الخميس 25/أبريل/2024

تعريف الدولة الفلسطينية!

تعريف الدولة الفلسطينية!
صحيفة الاتحاد الإماراتية
 

عقب اجتماع الرئيس الأميركي جورج بوش مع محمود عباس رئيس السلطة الفلسطينية صرح الأول بأنه ما زال واثقاً بأن الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي يمكنهما الاتفاق على “تعريف” للدولة الفلسطينية بنهاية ولايته مطلع السنة المقبلة. أرهقتنا الدبلوماسية الأميركية كثيراً بتأكيدها على أن جورج بوش هو أول رئيس أميركي يتبنى فكرة الدولة الفلسطينية، بل ويعتمدها في مجلس الأمن، وأن هذا يمثل نقلة نوعية هائلة في السياسة الأميركية وتطور الصراع، وأرهقناهم نحن كذلك بإثارة سؤال: أية دولة؟ فبعد الشعار تأتي التفاصيل: ما إقليم هذه الدولة؟ من شعبها؟ ما طبيعة سيادتها ونظام حكمها؟… فالمسألة تكتنف إذن كل قضايا الوضع النهائي للمسار الفلسطيني- الإسرائيلي.

والآن يبشرنا جورج بوش بثقته في أن الفلسطينيين والإسرائيليين سيتمكنون من وضع “تعريف” أو تحديد للدولة الفلسطينية بنهاية ولايته مطلع السنة المقبلة، وهو بهذا يحاول أن ينقذ الهدف المعلن -على غير أساس من خبرة الماضي أو معطيات الواقع- للتوصل إلى اتفاق نهائي بين الفلسطينيين والإسرائيليين بنهاية عام 2008. لا يكشف المسؤولون الأميركيون -للأمانة ولا غيرهم- عن أي إلمام يعتد به بدروس الخبرة الماضية لتطور الصراع العربي- الإسرائيلي، التي تشير إلى أن هذا الصراع، وإن عرف طريقه إلى التسوية عقب حرب 1967، قد اتجه نحو هذه التسوية ببطء شديد، فخلال أكثر من أربعين عاماً منذ وقوع هذه الحرب يمكن القول إن التسوية لم تتم على أي مسار من مسارات الصراع سوى المسار المصري- الإسرائيلي، باعتبار أن المسار الأردني- الإسرائيلي الذي عرف بدوره طريقه إلى التسوية باتفاقية 1994 لم يكن مساراً معقداً، بعد أن استثنيت منه الضفة الغربية التي أصبحت منظمة التحرير الفلسطينية هي المسؤول الوحيد عنها بموجب قرار قمة الرباط في 1974، بالإضافة إلى فك الأردن ارتباط الضفة الإداري به في 1988. والأكثر من هذا أن التسوية التي تحققت على الصعيد المصري- الإسرائيلي لا يقاس عليها، لأن إسرائيل كانت تهدف من ورائها إلى جني مكاسب استراتيجية -أكبر من الأضرار التي لحقتها بالانسحاب من سيناء- تتمثل أساساً في إخراج مصر من ساحة المواجهة العسكرية.

يعود هذا البطء في تقدم عملية التسوية إلى عاملين: أولهما تعقد الصراع وتفرعه إلى قضايا متشابكة يندر وجودها في صراع دولي آخر، وثانيهما تعمد إسرائيل لجم عملية التسوية لأنها تتصور أن الوقت في صالحها حيث يمكنها من تكثيف أكثر للاستيطان، وبصفة خاصة في مدينة القدس، بما يحسم سلفاً في رؤيتها بعض القضايا المصيرية بالنسبة لها. وهكذا فإن كل الجداول الزمنية قد سقطت، فاتفاقية الإطار في كامب ديفيد عام 1978 حددت خمس سنوات للتوصل إلى حل لقضايا الوضع النهائي، أي أنه كان من المفترض أن نصل إلى هذا الحل في 1983، وهو ما لم يحدث. وتكرر الأمر نفسه في “اتفاقية أوسلو” 1993 التي حددت خمس سنوات منذ بداية نفاذها لتحقيق الهدف ذاته، وكان من المفترض أن يتم ذلك في 1999، وهو ما لم يحدث أيضاً. والخطة الزمنية لخريطة الطريق المعلنة في 2003 كانت تفضي إلى نشأة الدولة الفلسطينية في 2005، وهو ما لم يحدث كذلك، ثم عدَّل الرئيس الأميركي توقيت تحقيق الهدف لاحقاً إلى 2009، أي بعد أن يكون قد غادر السلطة حيث لا يستطيع أحد أن يسائله عن مصير خططه الاستراتيجية، لكنه عاد على إيقاع حمى مؤتمر أنابوليس في الخريف الماضي فحدد نهاية عام 2008 للتوصل إلى اتفاق نهائي بين الفلسطينيين والإسرائيليين وسط دهشة كافة المتابعين لتطور مسيرة التسوية. بل إن دوائر مسؤولة في إسرائيل أعلنت في حينه بوضوح كامل أن هدفاً كهذا يستحيل التوصل إليه في غضون عام.

ثمة ميل لدى كل الرؤساء الأميركيين لأن يظهروا “شغفاً” بالصراع العربي- الإسرائيلي قبل نهاية ولايتهم. ربما لأن هذا سيساعدهم على ولوج التاريخ من باب استحال فتحه على من سبقهم، وربما يكون جورج بوش أحوجهم إلى هذا الإنجاز بالنظر إلى أنه سينهي ولايته التي امتدت ثماني سنوات صفر اليدين، فلا هو حافظ على ازدهار الاقتصاد الأميركي الذي تحقق في عهد سلفه، أو على شعبيته في أوساط الرأي العام الأميركي التي تدهورت إلى مستويات غير مسبوقة، أو على مكانة حزبه في الكونجرس حيث انتقل في عهده من وضع الأغلبية إلى وضع الأقلية، ولا هو نجح في حربه على الإرهاب، بل لقد أفضت هذه الحرب إلى تفاقم الظاهرة الإرهابية، وهو يقف بساقين مرتعشتين في العراق وأفغانستان، ويخلف تركته الثقيلة فيهما للرئيس القادم بعد أن كانت الجرأة قد واتته غير مرة ليعلن أنه انتصر.

وبالتأكيد فإن باب الصراع العربي- الإسرائيلي لن يعطيه ما لم يعط غيره من الرؤساء الأميركيين، بل لعله قد تسبب بسياساته في مزيد من عرقلة مسار التسوية، فحصاره لـ”حماس” كان -ضمن عوامل أخرى- سبباً في الانقسام بينها وبين “فتح”، وهو انقسام لا يسمح فلسطينياً بالتوصل إلى تسوية، على الأقل لأن المفاوض الفلسطيني الذي يعترف به بوش لا يمثل كافة القوى الفلسطينية الفاعلة، وتأييده الموقف الإسرائيلي من قضايا الوضع النهائي على نحو غير مسبوق -وبالذات في قضيتي اللاجئين والاستيطان- يجعل من المستحيل على أي فلسطيني مهما بلغ اعتداله أن يقبل تسوية وفق خطوط كهذه.

لذلك فإنه على رغم أن هدف توصل الفلسطينيين والإسرائيليين إلى “تعريف” الدولة الفلسطينية في مطلع 2009 يبدو تراجعاً نسبياً عن هدف إنشاء الدولة ذاتها، أو حل قضايا الوضع النهائي بحلول ذلك التوقيت فإنه -أي هدف “التعريف”- يبقى بالغ الطموح في ضوء معطيات الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي، فالدولة في أبسط تعريفاتها شعب وإقليم وحكومة، ولذلك فإن “تعريفها” يتطلب بالضرورة تعريف شعبها، وهو ما يفضي بنا رأساً إلى مشكلة اللاجئين الفلسطينيين المعقدة، بل وإلى فلسطينيي 1948 الحاملين للجنسية الإسرائيلية، والذين تريد إسرائيل الخلاص منهم سعياً إلى تحقيق يهودية الدولة، وتخلصاً من القنبلة الديموغرافية الفلسطينية الموقوتة. وفي ضوء الموقف الأميركي والإسرائيلي من المشكلة يبدو أن “تعريف” الشعب الفلسطيني ليس بالمسألة الهينة التي يمكن أن تنجز مع حلول عام 2009. و”الإقليم” يفضي بنا إلى تحديد حدود الدولة الفلسطينية، وهو ما يرتب مشاكل عديدة على رأسها مصير القدس الشرقية، إذ تتوحد كافة القوى السياسية في إسرائيل خلف بقاء القدس الموحدة عاصمة لها، ويضاف إلى ذلك عدم نية إسرائيل الانسحاب من كافة الأراضي التي تحتلها في الضفة على ضوء رغبتها في ضم الكتل الاستيطانية الكبرى فيها. و”الحكومة” تثير قضية سيادة الدولة الفلسطينية في مواجهة إسرائيل ومدى تمثيل الحكومة كافة القوى السياسية الفلسطينية، وهو ما تتدخل فيه الإدارة الأميركية إلى جانب إسرائيل لفرض “حجْر صحي” على “حماس” وعدم الاعتراف بها كقوة سياسية تمثل قطاعاً يفترض أنه أغلبية الشعب الفلسطيني. 

“تعريف” الدولة إذن ليس مهرباً من التسوية النهائية للصراع إذا كان للرئيس جورج بوش أن يفهم مدى تعقده، ولو أن ثمة من يحب الرئيس الأميركي فلينصحه بضرورة الابتعاد عن “مفرمة” هذا الصراع، التي سبق لها أن نالت من رؤساء أميركيين سبقوه زمنياً وتميزوا عنه موضوعياً، وخاصة أنه من الصعوبة عليه بمكان أن يفهم معطيات الصراع وحقائقه فيما تبقى له من زمن قبل نهاية ولايته. أما حقوق شعب فلسطين فهي ليست رهناً بدولة غامضة أو مؤقتة أو بـ”تعريف” هذه الدولة، وإنما هي أمانة في عنق فصائل النضال الفلسطيني كافة، وعليها أن تدرك أن استمرار انقسامها هو السبب الأصيل في تواصل هذه السخافات والأوهام السياسية، وأن نقطة البداية الصحيحة لاسترداد حقوق شعب فلسطين تكمن في استعادة وحدة فصائله المناضلة.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات

جامايكا تعلن الاعتراف بدولة فلسطين

جامايكا تعلن الاعتراف بدولة فلسطين

كينجستون – المركز الفلسطيني للإعلام أعلنت وزيرة الخارجية والتجارة الخارجية في دولة جامايكا، اليوم الأربعاء، أن دولتها اعترفت رسميًا بدولة فلسطين....