك كان يطلب من حافظ إبراهيم أن يلقي قصائده بصوته الجميل المؤثر، لكن يبدو ان احدا قد أغرى أحمد شوقي بأن يلقي شعره بنفسه.. وعندما اجتمع المثقفون للاستماع إلى قصيدة شوقي الجديدة، ووقف شوقي يلقي قصيدته وكان مطلعها:

مال وعتب وادعى الغضب
ليت هاجري يذكر السبب

وهناك ضحك حافظ إبراهيم بصوته الجهوري قائلا باللهجة المصرية الدارجة:

انشال وانخبط وادعى العبط
ليت هاجري يبلع الزلط

وأنا أرفض استخدام اللغة العامية في الكتابة لكنني كنت مضطرا لذلك، فالموقف يمكن أن يصور حال إسرائيل مع مستر كارتر الذي جاء للمنطقة ليحقق أهداف إسرائيل، وليبحث لها عن مخرج من أزمتها. لماذا؟!

المقاومة تنتصر

سوف أقدم لكم التفسير الحقيقي لزيارة مستر كارتر.. لقد جاء أيها السادة ليبحث عن وسيلة لإنقاذ إسرائيل.. والدليل على ذلك أن وزير الدفاع الإسرائيلي ايهود باراك وهو سياسي صهيوني على درجة عالية من التطرف والغرور، قال في تصريحات للإذاعة العبرية: إن إسرائيل عاجزة تماما عن تحقيق أحلامها وأحلام أمريكا والدول الأوروبية في القضاء على حماس، وأضاف: انه من المستحيل القضاء على حركة المقاومة الإسلامية وانهاء سيطرتها على قطاع غزة، وان تجربة أمريكا في اسقاط الأنظمة وتعيين نظم عميلة لها قد فشلت في أفغانستان والعراق.

وكانت حركة المقاومة الإسلامية حماس قد قامت خلال الأسابيع الماضية بعدد من العمليات النوعية التي تؤكد أن الحركة رغم قسوة الحصار تزداد قوة وأنها قد استطاعت أن تثبت قدرتها على الدفاع عن غزة، والقيام بعمليات إبداعية تستهدف تحرير الأرض وكسر الحصار، وهذا أدى إلى زيادة حب الشعوب العربية لحماس، وغضب هذه الشعوب على نظمها الحاكمة التي تساهم في فرض الحصار على غزة، وأن هذه الشعوب تتطلع إلى دعم أهل غزة في صمودهم التاريخي ومقاومتهم الشجاعة للعدوان الإسرائيلي، وإصرارهم على تحرير أرضهم، ولذلك فإن هذا الحصار حتما سيفشل فهو جريمة ضد الإنسانية من يساهم في استمرارها فهو آثم وظالم.

لذلك حذرت قيادات إسرائيلية رفيعة من النتائج الكارثية على الجيش الإسرائيلي إذا استمرت عمليات المقاومة الفلسطينية النوعية التي تستهدف اقتحام المواقع العسكرية المحيطة بقطاع غزة.
كما أن الرئيس السابق لجهاز المخابرات الإسرائيلية قال: إنه لا مفر من الحوار مع حركة المقاومة الإسلامية حماس، فذلك أصبح أمرا واقعا يجب التعاطي معه.

لذلك جاء كارتر

إننا لم نصل بعد إلى درجة السذاجة التي تجعلنا نصدق أن مستر كارتر جاء بدون اتفاق مع بوش وإسرائيل وأنه فقط جاء ليستمع.
لقد جاء الرجل بهدف مقابلة خالد مشعل ليطلب منه وقف اطلاق الصواريخ على اسرائيل لمدة شهر كهدنة من جانب واحد، ورفض خالد مشعل ذلك فلا هدنة بدون ثمن، والهدنة يجب أن تكون متبادلة وعلى أساس وقف العدوان الاسرائيلي على غزة.

كما حاول كارتر ان يتوصل الى حل لمشكلة الجندي الاسرائيلي شاليط، وأراد أن يتأكد من أن هذا الجندي مازال حيا، وهو ما نجح فيه، لكن حماس أصرت على شروطها في تحرير ألف أسير فلسطيني من كل الاتجاهات، ورفضت تحرير نوابها ووزرائها مقابل هذا الجندي.

أما ما نجح فيه كارتر حقيقةً فهو الحصول على موافقة حماس على اتفاقية سلام تتضمن الانسحاب حتى خط الرابع من يونيو 1967 بما فيها القدس، وإقامة دولة فلسطينية على هذه الأرض، مع ضمان حق العودة، وبشرط عرض الاتفاق على الشعب الفلسطيني ليوافق عليه في استفتاء عام، وأكدت حماس بالاشتراك مع منظمات فلسطينية أخرى رفض الاستفتاء على أية اتفاقية لا تحترم الثوابت الفلسطينية وهي القدس وحق العودة، ثم أكدت حماس ان موافقتها على هذه الاتفاقية لا تعنى الاعتراف بإسرائيل، وبشكل واقعي فإن هذا هو الحل الوحيد الذي يمكن قبوله مرحليا، لقد فرضت المقاومة على العالم ان يحترم ثوابتها وأن يدرك انه لا مساومة على الحقوق، وأن الحصار الظالم سوف ينكسر، ولا يمكن أن يكسر إرادة شعب قرر أن يقاوم حتى يحرر أرضه.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات